النوع الثاني
مفهوم الصفة
وهو تعليق الحكم على الذات بأحد الأوصاف ، نحو : في سائمة الغنم زكاة ، وكتعليق نفقة البينونة على الحمل ، وشرط ثمرة النخل للبائع إذا كانت مؤبرة ، فيدل على أن لا زكاة في المعلوفة ، ولا نفقة للحامل ، ولا ثمرة لبائع النخلة غير المؤبرة .
والمراد بالصفة عند الأصوليين : تقييد لفظ مشترك المعنى بلفظ آخر مختص ليس بشرط ولا غاية ، ولا يريدون بها النعت فقط كالنحاة . ويشهد لذلك تمثيلهم ب {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35163مطل الغني ظلم } ، مع أن التقييد به إنما هو بالإضافة فقط وقد جعلوه صفة . إذا علمت ذلك فقد ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ومعظم الفقهاء ، وأصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ،
وأهل الظاهر إلى أنه يدل على نفيه عما عداه . وحكاه
سليم الرازي [ ص: 156 ] عن اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني والإصطخري ،
nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبي إسحاق المروزي ،
وابن خيران . قال : وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور . قلت :
nindex.php?page=showalam&ids=14667وأبو بكر الصيرفي ، ونقله في كتابه عن نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فقال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ومعقول في لسان
العرب أن الشيء إذا كان له وصفان ، فوصف أحدهما بصفة أن ما لم يكن فيه تلك الصفة بخلافه . ا هـ .
وكذا حكاه
أبو الحسين بن القطان ، وقال إنه نص عليه في كتاب الزكاة ، ثم حكى في القول به بمجرده وجهين لأصحابنا . قال
القاضي : ويدل عليه كلام شيخنا
أبي الحسن ، لأنه قال في إثبات خبر الواحد : قال تعالى : {
إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } مفهوم ذلك يدل على أن غير الفاسق لا نتبينه ، وتمسك أيضا في إثبات الرؤية ب {
كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } . قال : مفهومه يقتضي إثبات الرؤية لأهل الجنان ، وهذا نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا في " أحكام القرآن " .
وقال
عبد الوهاب في " الملخص " : قال جمهور أصحابنا بمفهوم الصفة ، ونص عليه
أبو الفرج في " اللمع " ، وهو ظاهر قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . ا هـ . وبهذا يرد نقل صاحب " المعالم " عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك موافقة
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة . قال
ابن التلمساني : ولعلهما ينقلان عنه بالتخريج في مسائل . وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب الجنائز عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62530من مات يشرك بالله دخل النار } وقلت أنا : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة . ا هـ . وهذا مصير منه إلى القول بالمفهوم .
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وأصحابه ، وطوائف من أصحابنا ، والمالكية إلى
[ ص: 157 ] نفيه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور : وقد رآه الحنفية أقوى الأدلة ، ومنعهم من الزيادة على النص . ا هـ . وهو اختيار
القاضي ، وبه قال
ابن سريج والقفال ، زاد صاحب " المصادر " :
وأبو بكر الفارسي . قال : وأضاف ذلك
ابن سريج إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وتأول كلامه المقتضي بخلاف ذلك .
وقال
الأستاذ أبو إسحاق : أباح
القفال بمخالفة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في مفهوم الصفة . وأما
ابن سريج فتلطف ، وقال : إنما قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بالمفهوم بدليل يزيد على نفس اللفظ ، لا من نفس اللفظ . ا هـ . واختاره
الغزالي ،
والآمدي ، وصاحب " المحصول " فيه . واختار في " المعالم " خلافه . وممن صار إليه من أهل اللغة
الأخفش ،
وابن فارس في كتاب " فقه العربية " ،
nindex.php?page=showalam&ids=13042وابن جني . وذهب
الماوردي من أصحابنا إلى التفصيل بين أن يقع ذلك جواب سؤال فلا يكون حجة ، وبين أن يقع ذلك ابتداء ، فيكون حجة ، لأنه لا بد لتخصيصه بالذكر من موجب ، فلما خرج عن الجواب ثبت وروده للبيان . قال : وهذا هو الظاهر من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقول جمهور أصحابنا ، ولا يحسن أن يجعل هذا مذهبا آخر ، لأن من شرط القول بالمفهوم من أصله أن لا يظهر للتخصيص بالذكر فائدة غير نفي الحكم .
وذهب
أبو عبد الله البصري فيما حكاه صاحب " المعتمد " إلى أنه حجة في ثلاث صور : أن يرد مورد البيان ، كقوله : ( في سائمة الغنم ) ، أو مورد التعليم ، نحو : خبر التحالف والسلعة قائمة ، أو يكون ما عدا الصفة داخلا تحت الصفة ، نحو : الحكم بالشاهدين يدل على نفيه عن الشاهد الواحد ، لأنه داخل تحت الشاهدين ، ولا يدل على نفي الحكم فيما سوى ذلك .
[ ص: 158 ] وفصل
إمام الحرمين بين الوصف المناسب وغيره ، فقال بمفهوم الأول دون الثاني . وعليه يحمل ما نقله
الرازي عنه من المنع
nindex.php?page=showalam&ids=12671وابن الحاجب من الجواز ، وإلا فهما نقلان متنافيان . نعم ، صرح في باب الربا من " الأساليب " بعدم الاشتراط ، فقال : إذا عللنا بالشيء المحتمل ، فلا تشترط الإحالة في المفهوم ، بل نقول : إذا خصص موصوف بذكر أينفي الحكم عما عداه ، وإن لم يفد إحالة في الصفة ؟ قال
الإمام : ومن سر مذهبنا أنه لا يشترط في الوصف المناسب ما يشترط في العلل من السلامة عن القوادح ، وصلاحيته استقلالا لإثبات الحكم في المنطوق به ، لأنه لا يسند إلى المعنى ، وإنما يسند إلى اللفظ ، والمناسبة عنده معتبرة لترجيح قصد اختصاص الحكم بالمنطوق به ، وقطع الإلحاق . وخالف
إمام الحرمين nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في زيادة هذا الشرط ، وقال : لأن كل صفة لا يفهم منها مناسبة الحكم فالموصوف بها كاللقب .
قلت : وخرج من هذا أنا إذا أثبتناه فهل هو من جهة العلة ، أو من جهة اللفظ ؟ قولان . والأول ظاهر مذهب
إمام الحرمين . وهذا شرط الوصف المناسب ، وعلى هذا محل القول به إذا كانت الصفة في المحكوم عليه ، والحكم تعليل بها فلا يثبت عند انتفائها . وهذا التفصيل هو قضية اختيار
القاضي عبد الوهاب كما ذكره
المازري . وقد رد
ابن السمعاني هذا التفصيل على
الإمام فإنه خلاف مذهب
[ ص: 159 ] nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وبأن العلة ليس من شرطها الانعكاس . ا هـ .
والإمام قد أورد هذا على نفسه ، وأجاب بأن قضية اللسان هي الدالة عند إحالة الوصف على ما عداه بخلافه ، وزعم أن هذا وضع اللسان ومقتضاه ، والحالة هذه . وما ذكره من مقتضيات اللسان بخلاف العلل المستنبطة . وإذا قلنا : حجة ، فهل دل عليه اللغة أم استفدناه من جهة الشرع ؟ على وجهين حكاهما
الروياني في " البحر " .
وقد سبق أن
ابن السمعاني حكاهما في صيغ مفاهيم المخالفة . واختار
الإمام في " المعالم " أنه يدل بالعرف لا باللغة ، لأن أهل العرف يقصدونه ، وإلا لم يكن للتخصيص فائدة . وأما انتقاؤه بحسب الوضع فلأن مقتضاه ثبوت الحكم في تلك الصورة المقيدة بالصفة . وهو غير مستلزم للانتفاء في الصورة الأخرى وإلا لما كانت القضية الكلية ممكنة ، وهو المطلوب . .