[ ص: 133 ] منه وذلك في الحديث أيضا قال : عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=87180أفضل أعمالكم الصلاة } وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى عماله إن أهم أموركم عندي الصلاة الأثر المشهور ومع ذلك فلا بد لهذه الإضافة والتخصيص من فارق أوجب ذلك وذكر العلماء رضي الله عنهم فيه فروقا أحدها : أنه أمر خفي لا يمكن أن يطلع عليه فلذلك نبه على شرفه بخلاف الصلاة والجهاد وغيرهما وأورد عليه الإيمان والإخلاص وأعمال القلوب الحسنة كلها خفية مع أن الحديث تناولها بعمومه وثانيهما أن جوف الإنسان يبقى خاليا فيحصل له شبه وصف الربوبية فإن الصمد هو الذي لا جوف له على أحد الأقوال فيه ويرد عليه الاشتغال بالعلوم فإن العلم من أجل صفات الرب تعالى فمن حصله فقد حصل له شبه عظيم وكذلك الانتقام من المجرمين والإحسان إلى المؤمنين وتعظيم الأولياء والصالحين وكل ذلك إذا صدر من العبد كان فيه التخلق بأخلاق رب العالمين ومع ذلك فهو مفضل عليها بعموم الحديث المتقدم وثالثها أنه اختص بترك الإنسان لشهواته وملاذه في فرجه وفمه وذلك أمر عظيم يوجب الثناء والتشريف بالإضافة المذكورة ويرد عليه أن الجهاد أعظم في ذلك فإن الإنسان فيه مؤثر مهجته وجسده وحياته فيذهب جميع الشهوات تبعا لذهاب الحياة وكذلك الحج يترك فيه العبد المخيط والمحيط والطيب والتنظيف ويفارق الأوطان والأوطار والأهل والأولاد والإخوان ويرتكب الأخطار في الأسفار ومع ذلك فهو بجميع ذلك مفضل عليه بعموم الحديث ورابعها أن جميع العبادات وقع التقرب بها لغير الله تعالى إلا الصوم فإنه لم يتقرب به لغير الله تعالى فلذلك خصص بالإضافة وورد عليه أن الصوم أيضا وقع التقرب به إلى الكواكب فيما يتعاطاه أرباب الاستخدامات للكواكب وخامسها أن الصوم يوجب تصفية الفكر وصفاء العقل وضعف القوى الشهوانية بسبب الجوع وقلة الغذاء ولذلك قال : عليه السلام { لا تدخل الحكمة جوفا ملئ طعاما } وفي حديث آخر { البطنة تذهب بالفطنة } ولا شك أن صفاء العقل وضعف الشهوة البهيمية مما يوجب حصول المعارف الربانية والأحوال السنية وهذه مزية عظيمة توجب التشريف بالإضافة المخصوصة ويرد عليه أن الصلاة ومناجاة الرب سبحانه وتعالى والمراقبة له في ذلك والتزام الأدب معه والخضوع لديه مما يوجب حصول المعارف والأحوال والمواهب الربانية لقوله تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } { ويجعل لكم نورا تمشون به } إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الأعمال الصالحة دالة على سبب المواهب والنور والهداية وجزيل الفضائل فينبغي أن يكون مترتبا على الصلاة أكثر إذا وقعت من المكلف على وجهها لقوله تعالى فيما حكاه نبيه صلى الله عليه وسلم عنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=70260من تقرب إلي شبرا تقربت . [ ص: 134 ] إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني مشيا أتيته هرولة } والمصلي يتقرب أكثر فيكون فضل الله عليه أعظم وذكر مع هذه الوجوه وجوه أخر كلها ضعيفة غير سالمة من النقص ولم أر فيه فرقا تقر به العين ويسكن إليه القلب غير أني أوقفتك على أكثر ما قيل فيه مما هو قوي المناسبة وما يرد على ذلك وأنت من وراء الفحص والبحث عن ذلك .
حاشية ابن الشاط
قال : ( الفرق العشرون بين قاعدة الصوم وقاعدة غيره من الأعمال الصالحة إلى آخر ما قال : فيه ) قلت : أحسن ما قيل في ذلك عندي القول الذي افتتح به وهو أنه أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه حقيقة لغير الله تعالى وما أورد عليه من النقض بالإيمان وسائر أعمال القلوب يجاب عنه بحمل الحديث على أن [ ص: 133 ] المراد به الأعمال الظاهرة لا الباطنة وأن الصوم اختص دونها بهذه المزية ولا يرد عليه كون الصلاة أفضل منه لأنه لا تعارض بين المزية والأفضلية على ما قرر هو بعد هذا والله أعلم .
قال ابن الشاط ما توضيحه وهذا أحسن ما قيل في ذلك عندي والمراد بقوله في الحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=87183كل عمل ابن آدم له } إلخ الأعمال الظاهرة فقط لا ما يشمل الباطنة من الإيمان وسائر أعمال القلوب الحسنة حتى يقال : إنها كالصوم في الخفاء ولا تعارض بين تخصيص الصوم بهذه المزية دون الأعمال الظاهرة مع كون الصلاة أفضل منه إذ قد يتحقق في المفضول من المزايا ما لا يتحقق في الفاضل كما سيأتي تقريره بعد هذا ا هـ ومن قائل إن جوف الإنسان في الصوم يبقى خاليا فيحصل له به شبه وصف الربوبية فإن الصمد هو الذي لا جوف له على أحد الأقوال فيه وفيه أن عموم الحديث المتقدم يقتضي تفضيله حتى على الاشتغال بالعلوم والانتقام من المجرمين [ ص: 152 ] والإحسان إلى المؤمنين وتعظيم الأولياء والصالحين وكل ذلك إذا صدر من العبد كان فيه كالصوم التخلق بأخلاق الرب ومن قائل : إن الصوم اختص بأمر عظيم يوجب تشريفه بالإضافة المذكورة وهو ترك الإنسان لشهواته وملاذه في فرجه وفمه وفيه أن عموم الحديث يقتضي تفضيله حتى على الجهاد والحج مع أنهما أعظم في ذلك منه فإن الإنسان في الجهاد مؤثر مهجته وجسده وحياته فتذهب جميع الشهوات تبعا لذهاب الحياة وفي الحج يترك المخيط والمحيط والطيب والتنظيف ويفارق الأوطان والأوطار والأهل والأولاد والإخوان ويركب الأخطار في الأسفار ومن قائل : إن تخصيصه بالإضافة لأنه لم يتقرب به لغير الله تعالى بخلاف غيره من العبادات وفيه أن الصوم أيضا وقع التقرب به إلى الكواكب فيما يتعاطاه أرباب الاستخدامات للكواكب ومن قائل إن الصوم يوجب تصفية الفكر وصفاء العقل وضعف القوى الشهوانية بسبب الجوع وقلة الغذاء .
وكل ما يوجب ذلك يوجب حصول المعارف الربانية والأحوال السنية كما يشهد لذلك حديث { لا تدخل الحكمة جوفا ملئ طعاما } وحديث { البطنة تذهب بالفطنة } وهذه مزية عظيمة توجب التشريف بالإضافة المخصوصة وفيه أن الصوم لا يختص بذلك بل الصلاة ومناجاة الرب سبحانه وتعالى والمراقبة له في ذلك والتزام الأدب معه والخضوع لديه مما يوجب حصول المعارف والأحوال والمواهب الربانية لقوله تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } وقوله تعالى { ويجعل لكم نورا تمشون به } إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الأعمال الصالحة دالة على سبب المواهب والنور والهداية وجزيل الفضائل بل ينبغي أن يكون المترتب من ذلك على الصلاة إذا وقعت من المكلف على وجهها أكثر من المترتب من ذلك على الصوم لقوله تعالى فيما حكاه نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم عنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=70260من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني مشيا أتيته هرولة } والمصلي يتقرب أكثر فيكون فضل الله عليه أعظم ومن قائل كذا ومن قائل كذا وكلها ضعيفة غير سالمة من النقض وأحسنها الأول ونقضه مدفوع كما علمت والله أعلم .