فالتطير هو الظن السيئ الكائن في القلب ، والطيرة هو الفعل المرتب على هذا الظن من فرار أو غيره وكلاهما حرام لما جاء في الحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=87614أنه عليه السلام كان يحب الفأل الحسن ، ويكره الطيرة } ولأنها من باب سوء الظن بالله - تعالى ، ولا يكاد المتطير يسلم مما تطير منه إذا فعله ، وغيره لا يصيبه منه بأس ، وسأل بعض المتطيرين بعض العلماء فقال له : إنني لا أتطير فلا ينخرم على ذلك بل يقع الضرر بي وغيري يقع له مثل ذلك السبب فلا يجد منه ضررا ، وقد أشكل ذلك علي فهل لهذا أصل في الشريعة فقال له نعم قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله - تعالى - : { nindex.php?page=hadith&LINKID=6983أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء } وفي بعض الطرق فليظن بي خيرا وأنت تظن أن الله - تعالى - يؤذيك عند ذلك الشيء الذي تطيرت منه فتسيء الظن بالله - عز وجل - فيقابلك الله على سوء ظنك به بإذايتك بذلك الشيء الذي تطيرت به ، وغيرك لا يسيء ظنه بالله - تعالى ، ولا يعتقد أنه يحصل له ضرر عند ذلك فلا يعاقبه الله - تعالى - فلا يتضرر ثم هذا المقام يحتاج إلى تحقيق ؛ فإن الإنسان لو خاف الهلاك عند ملاقاة السبع لم يحرم إجماعا فتعين أن الأشياء في الغالب قسمان ما جرت العادة بأنه مؤذ كالسموم والسباع والوباء ومعاداة الناس والتخم وأكل الأغذية الثقيلة المنفخة عند ضعفاء المعدة ونحو ذلك فالخوف في هذا القسم ليس حراما ؛ لأنه خوف عن سبب محقق في مجاري العادة ، وقد نقل صاحب القبس عن بعض العلماء أنه قال : معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=30952لا عدوى } محمول على بعض الأمراض بدليل تحذيره عليه السلام من الوباء والقدوم على بلد هو فيه .
وهذا حق فإن عوائد الله إذا دلت على شيء وجب اعتقاده كما نعتقد أن الماء مرو والخبز مشبع والنار محرقة وقطع الرأس مميت ومنع النفس مميت ، ومن لم يعتقد ذلك كان خارجا عن نمط العقلاء ، وما سببه إلا جريان العادة الربانية به ، وكذلك ما كان في العادة أكثريا ، وإن لم يكن مطردا نحو كون المحمودة مسهلة والآس قابضا إلى غير ذلك من الأدوية فإن اعتقادها حسن متعين مع عدم اطرادها بل لكونها أكثرية فيتعين حينئذ أن الذي يحرم التطير فيه هو القسم الخارج عن هذا القسم ، وهو ما لم تجر عادة الله - تعالى - به في حصول الضرر [ ص: 239 ] من حيث هو هو فإذا عرض التطير حصل به الضرر عقوبة لمن اعتقد ذلك فيه واعتقد في ملك الله - تعالى - وتصرفه ما ليس فيه مع سوء الظن به وهذا القسم كشق الأغنام والعبور بين الغنم وشراء الصابون يوم السبت ونحو هذا من هذيان العوام المتطيرين فهذا هو القسم الحرام المخوف منه ؛ لأنه سوء ظن بالله - تعالى - من غير سبب ، ومن الأشياء ما هو قريب من أحد القسمين .
وقيل : معناه أن العرب كانت تقول إذا قتل أحد خرج من رأسه طائر لا يزال يقول اسقوني حتى يقتل قاتله فعلى الأول يكون الخبر نهيا وعلى الثاني يكون تكذيبا ، ولا صفر هو النسيء التي كانت الجاهلية تحرم فيه صفر لتبيح به المحرم وقيل : كانت الجاهلية تقول : هو داء في الجوف يقتل قال عليه السلام لا يموت إلا بأجله والممرض صاحب الماشية المريضة والمصح صاحب الماشية الصحيحة قال ابن دينار ومعنى الممرض المصح بإيراد ماشية على ماشية فيؤذيه بذلك فنسخ بقوله { nindex.php?page=hadith&LINKID=30952لا عدوى } وقيل : معناه لا يحل المجذوم محل الصحيح معه يؤذيه ، وإن كان لا يعدي فالنفس تكرهه فهو من باب إزالة الضرر لا من العدوى وقيل : هو ناسخ لقوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=30952لا عدوى }
وذلك أن التطير هو الظن السيئ الكائن في القلب والطيرة هو الفعل المرتب على هذا الظن من قرار أو غيره وإن الأشياء التي يكون الخوف منها المرتب على سوء الظن الكائن في القلب تنقسم أربعة أقسام :
( الأول ) : ما جرت العادة الثابتة باطراد بأنه مؤذ كالسموم والسباع والوباء والطاعون والجذام ومعاداة الناس والتخم وأكل الأغذية الثقيلة المنفخة عند ضعفاء المعدة ونحو ذلك فالخوف في هذا القسم من حيث إنه عن سبب محقق في مجاري العادة لا يكون حراما ، فإن عوائد الله إذا دلت على شيء وجب اعتقاده كما نعتقد أن الماء مرور ، والخبز مشبع والنار محرقة وقطع الرأس مميت ومنع النفس مميت ومن لم يعتقد ذلك كان خارجا عن نمط العقلاء ، وما سببه إلا جريان العادة الربانية به باطراد
( والقسم الثالث ) : ما لم تجر عادة الله - تعالى - به أصلا في حصول الضرر من حيث هو هو كشق الأغنام والعبور بينها يخاف لذلك أن لا تقضى حاجته ونحو هذا من هذيان العوام [ ص: 260 ] المتطيرين كشراء الصابون يوم السبت فالخوف في هذا القسم من حيث إنه من غير سبب حرام لما جاء في الحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=87614أنه عليه السلام كان يحب الفأل الحسن ، ويكره الطيرة } فالطيرة فيه محمولة على هذا القسم ؛ لأنها من باب سوء الظن بالله تعالى فلا يكاد المتطير يسلم مما تطير منه إذا فعله جزاء له على سوء ظنه .
وأما غيره فلأنه لم يسئ ظنه بالله - تعالى - لا يصيبه منه بأس فمن هنا لما سأل بعض المتطيرين بعض العلماء فقال له : إنني لا أتطير فلا ينخرم على ذلك بل يقع الضرر بي وغيري يقع له مثل ذلك السبب فلا يجد منه ضررا وقد أشكل ذلك علي فهل لهذا أصل في الشريعة ، قال له : نعم قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله - تعالى - { nindex.php?page=hadith&LINKID=6983أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء } وفي بعض الطرق فليظن بي خيرا وأنت تظن الله - تعالى - يؤذيك عند ذلك الشيء الذي تطيرت منه فتسيء الظن بالله عز وجل فيقابلك الله على سوء ظنك به بإذايتك بذلك الشيء الذي تطيرت به وغيرك لا يسيء ظنه بالله - تعالى - ولا يعتقد أنه يحصل له ضرر عند ذلك فلا يعاقبه الله - تعالى - فلا يتضرر . ا هـ .
( والقسم الرابع ) ما لم يتمحض به حصول ضرر لا بالعادة الاطرادية ولا الأكثرية ، ولا عدم حصوله أصلا بل استوى به الحصول ، وعدمه كالجرب فمن ثم قال صلى الله عليه وسلم لمن استشهد على العدوى بإعداء البعير الأجرب للإبل { nindex.php?page=hadith&LINKID=24864فمن أعدى الأول } .
وهو من الأجوبة المسكتة إذ لو جلبت الأدواء بعضها بعضا لزم فقد الداء الأول لفقد الجالب فالذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني .
وهو الله - سبحانه وتعالى - الخالق القادر على كل شيء كما تقدم عن العزيزي على الجامع الصغير فالورع ترك الخوف من هذا القسم حذرا من الطيرة والمرض الذي من هذا القسم كالجرب هو المراد ببعض الأمراض فيما نقله صاحب القبس عن بعض العلماء من قوله : إن قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=30952لا عدوى } معناه قال ابن دينار : لا يعدي خلافا لما كانت العرب تعتقده فبين عليه السلام أن ذلك من عند الله - تعالى - ا هـ وهو محمول على بعض الأمراض بدليل تحذيره عليه السلام من الوباء والقدوم على بلد هو فيه ا هـ قال الأصل : وهذا حق فإن عوائد الله إذا دلت على شيء وجب اعتقاده كما نعتقد أن الماء مر وإلى آخر ما تقدم والممرض في قوله عليه السلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=87622لا يحل على الممرض المصح } هو صاحب الماشية المريضة والمصح هو صاحب الماشية الصحيحة قال ابن دينار ومعنى الممرض المصح بإيراد ماشية على ماشيته فيؤذيه بذلك فنسخ بقوله لا عدوى وقيل : معناه لا يحل المجذوم محل الصحيح معه يؤذيه ، وإن كان لا يعدي فالنفس تكرهه فهو من باب إزالة الضرر لا من العدوى .
ولا يبعد أن يكون ذلك عادة ا هـ واختلف في الهامة وصفر في قوله صلى الله عليه وسلم من حديث الموطإ { nindex.php?page=hadith&LINKID=30933لا عدوى ولا هامة ، ولا صفر } إلخ هل هما من هذا القسم أم لا قال الباجي : ولا هامة قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : معناه لا تطير بالهامة كانت العرب تقول : إذا وقعت هامة على بيت خرج منه ميت .
وقيل : معناه أن العرب كانت تقول إذا قتل أحد خرج من رأسه طائر لا يزال يقول : اسبقني حتى يقتل قاتله فعلى الأول يكون الخبر نهيا وعلى الثاني تكذيبا ، ولا صفر هو النسيء التي كانت الجاهلية تحرم فيه صفر لتبيح به المحرم ، وقيل : كانت الجاهلية تقول : هو داء في الجوف يقتل قال عليه السلام لا يموت إلا بأجله ا هـ هذا تهذيب كلام الأصل ، وصححه ابن الشاط مع زيادة ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم