القول في
العدالة : حدها الأصحاب : بأنها ملكة ، أي هيئة راسخة في النفس تمنع من اقتراف كبيرة أو صغيرة دالة على الخسة أو مباح يخل بالمروءة وهذه أحسن عبارة في حدها وأضعفها قول من قال : اجتناب الكبائر والإصرار على الصغائر .
[ ص: 385 ] لأن مجرد الاجتناب من غير أن تكون عنده ملكة ، وقوة تردعه عن الوقوع فيما يهواه غير كاف في صدق العدالة . ولأن التعبير بالكبائر بلفظ الجمع يوهم أن ارتكاب الكبيرة الواحدة لا يضر وليس كذلك ولأن الإصرار على الصغائر من جملة الكبائر ، فذكره في الحد تكرار ; ولأن صغائر الخسة ورذائل المباحات خارج عنه مع اعتباره .
قال في الروضة : وهل
الإصرار السالب للعدالة ، المداومة على نوع من الصغائر ، أم الإكثار من الصغائر ، سواء كانت من نوع أو أنواع ؟ فيه وجهان يوافق الثاني قول الجمهور : من
غلبت طاعاته معاصيه كان عدلا ، وعكسه فاسق ، ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في المختصر يوافقه ، فعلى هذا لا تضر المداومة على نوع من الصغائر إذا غلبت الطاعة .
وعلى الأول : تضر واعترضه في المطلب : بأن مقتضاه أن مداومة النوع الواحد تضر على الوجهين أما على الأول : فظاهر ، وأما على الثاني : فلأنه في ضمن حكايته ، قال : إن الإكثار من نوع واحد كالإكثار من الأنواع ، وحينئذ : لا يحسن معه التفصيل نعم : يظهر أثرها فيما لو أتى بأنواع من الصغائر إن قلنا بالأول : لم يضر لمشقة كف النفس عنه ، وهو ما حكاه في الإبانة وإن قلنا بالثاني : ضر . وتبعه في المهمات وقال : يدل على ما ذكرناه أنه خالف المذكور هنا وجزم في الكلام على الأولياء .
وفي الرضاع : بأن المداومة على النوع الواحد تصيره كبيرة وأجاب
البلقيني : بأن الإكثار من النوع الواحد غير المداومة فإن المراد بالأكثرية التي تغلب بها معاصيه على طاعته ، وهذا غير المداومة فالمؤثر على الثاني : إنما هو الغلبة لا المداومة .
والرجوع في الغلبة إلى العرف ، فإنه يمكن أن يراد مدة العمر ، فالمستقبل لا يدخل في ذلك ، وكذا ما ذهب بالتوبة وغيرها .