[ ص: 489 ] الثالثة : يجوز
تخصيص عموم الكتاب والسنة المتواترة بالقياس عند الأئمة الأربعة . وقال
ابن داود في شرح المختصر " : إن كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يصرح بالجواز . وحكى القاضي من الحنابلة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد روايتين . وبه قال
أبو الحسين البصري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12187وأبو هاشم آخرا . وحكاه
الشيخ أبو حامد ،
وسليم عن
ابن سريج أنه يجوز من طريق العموم لا القياس ، وبناء على رأيه في جواز القياس في اللغة . وبهذا كله يعلم أن ما نقله المتأخرون عن
ابن سريج ليس بصحيح .
وكذلك حكوا القول بالجواز مطلقا عن
الأشعري وأنكره بعضهم ، وليس كذلك . فإن
إمام الحرمين في مختصر التقريب " حكاه هكذا عن
الأشعري ، وحكى القاضي في التقريب " عن
الأشعري قولين في المسألة .
قال
سليم الرازي : لا يتصور التخصيص على مذهب
الأشعرية ، لأن اللفظ غير موضوع للعموم ، وإنما هو مشترك كما تقرر ، فإذا دل الدليل على أنه أريد به أحد الأمرين لم يكن تخصيصا وإنما هو بيان ما أريد به اللفظ انتهى .
وكذا نقله القاضي في التقريب " عن القائلين بإنكار الصيغ ، واختاره
الإمام فخر الدين في المحصول " ، ولذلك استدل على ترجيحه حيث قال : لنا أن العموم والقياس . إلخ ، لكنه اختار في المعالم " المنع ، وأطنب في نصرته ، وهذا الكتاب موضع لاختياراته ، بخلاف المحصول " فإنه موضوع لنقل المذاهب وتحرير الأدلة ، ثم إنه صرح في المحصول " في
[ ص: 490 ] أثناء المسألة بأن الحق ما قاله
الغزالي فيما سيأتي في السادس .
والثالث : المنع مطلقا قاله
أبو علي الجبائي وابنه
nindex.php?page=showalam&ids=12187أبو هاشم ثم رجع ابنه ووافق الجمهور . ونقله
الشيخ أبو حامد وسليم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، وإنما هي رواية عنه ، قال بها طائفة من أصحابه ; ونقله
القاضي عن طائفة من
المتكلمين ، قال
إمام الحرمين في التلخيص " : منهم
ابن مجاهد من أصحابنا . ونقله القاضي في التقريب " عن
الشيخ أبي الحسن أيضا ، ونقله
الشيخ أبو إسحاق في اللمع " عن اختيار
القاضي أبي بكر الأشعري ، وليس كذلك لما سيأتي .
وقال بعض المتأخرين : إنه ظاهر نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد : زعموا أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي نص عليه في أحكام القرآن " ; فإنه قال : إنما القياس الجائز أن يشبه ما لم يأت فيه حديث بحديث لازم ، فأما أن يعمد إلى حديث عام فيحمل على القياس ، فأين القياس في هذا الموضع ؟ إن كان الحديث قياسا فأين المسمى ؟
قال : فقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن القياس لا يعمل في الحديث العام ، وإنما يعمل في أنه يبتدأ به الحكم في موضع لا يكون فيه حديث ، أو قياس على موضع فيه حديث . فدل على أن مذهبه منع التخصيص بالقياس .
ورده
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد ، وقال : قد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم " قول الله تعالى : {
فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم } واحتمل أمره تعالى في الإشهاد أن يكون على سبيل الوجوب ، كقوله عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31084لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل } واحتمل أن يكون على الندب ، كقوله تعالى : {
وأشهدوا إذا تبايعتم } وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . لما
[ ص: 491 ] جمع الله بين الطلاق وبين الرجعة وأمر بالإشهاد فيهما ، ثم كان الإشهاد على الطلاق غير واجب ، كذلك الإشهاد على الرجعة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد : قد قاس
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي الإشهاد على الرجعة على الإشهاد على الطلاق ، وخص به ظاهر الأمر بالإشهاد إذ ظاهر الأمر الوجوب .
قال : وإما الكلام الذي تعلق به ذلك القائل ، فلم يقصد
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي منع التخصيص بالقياس ، وإنما قصد أنه لا يجوز ترك الظاهر بالقياس . وذلك أنه ذكر هذا في مسألة النكاح بلا ولي ، فروى حديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62478أيما امرأة نكحت } ، ثم حكى عن أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنهم قالوا : العلة في طلب الولي أنه يطلب الحظ للمنكوحة ، ويضعها في كفء ، فإذا تولت هي ذلك لم يحتج إلى الولي فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : هذا القياس غير جائز ، لأنه يعمد إلى ظاهر الحديث فيسقطه ، فإن ما ذكره يفضي إلى سقوط اعتبار الولي وذلك يسقط نص الخبر ، واستعمال القياس هنا لا يجوز ، إنما يجوز حيث يخص العموم انتهى .
وحاصله أن استنباط معنى من النص يعود عليه بالإبطال لا يجوز ، وهو ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وليس مراده تخصيص العموم بالقياس ، فإن ذلك لا يبطل العموم .
المذهب الثالث : إن تطرق إليه التخصيص بدليل قطعي خص به وإلا فلا . وحكاه
القاضي في التقريب " عن
nindex.php?page=showalam&ids=16739عيسى بن أبان ، وكذا
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق في اللمع " ، وحكى
الإمام عنه إن تطرق إليه التخصيص
[ ص: 492 ] بغير القياس جاز ، وإلا فلا ، وكذا حكاه
الشيخ في اللمع " عن بعض
العراقيين .
الرابع : إن تطرق إليه التخصيص بمنفصل جاز ، وإلا فلا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي . وقال :
nindex.php?page=showalam&ids=14330أبو بكر الرازي : كل ما لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد ، لا يجوز تخصيصه بالقياس لأن خبر الواحد مقدم على القياس ، فما لا يخصه أولى أن لا يخص بالقياس . وقال : هذا مذهب أصحابنا ، ونقله عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن ، لأن كل ما ثبت بوجه قطعي لا يرتفع إلا بمثله .
وقال
أبو زيد في التقويم " : لا يجوز عندنا
تخصيص العام ابتداء بالقياس ، وإنما يجوز إذا ثبت خصوصه بدليل يجوز رفع الكل لها من خبر تأيد بالإجماع أو الاستفاضة ، لم يقع الإشكال في صارفه إنما من جنس دخل تحت الخصوص ، أو من جنس ما بقي تحت العموم ، فيتعرف ذلك بالقياس .
الخامس : إن كان القياس جليا جاز التخصيص به ، وإن كان قياس شبه أو علة فلا ، نقله
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد وسليم في التقريب " عن
الإصطخري ، زاد
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد :
وإسماعيل بن مروان من أصحابنا ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور عن
أبي القاسم الأنماطي ،
ومبارك بن أبان وابن علي الطبري .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد الإسفراييني القياس إن كان جليا مثل : {
فلا تقل لهما أف } جاز التخصيص به بالإجماع . وإن كان واضحا ، وهو المشتمل على جميع معنى الأصل ، كقياس الربا ، فالتخصيص به جائز في قول عامة أصحابنا ، إلا طائفة شذت لا يعتد بقولهم . وإن كان خفيا وهو قياس علة الشبه فأكثر أصحابنا أنه لا يجوز التخصيص به . ومنهم من شذ فجوزه .
[ ص: 493 ] وقال
ابن كج : قياس الأصل وقياس العلة لا يختلف المذهب أن التخصيص بهما سائغ جائز ، وعليه عامة الفقهاء ، ومنعه
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود ; وأما قياس الشبه فاختلف فيه أصحابنا على وجهين ، ثم نبه على المراد بالتخصيص بالقياس أن ما دخل تحت العموم في اللفظ بين القياس أن ذلك لم يكن داخلا في اللفظ ، لا أنه دخل في المراد ، ثم أخرجه القياس ; لأن ذلك يكون نسخا ولا يجوز
نسخ القرآن بالقياس .
وقال
الأستاذ أبو إسحاق وأبو منصور : أجمع أصحابنا على جواز
التخصيص بالقياس الجلي ، واختلفوا في الخفي على وجهين ; والصحيح الذي عليه الأكثرون جوازه أيضا . وكذا قال
أبو الحسين بن القطان والماوردي والروياني في باب القضاء . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي نص على جواز
التخصيص بالخفي في مواضع ، ثم اختلفوا في الجلي وهو الذي قضى
القاضي بخلافه . وقيل : هو قياس المعنى ، والخفي قياس وقيل : ما تتبادر علته إلى الفهم مثل : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31887لا يقضي القاضي وهو غضبان } .
السادس : إن تفاوت القياس والعام في غلبة الظن رجح الأقوى ، فيرجع العام بظهور قصد التعميم فيه ويكون القياس العارض له قياس شبه ، ويرجح القياس بالعكس من ذلك . فإن تعادلا فالوقف وهو مذهب
الغزالي ، واختاره
المطرزي في العنوان " واعترف
الإمام الرازي في أثناء المسألة بأنه حق ، وكذا قال
الأصفهاني شارح المحصول "
nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري [ ص: 494 ] وابن التلمساني ، واستحسنه
القرافي nindex.php?page=showalam&ids=14979والقرطبي ، وقال : لقد أحسن في هذا الاختيار
nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد ، فكم له عليه من شاكر وحامد .
وقال
الشيخ في شرح العنوان " : أنه مذهب جيد ، فإن العموم قد تضعف دلالته لبعد قرينته ، فيكون الظن المستفاد من القياس الجلي راجحا على الظن المستفاد من العموم الذي وصفناه ، وقد يكون الأمر بالعكس ، بأن يكون العموم قوي الرتبة ، ويكون القياس قياس شبه ، والقاعدة الشرعية : أن العمل بأرجح الظنين واجب .
واعلم أن هذا الذي قاله
الغزالي ليس مذهبا ، ولم يقله الرجل على أنه مذهب مستقل ، فتأمل المستصفى " تجد ذلك . ولا يقول أحد : إن الظن المستفاد من العموم أقوى ، ثم يقول : القياس تخصيص أو بالعكس ، ولا خلاف بين العقلاء أن أرجح الظنين عند التعارض معتبر ، والوقوف عند المستوي ضروري ، إنما الشأن في بيان الأرجح ما هو ؟ ففريق قالوا : إن الأرجح العموم ، فلا يخص بالقياس ، وهو
الإمام في المعالم " وقوم قالوا : الأرجح القياس ، فيخص العموم . والقولان عن
الأشعري ، كما حكاه
القاضي في التقريب .
السابع : الوقف في القدر الذي تعارضا فيه ، والرجوع إلى دليل آخر سواها ، وهو مذهب
الغزالي ، واختاره
إمام الحرمين ،
والغزالي في المنخول " ،
وإلكيا الطبري .
قال : ولا يظهر فيه دعوى القطع من الصحابة بخلافه في خبر الواحد . وهذا المذهب شارك القول بالتخصيص من وجه ، وباينه من وجه ، أما المشاركة فلأن المطلوب من تخصيص العام بالقياس إسقاط الاحتجاج ، والواقف يقول به ، وأما المباينة ، فهي أن القائل بالتخصيص يحكم بمقتضى القياس ، والواقف لا يحكم به .