[ ص: 216 ] فصل في
شروط النسخ
الأول : أن يكون الحكم المنسوخ شرعيا لا عقليا ، أي قد ثبت بالشرع ، ثم رفع ، فإن كان شيئا يفعله الناس بعادة لهم أقروا عليها ، ثم رفع كاستباحتهم الخمر في أول الإسلام على عادة كانت لهم إلى أن حرم لم يكن نسخا . وإنما هو ابتداء شرع .
الثاني : أن يكون الناسخ منفصلا عن المنسوخ متأخرا عنه ، فإن المقترن كالشرط والصفة والاستثناء لا يسمى نسخا ، وإنما هو تخصيص ، كقوله : {
ثم أتموا الصيام إلى الليل } فليس ذلك ناسخا للصوم نهارا ، وكذا قوله : {
ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } . قال
إلكيا : هذا إذا كانت الغاية معلومة ، فإن كانت مجملة وهي التي رمز الشرع إليها ، ولو لم ترد أمكن إجراء حكم النص كقوله : {
فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } فهل يجعل بيان الحكم على خلاف الحكم السابق بعدها نسخا للحكم المتقدم أم لا ؟ قال : فيه قولان لأصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، والأقرب أنه نسخ بحق شرعية الجلد بعد قوله : {
أو يجعل الله لهن سبيلا } وبه جزم
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور كما لو قال : افعلوه إلى أن أنسخه .
الثالث : أن يكون النسخ بخطاب شرعي ، فارتفاع الحكم بموت
[ ص: 217 ] المكلف أو جنونه ليس بنسخ ، وإنما هو سقوط التكليف جملة .
الرابع : أن لا يكون المرفوع مقيدا بوقت يقتضي دخوله زوال المغيا بغاية ، فلا يكون نسخا عند وجودها .
الخامس : أن يكون الناسخ أقوى من المنسوخ أو مثله ، فإن كان أضعف منه لم ينسخه ، لأن الضعيف لا يزيل القوي . قال
إلكيا : وهذا مما قضى به العقل ، بل دل الإجماع عليه ، فإن الصحابة لم ينسخوا نص القرآن بخبر الواحد .
السادس : وذكره
إلكيا أن يكون المقتضى بالمنسوخ غير المقتضى بالناسخ ، حتى لا يلزم البداء . قال : ولا يشترط بالاتفاق أن يكون اللفظ الناسخ متناولا لما تناوله المنسوخ ، أعني التكرار والبقاء ، إذ لا يمنع فهم البقاء بدليل آخر سوى اللفظ ، ومن هنا يفارق التخصيص .
السابع : أن يكون مما يجوز أن يكون مشروعا ، وأن لا يكون مما لا يحتمل التوقيت نسخا ، مع كونه مشروعا . فلا يدخل النسخ أصل التوحيد بحال ، لأن الله تعالى بأسمائه وصفاته لم يزل ولا يزال ، وكذا ما علم بالنص أنه يتأبد ولا يتأقت فلا يدخله نسخ ، كشريعتنا هذه . قال
سليم : وكل ما لا يكون إلا على صفة واحدة كمعرفة الله تعالى ووحدانيته ونحوه فلا يدخله النسخ . ومن هنا يعلم أنه لا نسخ في الأخبار ، إذ لا يتصور وقوعها على خلاف ما أخبر به الصادق . وكذا قال
إلكيا الطبري . وقال : الضابط فيما ينسخ ما يتغير حاله من حسن لقبح . .