( المسألة الثانية ) نسبة الأفعال إلى الكواكب فيها أقسام : أحدها أن يقال : إنها مدبرة العالم وموجدة لما فيه ولا شيء وراءها ولا خفاء أن هذا كفر وثانيها أن يقال : إنها فاعلة الآثار في هذا العالم والله سبحانه وتعالى هو المؤثر الأعظم معها فتكون نسبتها إلى أفعالها كنسبة الحيوان إلى أفعاله على رأي المعتزلة وقد قالت المعتزلة : إن كل حيوان يوجد أفعاله بقدرته مستقلا دون الله تعالى وإن قدرة الله تعالى لا تتعلق بمقدوره فالقائل بأن الكواكب كذلك فهل لا نكفره كما أنا لا نكفر المعتزلة على الصحيح من مذاهب العلماء وأن أهل القبلة لا يكفر أحد منهم وهذا القول كان يختاره الشيخ عز الدين بن عبد السلام ومن يقول : الفرق بين الكواكب والحيوانات فلا يكفر معتقد أن الإنسان وغيره من الحيوان يخلق أفعاله لأن التذلل والعبودية ظاهرة عليه فلا يحصل من ذلك كبير اهتضام لجانب الربوبية ويكفر معتقد أن الكواكب فعالة فعلا حقيقيا لأنها في العالم العلوي وأحوالها غائبة عن البشر فربما أدى ذلك إلى اعتقاد استقلالها وفتح أبواب الكفر المجمع عليه والضلال وهذا كان يقوله بعض الفقهاء المعاصرين للشيخعز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى وثالثها أن يقال : إنها فاعلة فعلا عاديا لا حقيقيا وإن الله تعالى أجرى عادته أن يخلق عندها إذا تشكلت بشكل مخصوص في أفلاكها وتكون في أحوالها وربط الأسباب بها كحال الأدوية والأغذية في العالم السفلي .
[ ص: 127 ] باعتبار الربط العادي لا الفعل الحقيقي وهذا القسم لم أر أحدا كفر به بل أثم وأخطأ فقط بناء على أن الاستقراء لم يدل على ذلك بل لو كان وقوع ذلك معها أكثريا غالبا كالأدوية أمكن اعتقاد ذلك وجوازه شرعا لكن وجدنا العادة غير منضبطة في ذلك ولا هي أكثرية فكان اعتقاد ذلك خطأ كمن اعتقد أن عقارا معينا يبرئه من الحمى ولم تدل التجربة فيه على ذلك فإن هذا الاعتقاد يكون خطأ .
قال : ( وثانيها أن يقال : إنه فاعلة الآثار في هذا العالم والله سبحانه هو المؤثر الأعظم معها إلى قوله وهذا كان يقوله بعض الفقهاء المعاصرين للشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله ) قلت الصحيح أن من قال للكواكب فعل على الحقيقة أن قوله ذلك خطأ وكذلك قول من قال : إن للإنسان أو غيره من الحيوان فعلا على الحقيقة ومن اعتقد شيئا من ذلك لم يعرف قط فرقا ما بين الرب والمربوب والخالق والمخلوق فإن الله تعالى هو الخالق على الحقيقة لا خالق سواه لكنه من نسب الفعل الحقيقي إلى الكواكب فذلك كفر ومن نسبه إلى الإنسان ففيه الخلاف هل هو كفر أو ضلالة .
قال : ( وثالثها أن يقال : إنها فاعلة فعلا عاديا لا حقيقيا وإن الله تعالى أجرى عادته أن يخلق عندها إذا تشكلت بشكل مخصوص في أفلاكها إلى قوله . [ ص: 127 ] فإن هذا الاعتقاد يكون خطأ ) قلت : هذا القول وإن لم يكن كفرا ولا صوابا فليس بخطأ فقط بل خطأ لعدم تحقق الارتباط وممنوع لسد الذريعة والله أعلم .
حاشية ابن حسين المكي المالكي
( المسألة الثانية ) نسبة الأفعال إلى الكواكب فيها ثلاثة أقسام : القسم الأول أن يقال : إنها مدبرة للعالم وموجدة لما فيه ولا شيء وراءها وهذا كفر بلا خفاء ، القسم الثاني أن يقال : إنها فاعلة الآثار في هذا العالم والله سبحانه وتعالى هو المؤثر الأعظم معها فتكون نسبتها إلى أفعالها كنسبة الحيوان إلى أفعاله على رأي المعتزلة والصحيح في هذا أن قول من قال للكواكب أو للإنسان أو غيره من الحيوان فعل على [ ص: 138 ] الحقيقة خطأ وأن من اعتقد شيئا من ذلك فهو لم يعرف قط فرقا ما بين الرب والمربوب والخالق والمخلوق فإن الله تعالى هو الخالق على الحقيقة لا خالق سواه قال : تعالى وما رميت أي حقيقة إذ رميت أي كسبا { ولكن الله رمى } أي حقيقة إلا أن من نسب الفعل الحقيقي إلى الكواكب فذلك كفر على الصحيح وهو قول بعض العلماء المعاصرين للشيخ عز الدين بن عبد السلام ومن نسبه إلى الإنسان ففيه الخلاف هل هو كفر أو ضلالة وذلك أن الكواكب في العالم العلوي وأحوالها غائبة عن السفر فربما أدى ذلك إلى اعتقاد استقلالها وفتح أبواب الكفر المجمع عليه بخلاف الإنسان فإن التذلل والعبودية ظاهرة عليه فلا يؤدي إلى اعتقاد استقلاله إلخ القسم الثالث أن يقال : إنها فاعلة فعلا عاديا حقيقيا وأن الله تعالى أجرى عندها إذا تشكلت بشكل مخصوص في أفلاكها أن تكون في أحوالها وربط الأسباب بها كحال الأدوية والأغذية في العالم السفلي باعتبار الربط العادي لا الفعل الحقيقي وهذا القسم وإن لم يكن كفرا إلا أنه خطأ لعدم تحقق الارتباط فإنا وجدنا العادة غير منضبطة في ذلك ولا هي أكثرية غالبة كالأدوية حتى يكون اعتقاد ذلك ممكنا وجائزا بل هو كمن اعتقد أن عقارا معينا يبرئه من الحمى .
ولم تدل التجربة فيه على ذلك فإن هذا الاعتقاد يكون خطأ بل هو ممنوع أيضا لسد الذريعة وأما الفرق بين أدنى رتب الكبائر وأعلى رتب الصغائر وبين أدنى رتب الكفر وأعلى رتب الكبائر ففي الأصل أنه باستقراء كتب الفقهاء في المسائل التي يكفر بها المتفق عليها والمختلف فيها استقراء كاملا واستقراء رتب الكبائر المتفق عليها والمختلف فيها كذلك لينظر في مسائل التكفير إلى أقربها إلى عدم التكفير بالنظر السديد فيجعلها أدنى رتبة التكفير وما دونها أدنى رتبة الكبائر وينظر في رتب الكبائر بالنظر السديد إلى أقلها مفسدة فيجعلها أدنى رتب الكبائر والتي دونها هي أعلى رتب الصغائر وفيه أن كمال استقراء أقوال جميع علماء الإسلام من المستحيل عادة على أنه لا بد للعلماء الذين يلزمنا استقراء أقوالهم من العلم بفارق يفرق به كل واحد منهم بين أدنى رتب الكفر وأعلى رتب الكبائر وبين أدنى رتب الكبائر وأعلى رتب الصغائر فما المانع [ ص: 139 ] لهذا المتعلم أن يتعلمه حتى لا يحتاج إلى استقراء أقوالهم وبالجملة لم يأت في هذا الفرق إلا بإحالة على جهالة والله سبحانه وتعالى أعلم .