[ ص: 162 ] مسألة [ نفي الأحكام الشرعية ] اختلف في
نفي الأحكام الشرعية على ثلاثة مذاهب : أحدها : أنه حكم شرعي متلقى من خطاب الشارع . والثاني : ليس بحكم شرعي بل يرجع حاصله إلى بقاء الحكم فيه على ما كان قبل الشرع . والثالث : وإليه ميل
الغزالي وغيره إلى تقسيمه إلى نفي حكم مسبوق بالإثبات من الشرع ، وإلى تقرير على النفي الأصلي قبل الشرع . فالأول حكم شرعي كالإثبات ، والثاني محض تقرير على انتفاء الحكم ، فهو يخبرنا أن الله تعالى لم يخاطبنا فيه ، وكثيرا ما يخبر الشرع عن الحقائق ، ولا يكون ذلك حكما شرعيا وهو تعلق الخطاب ، وقد يسمى حكما لا على أنه علامة على الحكم ، كقول الشارع : لا زكاة في المعلوفة ، ونظائره .
حكى هذه المذاهب
البروي في " المقترح " قال : والذي كان ينصره
محمد بن يحيى تلميذ
الغزالي أن نفي الحكم حكم شرعي كنفي
[ ص: 163 ] الصلاة السادسة ، ونفي الزكاة عن عبيد الخدمة ، سواء تلقيناه من موارد النصوص ، أو من مواقع الإجماع . واحتج بإجماع الأمة على أن
المجتهد إذا استفرغ وسعه في البحث عن مظان الأدلة فلم يظفر بما يدل على الحكم فهو متقيد بالقطع بالنفي والعمل به ، وما ذاك إلا للإجماع الدال على نص بلغهم عن الرسول عليه السلام : إنكم إذا لم تجدوا دليل الثبوت فاجزموا بالنفي . فقد تعلق بنا خطاب الجزم بالنفي فتوى وعملا ، ولا معنى للحكم الشرعي غير هذا . وأين هذا من عدم الحكم قبل الشرع ؟ . قال : وهذا النفي ممكن تلقيه من النص أو الإجماع . فأما من القياس فينظر ، فإن كان النفي لعدم المقتضي لم يجز فيه قياس العلة . وإن كان المانع طرأ بعد تحقق المقتضي للحكم جرى فيه جميع الأقيسة . وقال شارح " المقترح "
أبو العز المختار : عندي من هذه المذاهب أنه ليس حكما شرعيا ; لأن الحكم خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين ، والنفي ليس فعلا ، ليكون الخطاب المتعلق به حكما . فهو في الحقيقة خبر عن انتفاء تعلق الخطاب .
وقولنا : " انتفاء الحكم " إشارة إلى انتفاء تعلق الخطاب ، فلا يكون حكما ، وما احتج به
محمد بن يحيى ممنوع ; لأنه جزم بوجوب الفتوى بالنفي ، وهو حكم الوجوب . وليس من نفي الحكم سبيل ، فإن تعلق التكليف لنا بالنفي مع أن النفي ليس من فعل المكلف ليس بسديد ، فهذه مغالطة منه لا تخفى