صفحة جزء
( الفرق الثامن والستون بين قاعدة الواجب الموسع وبين قاعدة ما قيل به من وجوب الصوم على الحائض )

قد اختلف العلماء رضي الله عنهم في وجوب الصوم على الحائض في زمن الحيض مع اتفاقهم على عدم صحة الصوم ولو أوقعته حينئذ وعلى أنها آثمة إذا فعلت فقال القاضي عبد الوهاب من المالكية ووافقه جماعة إن الحيض يمنع من صحة الصوم دون وجوبه ويمنع من صحة الصلاة ووجوبها [ ص: 63 ]

وقالت الحنفية يجب عليها الصوم وجوبا موسعا يشيرون بهذه التوسعة إلى عدم تحتم الصوم في زمن الحيض حتى لا يجتمع الوجوب والإثم في الفعل فإن الواجب لا يمنع وهذه تمنع من فعله فلا يتصور الوجوب في حقها واحتج الحنفية ومن قال بقولهم بوجوب الصوم عليها بوجوه أحدها قوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وهي شهدت الشهر فيلزمها الصوم لعموم النص وثانيها أنها تنوي رمضان ولولا تقدم الوجوب لما كان لهذا الصوم برمضان تعلق وثالثها أن القضاء يقدر بقدر الأداء الفائت فأشبه قيم المتلفات القائمة مقام الأعيان المتلفة فكذلك هذا القضاء يقوم مقام الواجب الذي فات فلو لم يجب شيء متقدم لم يكن شيء يقوم هذا القضاء مقامه .

والجواب عن الأول أن عموم النص يجب تخصيصه بالدليل الضروري فإن حقيقة الواجب ما لا يمنع من فعله وهذه ممنوعة من الفعل ولما كانت ممنوعة من ذلك دل ذلك على عدم الوجوب عليها بالضرورة وكيف يمكن أن يقال إن صاحب الشرع أوجب على مكلف شيئا ويعاقبه إن لم يفعله ومع ذلك فهو يعاقبه إذا فعل أو لم يفعل .

وهذا لم يعهد في الشريعة أصلا ونحن وإن جوزناه على الله تعالى من باب تكليف ما لا يطاق فنحن نقطع بأن الشريعة لم ترد بهذا الجائز بل بالرحمة وترك المشاق والتيسير والإحسان ولذلك قال عليه السلام { بعثت بالحنيفية السمحة } وإذا كان هذا معلوم النفي بالضرورة من الشريعة المحمدية كان ذلك من أعظم أدلة التخصيص فيتخصص به عموم الآية بالضرورة فلا يستقيم التمسك بها [ ص: 64 ] وعن الثاني أنها إنما تنوي رمضان بسبب أن هذا الصوم ليس تطوعا ولا واجبا ابتداء ولا بسبب حدث الآن ولا نذرا ولا كفارة بل من نوع آخر من الصوم غير الأنواع المعهودة في الشريعة فيحتاج إلى نية تميزه عن بقية الأنواع ؛ لأن النية إنما شرعت لتمييز العبادات عن العادات ولتمييز مراتب العبادات وسبب هذا الصوم هو الترك في رمضان فأضيف لسببه ليتميز عن غيره لا ؛ لأن الوجوب تقدم بل جعل صاحب الشرع رؤية هلال رمضان سببا لوجوب الصوم على المختارين الذين لا مانع في حقهم وسببا لجعل ترك كل يوم سببا لوجوب فعل يوم آخر بعد [ ص: 65 ] رمضان فرؤية الهلال سبب لسببية ترك الصوم ونصب الترك سببا لا يقتضي وجوب الإيقاع فيه بل لو صرح الشارع هكذا .

وقال جعلت ترك رمضان عند رؤية الهلال سببا لوجوب مثله خارج رمضان ولا يجب الفعل في رمضان لم يكن ذلك متناقضا ، ألا ترى أن الصبي والمجنون إذا ترك إخراج قيم المتلفات من أموالهم في زمن الصبا والجنون يكون ذلك الترك سببا لوجوب دفع القيم بعد زوال الصبا والجنون ويكلفون ح بالغرامات من أموالهم في ذممهم مع أنه لم يتقدم عليهم وجوب قبل ذلك وصار الترك سببا للتكليف بعد زوال العذر كذلك هاهنا جعل الترك سببا للوجوب بعد زوال العذر مع عدم التكليف في زمان الترك ويضاف هذا الصوم لذلك الترك ليتميز عن غيره كما تضاف القيمة للإتلاف في زمان الصبا أو الجنون ليتميز هذا المال المدفوع عن غيره من الديون والواجبات ومن النفقات وغيرها من [ ص: 66 ] الأموال المتنوعة في الدفع وعن الثالث أن القضاء إنما قدر بقدر المتروك من الصوم ؛ لأن صاحب الشرع جعل ترك كل يوم سببا لوجوب صوم يوم بعد رمضان كما قدرت قيم المتلفات بعد البلوغ لزوال الجنون بحسب قدر المتلفات مع انعقاد الإجماع على عدم الوجوب في زمان الصبا والجنون ، وكذلك هاهنا والحق أنه لا يجب على الحائض شيء من الصوم ؛ لأن أقل رتب الواجب أن يؤذن في فعله وهذا لم يؤذن لها في فعله فلا يجب عليها ما لم يؤذن لها فيه ، وأما قول الحنفية إنه واجب موسع فهو في بادي الرأي يظهر أنه لا يلزمهم محذور لعدم التضييق وعند التحقيق يبطل ما قالوه بسبب أن الواجب الموسع من شرطه إمكان وقوعه في أول أزمنة التوسعة وهذه ممنوعة إجماعا إلى زمن الطهر في جميع زمن الحيض فلا يصح في حقها أنه واجب موسع .

ولو صح ما قالوه لصح أن يقال إن الظهر يجب من طلوع الشمس وجوبا موسعا فإنها تفعل بعد الزوال كما تفعل في الصوم بعد زوال العذر ويصح أن يقال إن رمضان يجب من رجب وجوبا موسعا ويفعل بعد انسلاخ شعبان كما يفعل الصوم بعد زوال العذر ولكن هذا كله خلاف الإجماع فلا يصح ما قالوه من الواجب الموسع ويتضح حينئذ الفرق بين الواجب الموسع وبين صوم الحائض أن الواجب الموسع يمكن فعله في أول أزمنة التوسعة وهذه [ ص: 67 ] لا يمكن أن تفعل في أول زمن الحيض ولا يكون زمن الحيض من أزمنة التوسعة لها فإن أرادوا بأنه واجب وجوبا موسعا إنه يجب بعد زوال العذر فقط فهذا مجمع عليه فلا يصرحون بالخلاف في المسألة ويقولون إن هذا مذهب يختصون به فظهر الحق واتضح الفرق بفضل الله تعالى .


حاشية ابن الشاط

قال ( الفرق الثامن والستون بين قاعدة الواجب الموسع وبين قاعدة ما قيل فيه من وجوب الصوم على الحائض إلى قوله ويمنع من صحة الصلاة ووجوبها ) قلت ليس مراد من قال بوجوب الصوم على الحائض أنها مكلفة بإيقاع الصوم في حال الحيض كيف وقد اتفقوا على عدم صحته إن أوقعته وعلى أنها آثمة بذلك ولكن مرادهم أنها مكلفة بالتعويض ومن أيام الحيض التي هي من رمضان ولا يصح أن يقال أن تكليفها بذلك لم يقع في أيام الحيض بل في أيام التعويض ؛ لأنه ليس بلازم أن يكون زمن التكليف غير زمن إيقاع الفعل المكلف به ولو لزم ذلك للزم أن لا يكون أحد مكلفا بجملة عبادة مترتبة الأجزاء بل بكل جزء زمنه وذلك معلوم البطلان قطعا وقد تقدم له تقرير أن زمن التكليف يكون غير زمن إيقاع الفعل المكلف به في الفرق الحادي والأربعين ومن لزوم تقدم زمن التكليف على زمن إيقاع الفعل في العبادات ذوات الأجزاء المترتبة ظهرت صحة قول من يقول بترتب العبادات في الذمم كالديون وظهر بطلان [ ص: 63 ] قول من يقول بعدم ترتبها في الذمم بخلاف الديون .

قال ( وقالت الحنفية يجب عليها الصوم وجوبا موسعا يشيرون بهذه التوسعة إلى عدم تحتم الصوم في زمن الحيض حتى لا يجتمع عليها الوجوب والإثم في الفعل فإن الواجب لا يمنع من فعله وهذه تمنع فلا يتصور الوجوب في حقها ) قلت إن سلم الحنفية منعها من الصوم فكيف يقولون بوجوبه عليها وذلك متناقض إلا أن يعنوا بذلك أن التعويض من أيام رمضان موسع الوقت فذلك صحيح أما أن يعنوا بذلك التوسعة في إيقاع الصوم في أيام الحيض أو غيرها فذلك لا يصح بوجه .

قال : ( واحتج الحنفية ومن قال بقولهم بوجوب الصوم عليها بوجوه : أحدها قوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وهي شهدت الشهر فيلزمها الصوم لعموم النص ، وثانيها : أنها تنوي رمضان ولولا تقدم الوجوب لما كان لهذا الصوم برمضان تعلق وثالثها أن القضاء يقدر بقدر الأداء الفائت فأشبه قيم المتلفات القائمة مقام الأعيان المتلفة فكذلك هذا القضاء يقوم مقام الواجب الذي فات فلو لم يجب شيء متقدم لم يكن شيء يقوم هذا القضاء مقامه ، والجواب عن الأول أن عموم النص يجب تخصيصه بالدليل الضروري فإن حقيقة الواجب ما لا يمنع من فعله وهذه ممنوعة من الفعل إلى قوله فيتخصص به عموم الآية بالضرورة فلا يستقيم التمسك بها )

قلت إن أراد [ ص: 64 ] بقوله إن حقيقة الواجب ما لا يمنع من فعله ألبتة وإن منع على وجه ما فذلك مسلم ولا يتناول محل النزاع فإنها لم تمنع منه ألبتة في أيام الحيض فقط وإن أراد ما لا يمنع بوجه من الوجوه فذلك ممنوع .

قال ( وعن الثاني أنها إنما نوت رمضان بسبب أن هذا الصوم ليس تطوعا ولا واجبا ابتداء ولا بسبب حدث الآن ولا نذرا ولا كفارة بل هو نوع آخر من الصوم غير هذه الأنواع المعهودة ) قلت إن أراد بالأنواع المعهودة الأنواع التي سماها فذلك أمر لا يجهله أحد ولا فائدة في ذلك وإن أراد أنه نوع من الصوم غير معهود في الشرع فذلك باطل فإنه صوم معهود في الشرع كسائر أنواعه .

قال ( فيحتاج إلى نية تميزه عن بقية الأنواع ؛ لأن النية إنما شرعت لتمييز العبادات عن العادات ولتمييز مراتب العبادات ) قلت لم تشرع النيات لذلك ولكن شرعت للتقرب بالعبادات لمن أمر بالعبادات وهو أهل لذلك ومن لازم التقرب بها للمعبود الواجب الطاعة أن يتقرب بها على الوجه الذي أمر وللسبب الذي نصب فالتمييز ليس بسبب لشرع النيات بل هو لازم لما شرعت له النيات .

قال ( وسبب هذا الصوم هو الترك في رمضان فأضيف لسببه ليتميز عن غيره لا لأن الوجوب تقدم ) قلت ولم كان تركها للصوم في رمضان سببا في وجوب الصوم في غيره بنية التعويض منه وكيف يجب التعويض من غير واجب هذا مما لا خفاء ببطلانه بل الصحيح أنه وجب عليها في رمضان لكن تعذر عليها فعل هذا الواجب تعذرا شرعيا وحكم العذر الشرعي كحكم العذر الحسي أما الحسي فكالنوم المستغرق لوقت الصلاة .

وأما الشرعي فكمزاحمة واجب تفوت مصلحته إن أخر كما في إنقاذ غريق يستغرق وقت الصلاة وكلا المكلفين بذلك يقضيان بعد الوقت وقد كان الوجوب تعلق بهما عند دخول الوقت واستقر في ذمتهما إلى حين القضاء وليس يشكل وجوب واجب من العبادات في وقت يمتنع إيقاعه فيه على كل من يرى ترتب العبادات في الذمم كالديون وإنما يشكل ذلك على من يفرق بين العبادة والديون .

قال ( بل جعل صاحب الشرع رؤية الهلال سببا لوجوب الصوم على المختارين الذين لا مانع في حقهم وسببا لجعل ترك كل يوم سببا لوجوب فعل يوم آخر بعد [ ص: 65 ] رمضان فرؤية الهلال سبب لسببية ترك اليوم ونصب الترك سببا لا يقتضي وجوب الإيقاع فيه ) قلت إيقاع صومها في أيام رمضان مسلم أنه ليس بواجب بل هو ممنوع وجعل رؤية الهلال سببا لسببية الترك دعوى ، وقوله إن نصب الترك سببا لا يقتضي وجوب الإيقاع في اليوم المتروك دعوى أيضا وبالجملة لا حاجة إلى هذه الدعاوى التي لا حجة عليها .

قال ( بل لو صرح الشارع هكذا وقال جعلت ترك رمضان عند رؤية الهلال سببا لوجوب مثله خارج رمضان ولا يجب الفعل في رمضان لم يكن ذلك متناقضا ألا ترى أن الصبي والمجنون إذا ترك إخراج قيم المتلفات من أموالهم في زمن الصبا والجنون يكون ذلك الترك سببا لوجوب دفع القيم بعذر زوال الصبا والجنون ويكلفون ح بالغرامات من أموالهم في ذممهم مع أنه لم يتقدم عليهم وجوب قبل ذلك وصار الترك سببا للتكليف بعد زوال العذر كذلك هاهنا جعل الترك سببا للوجوب بعد زوال العذر مع عدم التكليف في زمن الترك ويضاف هذا الصوم لذلك الترك ليتميز عن غيره كما تضاف القيم للإتلاف في زمن الصبا أو الجنون ليتميز هذا المال المدفوع عن غيره من الديون والواجبات من النفقات وغيرها من الأموال المتنوعة في الدفع ) قلت إضافة وجوب الصوم بعد رمضان إلى تركه في رمضان مشعر بتعلق الوجوب بالمكلفة بذلك في رمضان وإلا فلا معنى لتلك الإضافة ؛ لأنها إن كانت إنما تركت غير واجب فلا شيء عليها وهل عهد في الشرع أن ترك غير الواجب يكون سببا في الوجوب وما سبب هذا الارتباك الموجب لمثل هذا الكلام الواضح الضعف إلا الغفلة عن تقرر العبادات في الذمم عند وجود أسبابها كالديون والغرامات أو التغافل عن ذلك والصبي والحائض وإن كان حالهما مستويا من حيث إنها لا تكلف عند وجود السبب الذي هو رمضان بإيقاع الصوم فيه والصبي أيضا [ ص: 66 ] لا يطلب عند وجود السبب الذي هو الإتلاف بإيقاع الغرامة يوم الإتلاف بينهما فرق من جهة أن الصبي خال عن شرط التكليف بخلافها فيصح أن يقال فيها إنها مكلفة باعتبار اتصافها بشرط التكليف ولا يصح أن يقال فيه إنه مكلف بذلك الاعتبار ويصح فيهما معا أن يقال ترتب العوض في ذمتهما يوم وجود السبب والموجب لصحة القول بترتب العوض في ذمتهما وصحة القول بتكليفها دونه أن لفظ التكليف ولفظ الترتيب في الذمة وما أشبه ذلك اختلاف عبارات مبني على اعتبارات والاعتبارات أمور وضعية تتبع المقاصد والله أعلم .

قال ( وعن الثالث أن القضاء إنما قدر بقدر المتروك من الصوم ؛ لأن صاحب الشرع جعل ترك يوم سببا لوجوب صوم يوم بعد رمضان إلى قوله فلا يجب عليها ما لم يؤذن لها فيه ) قلت إن أراد أنها لم يجب عليها إيقاع الصوم في زمن الحيض فذلك صحيح وقد حكى هو الإجماع على ذلك وإن كان يريد أن الوجوب لم يتعلق بذمتها عند وجود سببه وهو رمضان فهو محل النزاع وقد سبق بيان لزوم تقرر العبادات في الذمم بدليل أوائل إجزاء العبادات ذوات الأجزاء المرتبة مع أواخر أجزائها فإنه لا قائل بأن الوجوب إنما توجه على المكلف عند الشروع في العبادات بأول جزء منها دون سائر أجزائها ثم عند الفراغ من الجزء الأول توجه الوجوب عليه بالجزء الثاني ثم كذلك إلى آخر الأجزاء .

قال ( وأما قول الحنفية إنه واجب موسع فهو في بادئ الرأي يظهر أنه لا يلزمهم محذور إلى آخر الفرق ) قلت ما قاله في ذلك صحيح .

حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الثامن والستون بين قاعدة الواجب الموسع وبين قاعدة ما قيل به من وجوب الصوم على الحائض )

وذلك هو أن الواجب الموسع لقضاء رمضان يجب موسعا من شوال إلى آخر شعبان من السنة المستقبلة شرطه أن يمكن فعله في أول أزمنة التوسعة ولا يجب على الحائض الصوم إلا بعد زوال العذر فقط بالإجماع فقد اتفق العلماء رضي الله عنهم على عدم صحة الصوم لو أوقعته زمن الحيض وعلى أنها آثمة إذا فعلت فمراد القاضي عبد الوهاب من المالكية وكل من قال : إن الحيض يمنع من صحة الصوم دون وجوبه ويمنع من صحة الصلاة ووجوبها أن الحائض مكلفة زمن الحيض بالتعويض من أيام الحيض التي هي من رمضان ولا يصح أن يقال : إن تكليفها بذلك لم يقع في أيام الحيض بل في أيام التعويض إذ لا يلزم أن لا يكون زمن التكليف غير زمن إيقاع الفعل المكلف به وإلا للزم أن لا يكون أحد مكلفا بجملة عبادة مترتبة الأجزاء بل بكل جزء في زمنه وذلك معلوم البطلان .

وقد مر في الفرق الحادي والأربعين أن زمن التكليف يكون غير زمن إيقاع الفعل المكلف به فظهر لزوم تقدم زمن التكليف على زمن الإيقاع في العبادات ذوات الأجزاء المترتبة ومنه تظهر صحة قول من يقول بترتب العبادات في الذمم كالديون وبطلان قول من يقول بعدم ترتبها في الذمم بخلاف الديون ، وأما قول الأحناف ومن قال بقولهم يجب عليها الصوم وجوبا موسعا محتجين بثلاثة وجوه :

أحدها قوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وهي شهدت الشهر فيلزمها الصوم لعموم النص .

وثانيها : أنها تنوي رمضان ولولا تقدم الوجوب لما كان لهذا الصوم برمضان تعلق .

وثالثها : القضاء يقدر بقدر الأداء الفائت فأشبه قيم المتلفات القائمة مقام الأعيان المتلفة فكذلك هذا القضاء يقوم مقام الواجب الذي فات فلو لم يجب [ ص: 86 ] شيء متقدم لم يكن شيء يقوم هذا القضاء مقامه فيتعين حيث سلم الأحناف منعها من الصوم في زمن الحيض أن يحمل على أن مرادهم أن التعويض من أيام رمضان موسع الوقت لا أن التوسعة في إيقاع الصوم في أيام الحيض أو غيرها لعدم صحة ذلك بوجه إذ كيف يصح قولهم بأنها مكلفة بإيقاع الصوم في حال الحيض وهم يقولون بعدم صحته إن أوقعته وبأنها آثمة بذلك وهل يجامع الوجوب الإثم والواجب لا يمتنع إذ لم يعهد في الشريعة أن صاحب الشرع يعاتب المكلف إذا فعل أو لم يفعل وذلك ؛ لأنا وإن جوزنا على الله تعالى ذلك من باب تكليف ما لا يطاق إلا أنا نقطع بأن الشريعة لم ترد بهذا الجائز بل بالرحمة وترك المشاق والتيسير والإحسان ولذلك قال : عليه الصلاة والسلام { بعثت بالحنيفية السمحة } وحينئذ فيرجع خلافهم في المسألة لفظيا بل لا وجه لتصريحهم بالخلاف فيها واحتجاجهم لما قالوه بتلك الأوجه الثلاثة فلا داعي إلى الإطالة بالجواب عن تلك الوجوه بتكلف الدعاوى التي لا حجة عليها كما قالهابن الشاط فافهم والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية