القاعدة الرابعة والواجب به وهو أداة يفعل بها فإن الباء كما تكون سببية تكون للاستعانة نحو كتبت بالقلم ونجرت بالقدوم فالواجب به الذي هو أداة في الشريعة له مثل أحدها الماء الذي يتوضأ به ويغتسل فإنه ليس سببا للوجوب بل هو أداة يعمل بها الفعل وسبب الطهارة إنما هو الحدث ، وكذلك التراب في التيمم أداة وليس سببا وثانيها الثوب للسترة في الصلاة لم يوجب الله تعالى السترة بثوب معين بل بمطلق الثوب الذي هو قدر مشترك بين جميع الثياب كما لم يوجب الطهارة بماء معين بل بالقدر المشترك بين جميع المياه وكذلك نجيب عن مغلطة عادتها تلقى على الطلبة فيقال الوضوء واجب ومن هذه الفسقية المعينة ؛ لأن الوضوء واجب بالإجماع وهو لا يجب من غيرها بالإجماع فتعينت هي وإلا لبطل الوجوب وكذلك يقال السترة واجبة بهذا الثوب المعين ؛ لأن السترة واجبة بالإجماع وهي لا تجب بغير هذا الثوب المعين بالإجماع لجواز الاقتصار على هذا الثوب فتعين هذا الثوب .
وعلى هذا المنوال تورد هذه الشبهات والجواب عنها واحد وهو أن الوجوب إنما يتعلق بالقدر المشترك بين هذه الفسقية وغيرها ، فإذا لم يكن غيرها واجبا بالإجماع لا تتعين هي بل القدر المشترك بينها وبين غيرها لا هي ولا غيرها وكذلك إذا لم تجب السترة بغير هذا الثوب لا يتعين هذا الثوب بل القدر المشترك بينه وبين غيره لا هو ولا غيره بل الخصوصات كلها ساقطة عن الاعتبار ، وثالثها : الجمار في النسك أداة يعمل بها الواجب لا أنها سبب الوجوب بل سبب الوجوب هو تعظيم البيت لقوله تعالى { ولله على الناس حج البيت } ولتذكر قصة إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده وفدائه بالكبش [ ص: 79 ] وأنه هرب منه فلحقه ورماه بالحجارة هناك فشرع رمي الجمار لتذكر تلك الأحوال السنية والطواعية التامة والإنابة الجميلة ليقتدى بهما في ذلك وعلى التقديرين فالجمار ليست سببا بل أداة يفعل بها الواجب ولم يوجب الله تعالى منها شيئا معينا بل القدر المشترك بينها فأي حصاة أخذها أجزأت وسدت المسد وخصوص كل واحدة منها ساقط عن الاعتبار والوجوب متعلق بالقدر المشترك بينهما دون خصوصاتها ، ورابعها : الضحايا والهدايا أدوات يفعل بها الواجب وسبب الوجوب هو أيام النحر في الضحايا والتمتع ونحوه من أسباب الهدي .
وأما هذه الأنعام فليست أسبابا للوجوب بل أدوات يفعل بها الواجب ولم يوجب الله تعالى خصوص بدنة دون أخرى بل القدر المشترك بينهما هو المطلوب فأيها فعل سد المسد ولا يفوت بفوات الخصوص مقصد شرعي مع الاستواء في الصفات كما تقدم في الثواب والماء حرفا بحرف ، وخامسها : الرقاب في العتق ليست أسبابا للحكم بل السبب الظهار مثلا أو اليمين أو إفساد صوم رمضان عمدا أو القتل فهذه هي الأسباب ، وأما الرقاب فهي أدوات يفعل بها الواجب كالماء والسترة ولم يوجب الله تعالى خصوص رقبة دون أخرى مع الاستواء في الصفات بل القدر المشترك بينهما هو متعلق الوجوب وهو واجب به أداة لا واجب به سببا .
حاشية ابن الشاط
قال ( القاعدة الرابعة الواجب به وهو أداة يفعل بها فإن الباء كما تكون سببية تكون للاستعانة إلى آخر كلامه في القاعدة ) قلت ما قاله فيها صحيح غير ما في قوله القدر المشترك على ما سبق .
حاشية ابن حسين المكي المالكي
( القاعدة الرابعة ) الواجب الذي هو أداة يفعل بها الواجب لا سبب للوجوب فإن الباء كما تكون سببية كذلك تكون للاستعانة ككتبت بالقلم ونجرت بالقدوم ولهذا الواجب مثل : أحدها : مطلق الماء الطهور في الطهارة وضوء كانت أو غسلا أداة يعمل بها الطهارة [ ص: 92 ] لا سبب للطهارة ؛ لأن سببها إنما هو الحدث وكذلك التراب في التيمم أداة وليس سببا ولا مدخل لعين الماء في وجوب الطهارة ولا لتعين التراب في وجوب التيمم إذ لم يوجب الله تعالى الطهارة بماء معين بل بفرد مبهم من أفراد الماء ولا التيمم بتراب معين بل بفرد مبهم من أفراد التراب .
وثانيها : مطلق الثواب الذي هو فرد مبهم من أفراد الثياب أداة للسترة الواجبة في الصلاة ولا مدخل للثوب المعين في وجوب السترة إذ لم يوجب الله تعالى السترة بثوب معين بل بمطلق الثوب الذي هو فرد مبهم من أفراد الثياب ومن هنا يظهر لك جواب المغالطة التي تلقى عادة على الطلبة فيقال السترة واجبة بهذا الثوب المعين ؛ لأن السترة واجبة بالإجماع وهي لا تجب بغير هذا الثوب بالإجماع فتعين هو وإلا لبطل الوجوب أو يقال الوضوء واجب من هذه الفسقية المعينة ؛ لأن الوضوء واجب بالإجماع وهو لا يجب من غيرها بالإجماع فتعينت هي وإلا لبطل الوجوب ، وهكذا إذا أوردت هذه الشبهات على هذا المنوال كان الجواب عنها واحدا وهو أن الوجوب لكل من الوضوء والسترة إنما يتعلق بفرد مبهم داخل تحت القدر المشترك بين هذه الفسقية وغيرها وبين هذا الثوب المعين وغيره ، فإذا لم يكن غيرها ولا غيره واجبا بالإجماع لا تتعين هي ولا هو فالخصوصات كلها ساقطة عن الاعتبار .
وثالثها : مطلق الجمار في النسك أداة يعمل بها الواجب لا سبب للوجوب بل سبب الوجوب إما تعظيم البيت لقوله تعالى { ولله على الناس حج البيت } وإما تذكر قصة إبراهيم عليه السلام في ذبح ابنه وفدائه بالكبش قيل ؛ لأن منها أنه هرب منه فلحقه ورماه بالحجارة هناك قلت ولا يخفى ما فيه من المخالفة لقوله تعالى { قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } فالصواب ما في حاشية شيخنا على توضيح المناسك أن في القصة هو أن الشيطان تعرض للذبيح عليه السلام لما ذهب مع أبيه للذبح وقال له إن أباك يريد أن يذبحك فأمره إبراهيم عليه السلام أن يرجمه بسبع حصيات ا هـ فشرع رمي الجمار لتذكر تلك الأحوال السنية والطواعية التامة والإنابة الجميلة ليقتدى بهما في ذلك ولا مدخل لتعين الجمار في وجوب الرمي بل أي حصاة أخذها أجزأت وسدت المسد وخصوص كل واحدة منها ساقط عن [ ص: 93 ] الاعتبار .
ورابعها : مطلق الضحايا والهدايا أدوات يفعل بها الواجب لا سبب للوجوب بل سببه في الضحايا أيام النحر وفي الهدايا التمتع ونحوه من أسباب الهدي ولا مدخل للبدنة المعينة في الوجوب ؛ إذ لم يوجب الله تعالى خصوص بدنة دون أخرى بل المطلوب فرد مبهم من أفراد القدر المشترك بين هذه البدنة المعينة وغيرها من البدن فأيها فعل سد المسد ولا يفوت بفوات الخصوص مقصد شرعي مع الاستواء في الصفات كما تقدم في الثوب والماء حرفا بحرف .
وخامسها : مطلق الرقاب في العتق أدوات يفعل بها الواجب لا أسباب للوجوب بل السبب الظهار أو اليمين أو إفساد صوم رمضان عمدا أو القتل ولا مدخل لتعين الرقبة في الوجوب ؛ إذ لم يوجب الله تعالى خصوص رقبة دون أخرى مع الاستواء في الصفات بل فرد مبهم من أفراد القدر المشترك بين هذه الرقبة المعينة وغيرها فأي رقبة عتقها سدت المسد كما علمت .