( والقسم الثاني ) أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت ما دل القاطع [ ص: 287 ] على نفيه ومن أمثلته أن يقول اللهم خلد فلانا المسلم عدوي في النار ولم يرد به سوء الخاتمة ، وقد دل قوله تعالى { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } ونحوه من القواطع على أن كل مؤمن لا يخلد في النار ولا بد له من الجنة ، ومنها أن يقول أحيني أبدا حتى أسلم من سكرات الموت وكربه ، وقد دل قوله تعالى { كل نفس ذائقة الموت } ونحوه من القواطع على أنه لا بد له من الموت ، ومنها أن يقول اللهم اجعل إبليس محبا ناصحا لي ولبني آدم أبد الدهر حتى يقل الفساد وتستريح العباد والله سبحانه وتعالى يقول { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا } ( ولا يخفاك ) أن غاية ما في هذين القسمين طلب التكذيب وهو وإن كان طلب مستحيل إلا أن القاعدة في طلب المستحيل أنه ليس بمستحيل عقلا ولا ممتنع على الصحيح ، وإن كان مستلزما لتجويز التكذيب عند من لا يجوز طلب المستحيل لا عند من يجوز طلبه إلا أن تجويز التكذيب لا يستلزم التكذيب ، وإن كان القصد مقتضى لفظ التكذيب فإنه يجوز تكذيب زيد لعمرو ولا يلزم أن يكون مكذبا لعمرو ولا مجوزا لكذبه فإن كان القصد بلفظ التكذيب الكذب لم يلزم أيضا أن يكون مكذبا له بل يلزم أن يكون مجوزا لوقوع الكذب منه عند من يجوز طلب المستحيل لا عند من لا يجوزه وعلى تقدير ذلك عند من لا يجوزه إنما يكون تكفير من يلزم من دعائه ذلك تكفيرا بالمآل ، وقد حكى الأصل وغيره من أهل السنة الخلاف في ذلك واختار الأصل عدم التكفير ، فجزمه هنا بتكفير الداعي بما في مثل القسمين ليس بصحيح إلا على رأي من يكفر بالمآل ويقول إن لازم المذهب مذهب وليس ذلك مذهب الأصل .