مسألة في
نسخ الأخبار [ الخبر ] إما أن ينسخ لفظه أو مدلوله . والأول : إما أن ينسخ تكليفا بأن يخبر به ، أو تلاوته ، ولا خلاف في جوازه سواء كان ماضيا أو مستقبلا فيما يقبل التغيير كإيمان زيد أم لا . وسيأتي حديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62535لو أن لابن آدم واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثا } ، لأنه من المنسوخ تلاوته ، وهو خبر ، لكن
هل يجوز نسخ تكليفنا بالإخبار عما لا يتغير تكليفا بالإخبار بنقيضه ؟ منعه
المعتزلة ، لأنه كذب والتكليف فيه قبيح . قال
الآمدي : وهذا مبني على قاعدة الحسن والقبح الباطلة عندنا . قال : وعلى هذا فلا مانع من التكليف بالخبر نقيض الحق .
والثاني : وهو نسخ مدلوله وثمرته ، وهي المسألة الملقبة بنسخ
[ ص: 245 ] الأخبار بين الأصوليين ، فننظر فإن كان مما لا يمكن تغييره بأن لا يقع إلا على وجه واحد كصفات الله ، وخبر ما كان من الأنبياء والأمم ، وما يكون من الساعة وآياتها ، كخروج
الدجال ، فلا يجوز نسخه بالاتفاق كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي ،
وابن برهان في " الأوسط " ، لأنه يفضي إلى الكذب ، وإن كان مما يصح تغييره بأن يقع على غير الوجه المخبر عنه ماضيا كان أو مستقبلا ، أو وعدا أو وعيدا ، أو خبرا عن حكم شرعي ، فهو موضع الخلاف .
فذهب
أبو عبد الله ،
وأبو الحسين البصريان ،
وعبد الجبار ،
والإمام الرازي إلى جوازه مطلقا ، ونسبه
ابن برهان في " الأوسط " إلى المعظم . وذهب جماعة إلى المنع ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=14667أبو بكر الصيرفي كما رأيته في كتابه ،
nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبو إسحاق المروزي كما رأيته في كتابه في " الناسخ والمنسوخ " ،
والقاضي أبو بكر ،
وعبد الوهاب ،
والجبائي ، وابنه
nindex.php?page=showalam&ids=12187أبو هاشم ،
وابن السمعاني ،
nindex.php?page=showalam&ids=12671وابن الحاجب . وقال
الأصفهاني : إنه الحق .
ومنهم من فصل ، ومنع في الماضي لأنه يكون تكذيبا ، دون المستقبل ، لجريانه مجرى الأمر والنهي ، فيجوز أن يرفع ، ولأن الكذب يختص بالماضي ولا يتعلق بالمستقبل ، ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يجب الوفاء بالوعد ، وإنما يسمى من لم يف بالوعد مخلفا لا كاذبا .
وهذا التفصيل جزم به
سليم ، وجرى عليه
nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي في " المنهاج " ، وسبقهما إليه
أبو الحسين بن القطان ، فقال الخبر ضربان : أحدهما : ما يمنع نسخه كما حكاه الله لنا عن الأمم السالفة ، كقوله : {
فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } .
[ ص: 246 ]
والثاني : ما كان من باب الأخبار الكائنة كقوله : من صلى دخل الجنة ، ومن زنى دخل النار ، فهذا يجوز تغييره ، فيقال بعد ذلك : من صلى أدخلته النار على حسب المصلحة . ا هـ .
وقيل : إن كان الخبر الأول معلقا بشرط أو استثناء جاز نسخه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13549ابن مقلة في كتابه " البرهان " : كما وعد قوم
يونس بالعذاب إن لم يتوبوا ، فلما تابوا كشفه عنهم . وقال
الآمدي : يجوز مطلقا إذا كان مما يتكرر والخبر عام ، فيبين الناسخ إخراج ما لم يتناوله اللفظ .
وقال
ابن دقيق العيد : المشهور في الخبر أنه لا يدخله النسخ ، لأن صدقه مطابقته للواقع ، وذلك لا يرتفع . واختار جماعة من الفضلاء جوازه ، لكن جوازا مقيدا ، وينبغي أن يكون في صورتين : إحداهما : أن يكون بمعنى الأمر ، نحو : {
والوالدات يرضعن } .
والثانية : أن يكون الخبر تابعا للحكم ، فيرتفع بارتفاع الحكم .
[ ص: 247 ] تنبيهات
الأول : أن الخلاف مبني على
تفسير النسخ وهل هو رفع أو بيان كما صرح به
القاضي ؟ فقال : ذهب كل من قال بأن النسخ بيان ، وليس برفع حقيقي إلى جواز النسخ في الأخبار على هذا التأويل . قال : وأما نحن إذا صرنا إلى أنه رفع لثابت حقيقي ، وأن المبين ليس بنسخ أصلا ، فلا نقول على هذا بنسخ الأخبار ، لأن في تجويزه حينئذ تجويز الخلف في خبر الله ، وهو باطل . وهذا بخلاف تجويز النسخ في الأوامر والنواهي ، لأنه لا يدخلها صدق ولا كذب . ا هـ .
ومن هذا يعلم أن من وافق
القاضي ، في تفسيره بالرفع وقال بتجويز النسخ في الأخبار فلم يتحقق . ولم يقف
الهندي على كلام
القاضي ، فقال : لا يتجه الخلاف إن فسرنا النسخ بالرفع ، لأن نسخه حينئذ يستلزم الكذب . وإنما يتم إذا فسرناه بالانتهاء ، فإنه لا يمتنع حينئذ أن يراد من الدليل على ثبوت الحكم في كل الأزمنة لا بعضها . .