القول في
أحكام الصبي قال في كفاية المتحفظ :
الولد ما دام في بطن أمه فهو جنين ، فإذا ولدته سمي صبيا ، فإذا فطم سمي غلاما ، إلى سبع سنين ، ثم يصير يافعا ، إلى عشر ، ثم يصير حزورا ، إلى خمس عشرة انتهى .
والفقهاء يطلقون الصبي على من لم يبلغ ، وهو في الأحكام على أربعة أقسام : الأول :
ما لا يلحق فيه بالبالغ ، بلا خلاف ، وذلك في التكاليف الشرعية : من الواجبات والمحرمات ، والحدود . والتصرفات : من العقود ، والفسوخ ، والولايات . ومنها : تحمل العقل .
الثاني :
ما يلحق فيه بالبالغ ، بلا خلاف عندنا وفي ذلك فروع : منها وجوب
الزكاة في ماله ،
والإنفاق على قريبه منه ،
وبطلان عبادته بتعمد المبطل لا خلاف في ذلك : في الطهارة ، والصلاة ، والصوم ، وصحة العبادات منه ، وترتب الثواب عليها ،
وإمامته في غير الجمعة ووجوب تبييت النية في صوم رمضان . .
[ ص: 220 ] قال في الروضة ، في باب الغصب : الرجل ، والمرأة ، والعبد ، والفاسق ، والصبي المميز يشتركون في جواز الإقدام على إزالة المنكرات ، ويثاب الصبي عليه كما يثاب البالغ ، وليس لأحد منعه من كسر الملاهي ، وإراقة الخمر ، وغيرهما من المنكرات ، كما ليس له منع البالغ ، فإن الصبي - وإن لم يكن مكلفا - فهو من أهل القرب ، وليس هذا من الولايات .
وقال
السبكي : خطاب الندب ثابت في حق الصبي ، فإنه مأمور بالصلاة من جهة الشارع أمر ندب ، مثاب عليها ، وكذلك يوجد في حقه خطاب الإباحة ، والكراهة ، حيث يوجد خطاب الندب ، وهو ما إذا كان مميزا . انتهى .
الثالث : ما فيه خلاف ، والأصح أنه كالبالغ وفيه فروع :
الأول :
إذا أحدث الصبي ، أو أجنب ، وتطهر ، فطهارته كاملة ، فلو بلغ صلى بها ، ولم تجب إعادتها .
وفي وجه ، حكاه
المتولي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني : أنها ناقصة ، فتلزمه الإعادة إذا بلغ .
ولو تيمم ، ثم بلغ ، لم يبطل تيممه في الأصح ، ويصلي به الفرض في الأصح .
وفي وجه : يبطل ، وفي آخر : يصلي به النفل ، دون الفرض .
الثاني : في صحة أذانه وجهان : الصحيح - وبه قطع الجمهور - : صحته ، لكن يكره .
الثالث :
القيام في صلاة الفرض . هل يجب في صلاة الصبي ، أو يجوز له القعود ؟ وجهان في الكفاية ، بلا ترجيح . قال
الأذرعي : والأصح عند صاحب البحر : المنع . قال
الإسنوي : ويجريان في الصلاة المعادة ، قال : وكلام الأكثرين مشعر بالمنع .
قلت :
ولا ينبغي أن يجريا فيما إذا خطب الصبي للجمعة بل يقطع بمنع القعود .
الرابع في
صحة إمامته في الجمعة قولان أصحهما : الصحة بشرط أن يتم العدد بغيره .
الخامس في
سقوط فرض صلاة الجنازة به وجهان : أصحهما السقوط ; لأنه تصح إمامته فأشبه البالغ .
وفي نظيره من رد السلام وجهان أصحهما : عدم السقوط .
والفرق : أن المقصود هناك الدعاء وهو حاصل ، وهنا الأمان ،
وفي سقوط فرض صلاة الجماعة بالصبيان احتمالان
nindex.php?page=showalam&ids=14959للمحب الطبري .
السادس : في جواز
توكيله في دفع الزكاة وجهان : الأصح الجواز .
[ ص: 221 ] السابع : يجوز
اعتماد قوله في الإذن ودخول دار وإيصال هدية في الأصح .
ومحل الوجهين : ما إذا لم تكن قرينة وإلا فيعتمد قطعا .
الثامن :
يحصل بوطئه التحليل على المشهور ، إذا كان ممن يتأتى منه الجماع ، أما
الصغيرة المطلقة ثلاثا إذا وطئت ففيها طريقان ، أصحهما : الحل قطعا ، والثاني : في التي لا تشتهى الوجهان في الصبي .
التاسع :
التقاطه صحيح على المذهب ، كاحتطابه واصطياده .
العاشر :
في وجوب الرد عليه إذا سلم ، وجهان أصحهما الوجوب .
الحادي عشر :
في حل ما ذبحه ، قولان أصحهما الحل ، فإن كان مميزا حل قطعا .
الثاني عشر في
صحة إسلام الصبي المميز استقلالا ، وجهان المرجح منهما : البطلان والمختار عند
البلقيني الصحة ، وهو الذي أعتقده ، ثم رأيت
السبكي مال إليه فقال في كتابه " إبراز الحكم " : استدل من قال ببطلانه بالحديث بمثل ما احتج به لبطلان بيعه .
ووجه الدلالة في البيع : أنه لو صح لاستلزم المؤاخذة بالتسليم ، والمطالبة بالعهدة ، والحديث دل على عدم المؤاخذة .
ولو صح أيضا لكلف أحكام البيع ، وهو لا يكلف شيئا ، وكذا في الإسلام : لو صح لكلف أحكامه واللازم منتف بالحديث .
قال : وهذا استدلال ضعيف ; لأنه يكفي في ترتيب أحكامه ظهور أثرها بعد البلوغ . والقائل بصحة إسلامه يقول : إنه إذا بلغ ووصف الكفر صار مرتدا ، وهذا لا ينفيه الحديث ، إنما ينفي المؤاخذة حين الصبا والإسلام كالعبادات ، فكما يصح منه الصوم والصلاة والحج وغيرها ، يصح منه الإسلام انتهى .
قلت : ومما يدل لصحته من الحديث : ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في سننه عن
مسلم التميمي . قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16291بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ، فلما هجمنا على القوم تقدمت أصحابي على فرس ، فاستقبلنا النساء والصبيان يضجون ، فقلت لهم : تريدون أن تحرزوا أنفسكم ؟ قالوا : نعم ، قلت قولوا : نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فقالوها فجاء أصحابي فلاموني وقالوا : أشرفنا على الغنيمة فمنعتنا ، ثم انصرفنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أتدرون ما صنع ؟ لقد كتب الله له بكل إنسان كذا وكذا ، ثم أدناني منه . }
الثالث عشر : في
كونه كالبالغ في تحريم النظر ، حتى يجب على المرأة الاحتجاب منه وجهان . أصحهما نعم .
الرابع عشر : في
استحقاق سلب القتيل الذي يقتله ، وجهان أصحهما : نعم .
الخامس عشر : في
جواز القصر والجمع له : رأيان .
[ ص: 222 ] قال صاحب البيان : لا يجوز ; لأنهما إنما يكونان في الفرائض ، والأصح الجواز . قال
العبادي : فلو جمع تقديما ثم بلغ ، لم تلزمه الإعادة .
السادس عشر :
في كون عمده في الجنايات عمدا ، قولان الأظهر : نعم ، وينبني على ذلك فروع : منها :
وجوب القصاص على شريكه بجرح أو إكراه .
ومنها :
تغليظ الدية عليه .
ومنها :
فساد الحج بجماعه ، ووجوب الكفارة والقضاء .
ومنها :
وجوب الفدية إذا ارتكب باقي المحظورات .
ومنها :
إذا وطئ أجنبية ، فهو زنا إلا أنه لا حد فيه لعدم التكليف ، وعلى القول الآخر : هو كالواطئ بشبهة ، فيترتب عليه تحريم المصاهرة .
الرابع : ما فيه خلاف ، والأصح : أنه ليس كالبالغ . وفيه فروع :
الأول :
سقوط السلام برده كما مر .
الثاني : وجوب
نية الفرضية في الصلاة . الأصح : لا يشترط في حقه ، كما صوبه في شرح المهذب .
الثالث :
قبول روايته ، فيه وجهان ، والأصح : المنع .
الرابع والخامس في
وصيته ، وتدبيره ، قولان ، والأظهر : بطلانهما .
السادس : في
منعه من مس المصحف ، وهو محدث : وجهان ، والأصح : لا . قال
الإسنوي : ولم أر تصريحا بتمكينه في حال الجنابة ، والقياس : المنع ; لأنها نادرة وحكمها أغلظ .
قلت : صرح
النووي بالمسألة في فتاويه ، وسوى فيه بين الجنابة ، والحدث ، قال في الخادم : وفيه نظر ; لأنها لا تتكرر ، فلا يشق ، قال : وعلى قياسه : يجوز المكث في المسجد ، وهو بعيد ، إذ لا ضرورة .
السابع :
في منعه من لبس الحرير : وجهان أصحهما : لا يمنع .
الثامن : إذا بطل أمان رجال ، لا يبطل
أمان الصبيان ، في الأصح .
التاسع :
هل يجوز أن يلتقط المميز ؟ وجهان . الصحيح : نعم ، كغيره .
العاشر :
إذا انفرد الصبيان بغزوة وغنموا ، خمست . وفي الباقي أوجه : أصحها : تقسم بينهم كما يقسم الرضخ ، على ما يقتضيه الرأي من تسوية ، وتفضيل .
الثاني : يقسم كالغنيمة . للفارس : ثلاثة أسهم ، وللراجل : سهم .
والثالث : يرضخ لهم منه ; ويجعل الباقي لبيت المال .
الحادي عشر : في
صحة الأمان منه ; وجهان . أصحهما : لا يصح .
[ ص: 223 ]
ضابط :
حاصل
المواضع التي يقبل فيها خبر المميز : الإذن في دخول الدار ، وإيصال الهدية ، وإخباره بطلب صاحب الدعوة ، واختياره أحد أبويه في الحضانة ، ودعواه : استعجال الإنبات بالدواء ، وشراؤه المحقرات ، نقل
ابن الجوزي الإجماع عليه .