تنبيه : [
العقل عند المعتزلة يوجب ويحرم ] ظاهر النقل السابق عنهم أن العقل يوجب ويحرم على جهة الاستقلال واستدلالهم بالآية {
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } يقتضيه . يقتضيه ، والتحقيق في ذلك عن
المعتزلة : أن الفعل إن اشتمل على مصلحة
[ ص: 190 ] خالصة أو راجحة اقتضى العقل أن الله تعالى طلبه ، وإن اشتمل على مفسدة خالصة أو راجحة اقتضى العقل أن الله تعالى طلب تركه ، وإن تكافأت مصلحة الفعل ومفسدته أو تجرد عنهما أصلا كان مباحا وليس حكما شرعيا عندهم ، لثبوته قبل ورود الشرع ، وأن العقل أدرك أن الله تعالى يجب له بحكمته البالغة أن لا يدع مصلحة في وقت ما إلا أوجبها وأثاب عليها ، ولا يدع مفسدة في وقت ما إلا حرمها ، وعاقب عليها تحقيقا لكونه حكيما ، وإلا لفاتت الحكمة في جانب الربوبية . فعندهم إدراك العقل لما ذكرنا من قبل الواجبات للعقل لا من قبل الجائزات كما نقول . وليس مرادهم أن الأوصاف مستقلة بالأحكام ، ولا أن العقل يوجب ويحرم ، وهذا هو الحق في تقرير مذهبهم وتلخيص النزاع ، وهو المفهوم من كلام
الصيرفي السابق وحاصل كلام
القرافي أيضا . والأصوليون الناقلون لهذه المسألة قد أحالوا المعنى ، ونقلوا عن
المعتزلة ما لا ينبغي لقائل أن يقوله .