( الفرق الستون بين قاعدة إثبات النقيض في المفهوم وبين قاعدة إثبات الضد فيه )
اعلم أن مفهوم المخالفة يقتضي أن الحكم المنطوق غير ثابت للمسكوت عنه فهل القاعدة فيه عند القضاء بأن حكم المسكوت يقتضي إثبات ضد الحكم المنطوق به أو إثبات نقيضه ، والثاني هو الحق بأن يقتصر على عدم الحكم الثابت للمنطوق ولا يتعرض لإثبات حكم المسكوت ألبتة فهو ينقسم إلى عشرة أقسام كلها مستقيمة مع النقيض فقط مفهوم العلة نحو ما أسكر كثيره فهو حرام مفهومه ما لم يسكر كثيره فليس بحرام ومفهوم الصفة في الغنم السائمة الزكاة مفهومه ما ليس بسائمة لا زكاة فيه ومفهوم الشرط من تطهر صحت صلاته مفهومه من لم يتطهر لا تصح صلاته ومفهوم المانع لا يسقط [ ص: 37 ] الزكاة إلا الدين مفهومه أن من لا دين عليه لا تسقط عنه ومفهوم الزمان سافرت يوم الجمعة مفهومه أنه لم يسافر يوم الخميس ومفهوم المكان جلست أمامك مفهومه أنه لم يجلس عن يمينك ومفهوم الغاية { أتموا الصيام إلى الليل } مفهومه لا يجب بعد الليل ومفهوم الحصر إنما الماء من الماء مفهومه أنه لا يجب من غير الماء ومفهوم الاستثناء قام القوم إلا زيدا مفهومه أن زيدا لم يقم ومفهوم اللقب تعليق الحكم على أسماء الذوات نحو في الغنم الزكاة مفهومه لا تجب في غير الغنم عند من قال بهذا المفهوم وهو أضعفها فهذه المفهومات جميعها أثبتنا فيها نقيض حكم المنطوق للمسكوت وحصل فيها معنى المفهوم فظهر أن مفهوم المخالفة إثبات نقيض حكم المنطوق للمسكوت وأن هذا هو قاعدته وليس قاعدته إثبات الضد .
ويظهر التفاوت بينهما في قول nindex.php?page=showalam&ids=12502ابن أبي زيد من أصحابنا حيث استدل على وجوب صلاة الجنازة بقوله تعالى في حق المنافقين { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } أن مفهومه يقتضي وجوب الصلاة على المسلمين وليس الأمر كما قاله بل مفهومه عدم تحريم الصلاة على المؤمنين وعدم التحريم صادق مع الوجوب والندب والكراهة والإباحة فلا يستلزم الوجوب ؛ لأن الأعم من الشيء لا يستلزم فلا يلزم الوجوب في هذه الصورة فكذلك يكون دأبك أبدا في مفهوم المخالفة إثبات النقيض فقط ولا تتعرض للضد ألبتة لما ظهر لك من الفرق بين القاعدتين .
حاشية ابن حسين المكي المالكي
( الفرق الستون بين قاعدة إثبات النقيض في المفهوم بين قاعدة إثبات الضد فيه )
مفهوم المخالفة أبدا يقتضي أن حكم المنطوق غير ثابت للمسكوت عنه قطعا وإنما الخلاف في أن المسكوت عنه هل يثبت له ضد الحكم الثابت للمنطوق به وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=12502ابن أبي زيد من أصحابنا حيث استدل على وجوب صلاة الجنازة لقوله تعالى في حق المنافقين { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } فقال إن مفهومه يقتضي وجوب الصلاة على المسلمين أو يثبت له نقيض الحكم الثابت للمنطوق به ونقيض كل شيء رفعه أي يثبت له عدم الحكم الثابت للمنطوق به وهذا هو مذهب الجمهور وهو الحق في جميع مفاهيم المخالفة لا فرق بين مفهوم الصفة كما في الآية المذكورة فإن مفهوم منهم فيها عدم تحريم الصلاة على المؤمنين وهو صادق مع الوجوب والندب والكراهة والإباحة فلا يستلزم الوجوب ؛ لأن الأعم من الشيء لا يستلزمه وكما في قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=25073في الغنم السائمة الزكاة } فإن مفهومه ما ليس بسائمة لا زكاة فيه .
ومفهوم العلة كما في نحو ما أسكر كثيره فهو حرام فإن مفهومه أن ما لم يسكر كثيره فليس بحرام ومفهوم الشرط كما في نحو من تطهر صحت صلاته فإن مفهومه أن من لم يتطهر لا تصح صلاته ومفهوم المانع كما في نحو لا يسقط الزكاة إلا الدين فإن مفهومه أن من لا دين عليه لا تسقط عنه الزكاة ومفهوم الزمان كما في نحو سافرت يوم الجمعة فإن مفهومه أنه لم يسافر يوم الخميس ومفهوم المكان كما في نحو جلست أمامك فإن مفهومه أنه لم يجلس عن يمينك ومفهوم الغاية كما في نحو { أتموا الصيام إلى الليل } فإن مفهومه أن الصوم لا يجب بعد الليل ، ومفهوم الحصر كما في { nindex.php?page=hadith&LINKID=12449إنما الماء من الماء } فإن مفهومه أنه لا يجب الغسل من غير الماء ، ومفهوم الاستثناء كما في نحو قام القوم إلا زيدا فإن مفهومه أن زيدا لم يقم .
واعلم أن جميع ما ذكر من المفاهيم التسعة ترجع إلى مفهوم الصفة ففي حاشية السعد على عضد ابن الحاجب ذكر الإمام في البرهان أن جميع جهات التخصيص ترجع إلى الصفة فإن المحدود والمعدود موصوفان بعددهما وحدهما والمخصص بالكون في زمان ومكان موصوف بالاستقرار فيهما ا هـ .
[ ص: 52 ] وكذا الباقي كما لا يخفى ومفهوم اللقب أي تعليق الحكم على أسماء الذوات كما في نحو في الغنم الزكاة فإن مفهومه أن الزكاة لا تجب في غير الغنم عند من قال بهذا المفهوم وهو الدقاق ومن معه كما سيأتي وهذا المفهوم أضعف المفاهيم العشرة المذكورة فقاعدة مفهوم المخالفة أبدا إثبات نقيض حكم المنطوق به فقط للمسكوت عنه على القول الحق وليس قاعدته إثبات ضد حكم المنطوق به للمسكوت عنه خلافا nindex.php?page=showalam&ids=12502لابن أبي زيد من أصحابنا فليكن دأبك أبدا فيه إثبات النقيض فقط ولا تتعرض للضد ألبتة لما ظهر لك من الفرق بين القاعدتين والله سبحانه وتعالى أعلم .