وتنحصر التي لا تحرم للغرض الصحيح الشرعي في ستة أبواب نظمها الكمال بقوله
القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر ولمظهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
كما في حاشية العطار على محلى جمع الجوامع وبيانها كما في الزواجر
( الأول ) المتظلم فلمن ظلم أن يشكو لمن يظن أن له قدرة على إزالة ظلمه أو تخفيفه كأن يقول لولاة الأمور : إن فلانا أخذ مالي وغصبني أو ثلم عرضي إلى غير ذلك من القوادح المكروهة لضرورة دفع الظلم عنه
الثاني الاستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يظن قدرته على إزالته بنحو فلان يعمل كذا فازجره عنه بقصد التوصل إلى إزالة المنكر ، وإلا كان غيبة محرمة ما لم يكن الفاعل مجاهرا لما يأتي
( الرابع ) تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم كجرح الرواة والشهود والمصنفين والمتصدين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهليته أو مع نحو فسق أو بدعة ، وهم دعاة إليها ولو سرا فيجوز إجماعا بل يجب وكان يذكر لمن له قدرة على عزل ذي الولاية وتولية غيره أو على نصحه وحثه على الاستقامة ما يعلمه منه قادحا فيها كفسق أو تغفل لوجوب ذلك عليه ، وكان يشير ولو إن لم يستشر على مريد تزويج أو مخالطة لغيره في أمر ديني أو دنيوي ، وقد علم في ذلك الغير قبيحا منفرا كفسق أو بدعة أو طمع أو غير ذلك كفقر في الزوج { nindex.php?page=hadith&LINKID=87585لقوله عليه السلام nindex.php?page=showalam&ids=11129لفاطمة بنت قيس [ ص: 231 ] حين شاورته عليه السلام لما خطبها nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان nindex.php?page=showalam&ids=9489وأبو جهم أما nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية فرجل صعلوك لا مال له ، وأما nindex.php?page=showalam&ids=9489أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه } متفق عليه وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم وأما nindex.php?page=showalam&ids=9489أبو الجهم فضراب للنساء وبه يرد تفسير الأول بأنه كناية عن كثرة أسفاره فذكر صلى الله عليه وسلم فيهما ما يكرهانه لو سمعاه وأبيح ذلك لمصلحة النصيحة ويشترط في هذا الباب أن تكون الحاجة ماسة لذلك وأن يقتصر الناصح من العيوب على ما يخل بتلك المصلحة خاصة التي حصلت المشاورة فيها أو التي يعتقد الناصح أن المنصوح شرع فيها أو هو على عزم ذلك فينصحه وإن لم يستشره فإن حفظ مال الإنسان وعرضه ودمه عليك واجب ، وإن لم يعرض لك بذلك فالشرط الأول احتراز من ذكر عيوب الناس مطلقا لجواز أن يقع بينهما من المخالطة ما يقتضي ذلك فهذا حرام لا يجوز إلا عند مسيس الحاجة ، ولولا ذلك لأبيحت الغيبة مطلقا ؛ لأن الجواز قائم في الكل ، والشرط الثاني احتراز من أن يستشار في أمر الزوج فيذكر العيوب المخلة بمصلحة الزواج ، والعيوب المخلة بالشركة والمساقاة أو يستشار في السفر معه فيذكر العيوب المخلة بمصلحة السفر والعيوب المخلة بالزواج فالزيادة على العيوب المخلة بما استشير فيه حرام مثلا إن كفى نحو لا يصلح لك لم يزد عليه ، وإن توقف على ذكر عيب ذكره ، ولا تجوز الزيادة عليه أو عيبين اقتصر عليهما وهكذا ؛ لأن ذلك كإباحة الميتة للمضطر فلا يجوز تناول شيء منها إلا بقدر الضرورة ويشترط أن يقصد بذلك بذل النصيحة لوجه الله - تعالى - دون حظ آخر وكثيرا ما يغفل الإنسان عن ذلك فيلبس عليه الشيطان ويحمله على التكلم به حينئذ لا نصحا ويزين له أنه نصح وخير
( الخامس ) أن يتجاهر بفسقه أو بدعته كالمكاسين وشربة الخمر ظاهرا وذوي الولايات الباطلة ، وكقول امرئ القيس (
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع بسقط اللوى بين الدخول فحومل
) فذكر مثل هذا عن هذه الطوائف لا يحرم فإنهم لا يتأذون بذلك بل يسرون ؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=87586قال في الذي استأذن عليه ائذنوا له بئس أخو العشيرة } متفق عليه وقد احتج به nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب وروى خبرا ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا قال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث : كانا منافقين هما nindex.php?page=showalam&ids=7839مخرمة بن نوفل بن عبد مناف القرشي وعيينة بن حصن الفزاري لكن بشرط الاقتصار على ما تجاهروا به دون غيره فيحرم ذكرهم بعيب آخر إلا أن يكون لسبب آخر مما مر فمن هنا قال الأصل : سألت جماعة من المحدثين والعلماء الراسخين في العلم عمن يروي قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=30989لا غيبة في فاسق } فقالوا لي : لم يصح ، ولا يجوز التفكه بعرض الفاسق فاعلم ذلك ، ونقل في الزواجر عن الخادم أنه وجد بخط الإمام تقي الدين بن دقيق العيد أن nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال في فتاويه خصص الغيبة بالصفات التي لا تذم شرعا بخلاف نحو الزنا فيجوز ذكره لقوله صلى الله عليه وسلم { اذكروا الفاسق بما فيه تحذره الناس } غير أن المستحب الستر حيث لا غرض ، فإن كان هناك غرض كتجريحه أو إخبار مخالطة فيلزم بيانه . ا هـ . قال الخادم : وما ذكره من الجواز في الأول لا لغرض شرعي ضعيف لا يوافق عليه ، والحديث المذكور ضعيف وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد منكر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ليس بشيء فإن صح حمل على فاجر معلن بفجوره أو يأتي بشهادة أو يعتمد عليه فيحتاج إلى بيان حاله لئلا يقع الاعتماد عليه . ا هـ . وهذا الذي حمله nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عليه متعين ، ونقل عن شيخه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم أنه غير صحيح ، وأورده بلفظ ليس للفاسق غيبة ، ويقتضى عليه عموم خبر nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم الذي فيه [ ص: 232 ] حدا الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره وعليه أجمعت الأمة ، وهذا كله يرد ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال . ا هـ . المراد
( السادس ) : التعريف بنحو لقب كالأعور والأعمش والأصم والأقرع فيجوز وإن أمكن تعريفه بغيره نعم إن سهل تعريفه بغيره فهو أولى ، والشرط أن يكون ذكر نحو الأعور على جهة التعريف لا التنقيص ، وإلا حرم فأكثر هذه الأسباب الستة مجمع عليه ، ويدل لها من السنة أحاديث صحيحة مشهورة . ا هـ . أي كالذي تقدم الاستدلال بها ، وزاد الأصل
( سابعا ) : وهو ما إذا كنت والمغتاب عنده قد سبق لكما العلم بالمغتاب به ، قال : فإن ذكره بعد ذلك لا يحط قدر المغتاب عنده لتقدم علمه بذلك فقال بعض الفضلاء : لا يعرى هذا القسم عن نهي ؛ لأنكما إذا تركتما الحديث فيه ربما نسي فاستراح الرجل المغيب بذلك من ذكر حاله وإذا تعاهدتماه أدى ذلك إلى عدم نسيانه هذا ما ذكره الأصل في تلخيص الفرق بين ما يحرم من الغيبة ، وما لا يحرم منها ، وصححه ابن الشاط مع زيادة من كتاب الزواجر لابن حجر والله - سبحانه وتعالى - أعلم .