القول في السكران " اختلف في تكليفه على قولين " والأصح المنصوص في الأم : أنه مكلف . قال
الرافعي : وفي محل القولين أربع طرق أصحها : أنهما جاريان في أقواله وأفعاله كلها ، ما له وما عليه .
والثاني : أنهما في أقواله كلها ، كالطلاق والعتاق والإسلام والردة ، والبيع والشراء وغيرها ، وأما أفعاله : كالقتل والقطع وغيرها ، فكأفعال الصاحي بلا خلاف لقوة الأفعال .
الثالث : أنهما في الطلاق والعتاق والجنايات .
وأما بيعه وشراؤه وغيرهما من المعاوضات ، فلا يصح بلا خلاف ; لأنه لا يعلم ما يعقد عليه والعلم شرط في المعاملات .
الرابع : أنهما فيما له ، كالنكاح والإسلام ، أما ما عليه كالإقرار والطلاق والضمان ، فينفذ قطعا تغليظا ، وعلى هذا لو كان له من وجه ، وعليه من وجه ، كالبيع والإجارة نفذ تغليبا بطريق التغليظ ، هذا ما أورده
الرافعي . وقد اغتر به بعضهم فقال تفريعا على الأصل :
السكران في كل أحكامه كالصاحي ، إلا في نقض الوضوء .
قلت : وفيه نظر ، فالصواب تقييد ذلك بغير العبادات ويستثنى منه الإسلام ، أما العبادات ، فليس فيها كالصاحي كما تبين ذلك ; فمنها الأذان ، فلا يصح أذانه على الصحيح ; كالمجنون والمغمى عليه ; لأن كلامه لغو وليس من أهل العبادة ، وفيه وجه أنه يصح بناء على صحة تصرفاته .
قال في شرح المهذب : وليس بشيء ، قال : أما
من هو في أول النشوة ، فيصح أذانه بلا خلاف .
[ ص: 217 ] ومنها ،
لو شرب المسكر ليلا وبقي سكره جميع النهار ، لم يصح صومه ، وعليه القضاء ، وإن صحا في بعضه فهو كالإغماء في بعض النهار . ومنها
لو سكر المعتكف ، بطل اعتكافه ونتابعه أيضا .
واعلم : أن في
بطلان الاعتكاف بالسكر والردة ، ستة طرق ، نظير مسألة العفو عما لا يدركه الطرف في الماء والثوب .
الأول وهو الأصح : يبطل بهما قطعا ; لأنهما أفحش من الخروج من المسجد .
والثاني : لا ; قطعا .
والثالث فيهما قولان .
والرابع : يبطل في السكر دون الردة ; لأن السكران ليس من أهل المقام في المسجد ; لأنه لا يجوز إقراره فيه ، فصار كما لو خرج من المسجد ، والمرتد من أهل المقام فيه ; لأنه يجوز إقراره فيه .
والخامس : يبطل في الردة دون السكر ; لأنه كالنوم بخلافها ; لأنها تنافي العبادات .
والسادس ، يبطل في السكر لامتداد زمانه ، وكذا الردة إن طال زمانها ، وإلا فلا .
قال
الرافعي ، ولا خلاف أنه لا يحسب زمانها .
ومنها : لا يصح وقوف السكران بعرفة ، سواء كان متعديا أم لا ، كالمغمى عليه ، ذكره في شرح المهذب .
ومنها : في وجوب الرد عليه إذا سلم ، وكذا المجنون ، وجهان في الروضة بلا ترجيح ، قال في شرح المهذب : والأصح أنه لا يجب الرد عليهما ، ولا يسن ابتداؤهما . فهذه فروع ليس السكران فيها كالصاحي .
وبقي فرع ، لم أر من ذكره وهو : لو بان إمامه سكران ، فهل تجب الإعادة كما لو بان مجنونا ; لأنه لا يخفى حاله أولا ، كما لو بان محدثا ؟ الظاهر : الأول .