المواضع التي يجب فيها ذكر السبب .
منها : الإخبار أوالشهادة بنجاسة الماء ، وبالردة وبالجرح وقد أجابوا فيها بثلاثة أجوبة مختلفة ، مع أن مدركها واحد ، وهو اختلاف العلماء في أسبابها ، فقالوا في الماء : يجب بيان السبب من العامي والفقيه المخالف ويقبل الإطلاق من الفقيه الموافق . وصححوا في الردة قبول الإطلاق من الموافق وغيره . وفي الجرح بيان السبب من الموافق وغيره ، واعتذر عن ذلك في الجرح بأنه منوط باجتهاد الحاكم لا بعقيدة الشاهد ، فلا بد من بيانه لينظر الحاكم أقادح هو أم لا ؟ وفي الردة بأنه إنما قبل الإطلاق فيها ; لأن الظاهر من العدل الاحتياط في أمر الدم ، مع أن المشهود عليه قادر على التكذيب ، بأن ينطق بالشهادتين ، والمجروح لا يقدر على التكذيب .
[ ص: 494 ] تنبيه :
صرح
الماوردي والروياني وغيرهما بأنه لو قال الشاهد : أنا مجروح قبل قوله ، وإن لم يعسر الجرح . ومنها :
الشهادة باستحقاق الشفعة ، يجب بيان سببها من شركة أو جوار بلا خلاف ومنها : الشهادة بأن هذا وارثه ، لا يسمع بلا خلاف حتى يبين الجهة من أبوة أو بنوة أو غير ذلك لاختلاف المذاهب في توريث ذوي الأرحام .
ومنها
: لو شهدا بعقد بيع أو غيره من العقود ولم يبينا صورته ، فهل يسمع أو لا بد من التفصيل ؟ فيه خلاف ومنها
لو شهدا أنه ضربه بالسيف فأوضح رأسه قال الجمهور : يقبل وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين لا بد من التعرض لإيضاح العظم ; لأن الإيضاح ليس مخصوصا بذلك وتبعه عليه
الإمام ، ثم تردد فيما إذا كان الشاهد فقيها وعلم الحاكم أنه لا يطلق لفظ الموضحة إلا على ما يوضح العظم .
ومنها :
لو شهد بانتقال هذا الملك عن مالكه إلى زيد ، فالراجح أنها لا تسمع إلا ببيان السبب ، وقيل : لا يحتاج إليه ، وقيل : إن كان الشاهدان فقيهين موافقين لمذهب القاضي ، فلا حاجة إلى بيان السبب ، وإلا احتيج .
ومنها :
إذا شهدا أن حاكما حكم بكذا ولم يعيناه فالصحيح القبول وقيل : لا بد من تعيينه لاحتمال أن يكون الحاكم عدوا للمحكوم عليه أو ولدا للمحكوم له .
ومنها :
إذا شهدا أن بينهما رضاعا محرما ، فالجمهور على أنه لا بد من التفصيل ، واختار
الإمام وطائفة عدمه ، وتوسط
الرافعي ، فقال : إن كان الشاهد فقيها موافقا قبل وإلا فلا . ومنها :
الشهادة بالإكراه ; لا تقبل إلا مفصلة ، وفصل
الغزالي : بين الفقيه الموافق وغيره . ومنها :
الشهادة بشرب الخمر . الأصح ، الاكتفاء بالإطلاق ; وقيل : لا بد من التعرض لكونه كان مختارا عالما بأنها خمر . ومنها :
لو باع عبدا ثم شهد اثنان أنه رجع ملكه إليه . قالوا : لا تقبل ما لم يبينا سبب الرجوع من إقالة ونحوها ويجيء فيه الخلاف السابق .
ومنها :
الشهادة بالسرقة . يشترط فيها بيان كيف أخذ ؟ وهل أخذ من حرز ؟ وبيان الحرز ، وصاحب المال .
ومنها : الشهادة بأن نظر الوقف الفلاني لفلان ، فإنه يجب بيان سببه ولا تقبل مطلقة كما أفتى به
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ، كمسألة : أنه وارثه .
[ ص: 495 ]
ومنها :
الشهادة ببراءة المدعى عليه من الدين المدعى به . قال
الهروي : لا تقبل مطلقة لاختلاف في أسباب البراءة ، وخالفه
العبادي .
ومنها : الشهادة بالرشد ، يشترط بيانه للاختلاف فيه . ومنها : الشهادة بانقضاء العدة ، لاختلاف العلماء فيه . ومنها : لو شهدت بأنه يوم البيع أو يوم الوصية مثلا ، كان زائل العقل اشترط تفصيل زواله ، قاله
الدبيلي .
ومنها : الشهادة بأن هذا مستحق هذا الوقف . ومنها : الشهادة بأن فلانا طلق زوجته : لا تقبل حتى يبين اللفظ الواقع من الزوج ; لأنه يختلف الحال بالصريح والكناية والتنجيز والتعليق ، قاله في الأنوار .
ومنها : الشهادة بأنه بلغ السن لا تقبل حتى يبينوه لاختلاف العلماء فيه بخلاف ما لو لم يقل بالسن ، فإنها تسمع .
ومنها : الشهادة على الزنا ، لا بد من بيانه أنه رأى ذكره في فرجها . ومنها :
الشهادة أن غدا من رمضان ، هل تقبل مطلقة أو لا بد من التصريح برؤية الهلال ؟ لاحتمال أن يكون مستنده الحساب . المتجه ، وصرح
ابن أبي الدم وغيره بالأول ثم بعد أن اخترت الثاني بحثا رأيت
السبكي قواه في الحلبيات فقال : قوله " أشهد " . أن الليلة أول الشهر " ليس فيه التعرض للهلال أصلا ، فيحتمل أن يقال ، لا تقبل ; لأن الشارع أناط بالرؤية أو استكمال العدد واستكمال العدد يرجع إلى رؤية شهر قبله فمتى لم يتعرض الشاهد في شهادته إلى ذلك ينبغي أن لا يقبل ، أو يجري فيه الخلاف فيما إذا شهد الشاهد بالاستحقاق من غير بيان السبب ، ففيه خلاف ; لأن ذلك وظيفة الحاكم ووظيفة الشاهد : الشهادة بالأسباب فقط .
قال : وهنا احتمال آخر زائد يوجب التوقف ، وهو احتمال أنه اعتمد الحساب ، كما ذكر ذلك أحد الوجهين ، في جواز الصوم بحساب إذا دل على طلوع الهلال وإمكان رؤيته فلهذا يحتمل أن يقال : لا يقبل الحاكم شهادته حتى يستفسره ، ويحتمل أن يقال ، إن عدالته تمنعه من اعتماد الحساب ، ومن التوسط المانع من أداء الشهادة ومقتضى الحمل على أنه ما رأى وإنما تواتر عنده الخبر برؤيته .
قال ، وهذا هو الأظهر ، وجزم به
ابن أبي الدم انتهى . ومنها : قال
السبكي إذا نقض الحاكم حكم أحد ، سئل عن مستنده ، وإنما لا يلزم القاضي بيان السبب إذا لم يكن حكمه نقضا .
ومنها :
لو مات عن ابنين مسلم ونصراني ، فقال كل : مات على ديني وأقام كل بينة [ ص: 496 ] اشترط في بينة النصراني تفسير كلمة التنصر بما يختص به النصارى كالتثليث ، وهل يشترط في بينة المسلم تبيين ما يقتضي الإسلام ؟ فيه وجهان لأنهم قد يتوهمون ما ليس بإسلام إسلاما ومنها :
إذا ادعى دارا في يد رجل ، وأقام بينة بملكها ، وأقام الداخل بينة أنها ملكه هل تسمع مطلقة ، أو لا بد من استناد الملك إلى سبب ؟ الأصح ، الأول وترجح على بينة الخارج باليد .
ومنها : قال
ابن أبي الدم ، شاع في لسان أئمة المذهب أن الشاهد إذا شهد باستحقاق زيد على عمرو درهما مثلا ، هل تسمع هذه الشهادة ؟ فيه وجهان . والمشهور فيما بينهم : أنها لا تسمع . قال ، وهذا لم أظفر به منقولا مصرحا به هكذا ، غير أن الذي تلقيته من كلام المراوزة وفهمته من مدارج مباحثهم أن الشاهد ليس له أن يرتب الأحكام على أسبابها ، بل وظيفته أن يقول ما يسمعه منها من إقرار وعقد تبايع أو غير ذلك أو ما شاهده من التفويض والإتلاف ، فينقل ذلك إلى القاضي ، ثم وظيفة الحاكم ترتيب المسببات على أسبابها .
فالشاهد سفير ، والحاكم متصرف ، والأسباب الملزمة مختلف فيها ، فقد يظن الشاهد ما ليس بملزم سببا للإلزام ، فكلف نقل ما سمع أو رأى ، والحاكم مجتهد في ذلك انتهى .
وقال في المطلب : جمع بعض الفقهاء
المواضع التي لا يقبل فيها الخبر إلا مفصلا فبلغت ثلاثة عشر : أن الماء نجس ، وأن فلانا سفيه ، وأنه وارث فلان ، وأن بين هذين رضاعا وأنه يستحق النفقة والزنا والإقرار به والردة والجرح والإكراه والشهادة على الشهادة وزاد غيره : أنه قذفه وأن المقذوف محصن وأنه شفيع ، وأنها مطلقة ثلاثا . وقال
الشيخ عز الدين
ضابط
هذا كله : أن الدعوى ، والشهادة ، والرواية المترددة بين ما يقبل وبين ما لا يقبل ، لا يجوز الاعتماد عليهما ; إذ ليس حملها على ما يقبل أولى من حملها على ما لا يقبل ، والأصل عدم ثبوت المشهود به والمخبر عنه ، فلا يترك الأصل إلا بيقين ، أو ظن يعتمد الشرع على مثله .