صفحة جزء
[ ص: 13 ] القسم الثاني الأفعال وعادتهم يقدمون عليها الكلام على العصمة ; لأجل أنه ينبني عليها وجوب التأسي بأفعاله . [ عصمة الأنبياء ] والكلام قبل النبوة وبعدها أما قبل النبوة ، فقال المازري : لا تشترط العصمة ، ولكن لم يرد في السمع وقوعها . وقال القاضي عياض : الصواب عصمتهم قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته ، والتشكيك في شيء من ذلك ، وقد تعاضدت الأخبار عن الأنبياء بتبرئتهم عن هذه النقيصة منذ ولدوا ، ونشأتهم على التوحيد والإيمان . ونقل ابن الحاجب عن الأكثرين عدم امتناعها عقلا ، وأن الروافض ذهبوا إلى امتناعها ، ونقله غيره عن المعتزلة ; لأن ذلك يوجب هضمه واحتقاره ، وهو خلاف الحكمة ، والأصح قول الأكثرين ، ومنهم القاضي ; لأن السمع لا دلالة له على العصمة قبل البعثة ، وأما دلالة العقل فمبنية على فاسد أصلهم في التحسين والتقبيح العقلي ووجوب رعاية الأصلح والمصلحة . [ ص: 14 ]

وأما بعد النبوة والإرسال بالمعجزة ، فقد دلت المعجزة دلالة قطعية على صدقه ، وهل دلالتها عقلية أو عادية ؟ خلاف سبق في أول الكتاب . فكل أمر ينافي دلالتها فهو على الأنبياء محال عقلا . والكلام في العصمة يرجع إلى أمور . أحدها : في الاعتقاد ولا خلاف بين الأمة في وجوب عصمتهم عما يناقض مدلول المعجزة ، وهو الجهل بالله تعالى والكفر به . وثانيها : أمر التبليغ ، وقد اتفقوا على استحالة الكذب والخطأ فيه . وثالثها : في الأحكام والفتوى ، والإجماع على عصمتهم فيها ولو في حال الغضب ، بل يستدل بشدة غضبه صلى الله عليه وسلم على تحريم ذلك الشيء . ورابعها : في أفعالهم وسيرهم ، فأما الكبائر فحكى القاضي إجماع المسلمين أيضا على عصمتهم فيها ، ويلحق بها ما يزري بمناصبهم كرذائل الأخلاق ، والدناءات ، وإنما اختلفوا في الطريق ، هل هو الشرع أو العقل ؟ فقالت المعتزلة وبعض أئمتنا : يستحيل وقوعها منهم عقلا ; لأنها منفرة عن الاتباع ، ونقله إمام الحرمين في البرهان عن طبقات الخلق . قال : وإليه مصير جماهير أئمتنا . وقال ابن فورك : إن ذلك ممتنع من مقتضى المعجزة . وقال القاضي عياض : إنها ممتنعة سمعا ، والإجماع دل عليه . ولو رددنا إلى العقل فليس فيه ما يحيلها واختاره إمام الحرمين ، والغزالي وإلكيا ، وابن برهان . وقال ابن القشيري : إنه المستقيم على أصولنا . وقال المقترح : إنه الصواب ; لأنه ليس في العقل ما يحيله ، وجعل الهندي الخلاف فيما إذا لم يسنده إلى المعجزة في التحدي ، فإن أسنده إليها كان امتناعه عقلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية