فإذا قلت إن جاء زيد فأكرمه فلفظك يدل على أن إن شرط والإكرام يتوقف على المجيء مطابقة ويدل بالالتزام على أن المجيء لا بد أن يكون في زمان وإذا قلت إذا جاء زيد فأكرمه فإذا تدل على الزمان بالمطابقة وعلى الشرط بالالتزام في بعض الصور فإنها قد يلزمها الشرط في بعض الصور نحو { إذا جاء نصر الله } إلى قوله { فسبح } وقد لا يلزمها وتكون ظرفا محضا نحو قوله تعالى { والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى } أي أقسم بالليل في حالة غشيانه وبالنهار في حال تجليه لأنهما أكمل أحوال الليل والنهار والقسم تعظيم والتعظيم يناسب أعظم الأحوال فإذا في مثل هذا ظرف محض في موضع نصب على الحال فصارت إذا الظرفية قد يلزمها الشرط فتدل عليه في بعض الصور وقد لا يلزمها في بعض الصور فلا تدل عليه التزاما وثانيها أن إن وإذا وإن كانا مطلقين في الدلالة على الزمان لا عموم فيهما غير أن إن لا توسعة فيها وإذا ظرف والظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف .
وبذلك يظهر الفرق بين قوله إن مت فأنت طالق وبين قوله إذا مت فأنت طالق أنه لا يلزمه طلاق في الأول لأنه لا طلاق بعد الموت ويلزمه في الثاني لأن الظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف فظرف الموت يحتمل دخول زمن من أزمنة الحياة فيه فيقع في ذلك الزمن الطلاق في زمن الحياة فيلزمه وفي ذلك خلاف بين العلماء مبني على ملاحظة هذا الوجه من الفروق ويدل على أن الظرف قد يكون أوسع من المظروف أن تقول ولد النبي عليه السلام عام الفيل وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ستين من عام الفيل وهو لم يولد في جملة عام [ ص: 98 ] الفيل بل في جزء من ذلك العام مع أنك جعلته بجملته ظرفا فتعين أن يكون هذا الظرف أوسع من مظروفه الذي هو الولادة وكذلك جعلت جملة سنة ستين ظرفا للموت مع أنه لم يقع في جميع السنة بل في جزء منها فيكون هذا الظرف أوسع من المظروف وكذلك قوله تعالى { واذكر ربك إذا نسيت } .
أورد بعض الفضلاء فيه سؤالا فقال الشرط وجوابه إذا جعل الشرط ظرفا لا بد وأن يكونا معا واقعين فيه نحو إذا جاء زيد فأكرمه فالمجيء والإكرام في زمن واحد وهو المعبر عنه بإذا وكذلك { إذا جاء نصر الله والفتح } إلى قوله { فسبح بحمد ربك } الآية كلاهما واقع في إذا المجيء والتسبيح ولذلك جوزوا أن يعمل في إذا كلا الفعلين واختاروا فعل الجواب للعمل لأنه ليس مضافا إليه بخلاف الشرط فإنه مضاف إلى مخفوض والمضاف إليه لا يعمل في المضاف وإذا جوزوا عمل كل واحد من الفعلين في هذا الظرف دل ذلك على وقوعهما فيه لأن من شرط العامل في الظرف أن يكون واقعا فيه حتى يصير مظروفه إذا تقرر هذا فالذكر ضد النسيان وقد دلت الآية [ ص: 99 ] على وقوعهما في إذا والضدان لا يجتمعان فكيف أمر بالذكر في زمن النسيان .
والجواب عنه من هذه القاعدة أن الظرف قد يكون أوسع من المظروف فيفضل من زمان إذا زمان ليس فيه نسيان يقع فيه الذكر فلا يجتمع الضدان وكذلك وقع الإشكال في قوله تعالى { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون } فإعراب اليوم ظرف وإذ ظرف أيضا وهو بدل من اليوم والبدل هنا غير المبدل منه فيكون يوم القيامة هو عين زمن الظلم لكن زمن الظلم في الدنيا والدنيا ليست هي عين الآخرة ولا يوم القيامة فكيف صحت البدلية أورد nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني هذا السؤال فقال الظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف وزمن الظلم يجوز أن يكون أوسع منه حتى يمتد ليوم القيامة فيطلق عليه ويقبل يوم القيامة الامتداد حتى يطلق على يوم الظلم فيتحدان فتحسن البدلية .
وهذا الموضع في الاتساع أبعد من آية الذكر والنسيان بطول البعد وإفراطه وبعده عن أكثر الاستعمالات وبالجملة قد ظهر لك بهذه الآيات وهذا التقرير أن الظرف من حيث هو يقبل السعة أكثر من مظروفه فيكون أوسع منه وقد لا يسع أكثر منه نحو صمت رمضان وصمت يوم الخميس فإن الظرف في هذه الصور مساو للمظروف فتلخص الفرق أيضا بين إن وإذا من هذا الوجه وثالثها أن إن لا يعلق عليها إلا مشكوك فيه فلا تقول إن غربت الشمس فأت وإذا تقبل [ ص: 100 ] المعلوم والمشكوك فيه فتقول إذا غربت الشمس فأت وإذا دخل العبد الدار فهو حر فهذه فروق من جهة المعاني وأما الفرق من جهة الصناعة النحوية فإن إن حرف وإذا اسم وظرف وإن لا يخفض ما بعدها بل يكون ما بعدها في موضع جزم بالشرط وإذا ما بعدها في موضع خفض بالظرف .
وإذا عرض لها البناء لأن البناء في الأسماء عارض والبناء في إن أصل لأن الأصل في الحروف البناء فكلها مبنية وغير ذلك من الفروق النحوية التي ليس هذا موضعها
حاشية ابن الشاط
[ ص: 96 - 97 ] قال ( الفرق الخامس والسبعون بين قاعدة إن وقاعدة إذا وإن كان كلاهما للشرط إلى قوله وقد لا يلزمها في بعض الصور فلا تدل عليه التزاما ) قلت ما قاله في ذلك صحيح إلا قوله في إن أنها تدل على الزمان التزاما فإنه إن أراد أنها تدل على الزمان التزاما بنفسها وعلى ما شرطوه في دلالة الالتزام من أنها يسبق ذلك فهم السامع فليس ذلك بصحيح وإن أراد أنها تدل على الزمان التزاما بمعنى أنها من الحروف التي تلازم الدخول على الفعل والفعل يدل على الزمان فهي تدل على الزمان التزاما من هذا الوجه فذلك صحيح .
قال ( وثانيها أن إن وإذا وإن كانا مطلقين في الدلالة على الزمان لا عموم فيهما غير أن إن لا توسعة فيها وإذا ظرف والظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف وبذلك يظهر الفرق بين قوله إن مت فأنت طالق وبين قوله إذا مت فأنت طالق إلى قوله [ ص: 98 ] فيكون هذا الظرف أوسع من المظروف ) قلت ما قاله من أن الظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف بمعنى أنه يجاء بلفظ اليوم مثلا فيقال أكلت يوم الخميس وإن كان الأكل لم يقع في جميعه بل في بعضه صحيح ظاهر لكنه لا يلزم من جواز ذلك أن يكون كل ظرف كذلك وإذا لم يلزم أن يكون كل ظرف كذلك فالصحيح في إذا أنها لا تخلو أن تدخل على شرط ومشروط أو لا فإن لم تدخل على شرط ومشروط فلا إشكال وإن دخلت على شرط ومشروط فلا يخلو أن يكون وقوع ذلك المشروط بعد وقوع الشرط ممكنا أو لا فإن كان ممكنا كقوله إذا دخلت الدار فأنت طالق لزمه الطلاق وإن كان وقوع ذلك المشروط غير ممكن لم يقع الطلاق كقوله إذا مت فأنت طالق هذا هو الصحيح لأن قوله إذا دخلت الدار فأنت طالق ليس معناه إيقاع الطلاق في زمن الدخول بعينه بل معناه إيقاعه في الزمن الذي يلي زمن الدخول لضرورة مقتضى الفاء فإنها للتعقيب ويلزم عن ذلك أن تكون إذا يراد بها ظرف الدخول لا ظرف الطلاق وظرف الطلاق غير مصرح به ويلزم عن ذلك تعلق إذا بدخلت الذي هو فعل الشرط ولا يعترض ذلك بقولهم المضاف إليه لا يعمل في المضاف لأنها قاعدة لا يسلم فيها الإطلاق والله أعلم .
قال ( وكذلك قوله تعالى { واذكر ربك إذا نسيت } إلى آخر السؤال والجواب ) قلت إنما يلزم السؤال على تقدير أن يكون ظرف النسيان هو بعينه ظرف الذكر أما إذا قلنا إن ظرف الذكر غير ظرف النسيان لكنه يعقبه فتكون إذا في قوله تعالى { واذكر ربك إذا نسيت } ظرفا للنسيان خاصة فظرف الذكر غير مصرح به فلا يلزم السؤال وجوابه بأن الظرف يكون أوسع من المظروف فيفضل من إذا زمن لا نسيان فيه وهو جواب رافع للسؤال من أصله لا جواب [ ص: 99 ] مترتب على صحة السؤال .
قال ( وكذلك وقع الإشكال في قوله تعالى { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون } إلى قوله وبعده عن أكثر الاستعمالات ) قلت إنما وقع الإشكال في الآية بناء على أن إذ بدل من اليوم وليس ذلك بصحيح بلا إشكال وما المانع من أن يكون معنى الكلام ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب بسبب ظلمكم إذ ظلمتم هذا لا مانع منه ألبتة .
قال ( وبالجملة قد ظهر لك بهذه الآيات وهذا التقرير أن الظرف من حيث هو يقبل السعة أكثر من مظروفه فيكون أوسع إلى قوله فتلخص الفرق أيضا بين إن وإذا من هذا الوجه ) قلت لم يظهر ما ذكره من تلك الآيات بوجه ولا يصح تقرير ما قرره ولا يصح أن يكون الظرف أوسع من المظروف على الحقيقة وإنما معنى كون الظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف أنه يطلق لفظ اليوم مثلا في فعل يقع في بعضه لا في جميعه وذلك الإطلاق حقيقة لغوية للإطراد وليس ذلك حقيقة معنوية بمعنى أن ظرف الفعل يكون أوسع منه في المعنى فإن ذلك شيء لا يصح بوجه ولم يزل الإشكال يقع عند كثير من الناس بين الحقائق المعنوية والحقائق اللفظية فيظنها شيئا واحدا وليس الأمر كذلك .
قال ( وثالثها أن إن لا يعلق عليها إلا مشكوك إلى قوله [ ص: 100 ] فهذه فروق من جهة المعاني ) قلت قد تقدم أنه ليس بلازم دخول إن على المشكوك وأنها لمطلق الربط فقط .
قال ( وأما الفرق من جهة الصناعة النحوية إلى آخر الفرق ) قلت ما قاله في ذلك ظاهر لا نزاع فيه قال .
حاشية ابن حسين المكي المالكي
( الفرق الخامس والسبعون بين قاعدة إن وقاعدة إذا وإن اشتركا في كون كل منهما للشرط أي لمطلق الربط بين جملتين وفي الدلالة على مطلق الزمان أي زمن غير معين لا عموم الأزمان ) لكن بينهما فرق من وجهين الوجه الأول أن إن تدل على الزمان التزاما من جهة أنها من الحروف التي تلازم الدخول على الفعل والفعل يدل على الزمان وعلى الشرط بالمطابقة بعكس إذا ففي قولك إن جاء زيد فأكرمه تدل على إن بالمطابقة على أن الإكرام يتوقف على المجيء وبالالتزام من الجهة المذكورة على أن المجيء لا بد له من أن يكون في زمان فافهم وفي نحو قولك إذا جاء زيد فأكرمه تدل إذا بالمطابقة على الزمان وبالالتزام على الشرط أي توقف الإكرام على المجيء كما في قوله تعالى { إذا جاء نصر الله } إلى قوله فسبح وقد تكون ظرفا محضا كما في قوله تعالى { والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى } أي أقسم بالليل في حالة غشيانه وبالنهار في حالة تجليه لأنهما أكمل أحوال الليل والنهار والقسم تعظيم والتعظيم يناسب أعظم الأحوال فلا تدل إذا الظرفية على الشرط التزاما إلا في بعض صورها وهو ما إذا دخلت على شرط ومشروط بخلاف إن فلا تفارق الدلالة على الشرط والوجه الثاني أن إن لا يجوز أن يكون ما تدل عليه من الزمان بالجهة المذكورة أوسع من المظروف فإذا قال إن مت فأنت طالق لم يلزمه طلاق قطعا إذ لا طلاق بعد الموت .
وأما إذا فالصحيح كما قال ابن الشاط أنها إن لم تدخل على شرط ومشروط يجوز أن يكون زمانها أوسع من المظروف إذ لا إشكال في أن الظرف يجوز فيه ذلك بمعنى أنه يجاء بلفظ اليوم مثلا فيقال أكلت يوم الخميس وإن كان الأكل لم يقع في جميعه كما يقال ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ستين من عام الفيل وهو لم يولد إلا في جزء من عام الفيل ولم يقع موته إلا في جزء من السنة [ ص: 108 ] المذكورة وإن دخلت على شرط ومشروط فإما أن يكون وقوع ذلك المشروط بعد وقوع الشرط ممكنا أو لا فإن كان غير ممكن كقوله إذا مت فأنت طالق لم يقع الطلاق إذ ليس معناه إيقاع الطلاق في زمن الموت بعينه حتى يقال يلزمه الطلاق لأن ظرف الموت يجوز أن يكون أوسع من المظروف الذي هو الطلاق فيدخل فيه زمن من أزمنة الحياة يقع فيه الطلاق فيلزمه على خلاف بين العلماء مبني على ملاحظة هذا الوجه بل معناه إيقاع الطلاق في الزمن الذي يلي زمن الموت لما سيتضح ولا طلاق بعد الموت وإن كان ممكنا كقوله إذا دخلت الدار فأنت طالق لزمه الطلاق إذ ليس معناه إيقاع الطلاق في زمن الدخول بعينه بل معناه إيقاعه في الزمن الذي يلي زمن الدخول لضرورة مقتضى الفاء التي للتعقيب وإن لزم عن ذلك أمران أحدهما أن إذا ظرف للدخول لا ظرف للطلاق بل ظرف الطلاق غير مصرح به والثاني تعلقها بدخلت الذي هو فعل الشرط لا بطالق وإن كان هو مقتضى قول النحويين المضاف إليه لا يعمل في المضاف لأن قولهم هذا قاعدة لا يسلم فيها الإطلاق ا هـ كلام ابن الشاط بتصرف وتوضيح .
( قلت ) ويقر به قول النحويين العامل في أسماء الشروط فعل الشرط لا الجواب لأن رتبة الجواب مع متعلقاته التأخير عن الشرط فلا يعمل في متقدم عليه ولأنه قد يقترن بالفاء وإذا الفجائية وما بعدهما لا يعمل فيما قبلهما وهاتان العلتان متحققتان أيضا في إذا والعلة تدور مع المعلول فلذا اضطروا في إذا ونحوها على تسليم إطلاق القاعدة المذكورة إلى تكلفات منها أن عاملها محذوف يدل عليه الجواب لا الجواب لما علمت ومنها أن عاملها هو الجواب وتقييد القاعدتين المذكورتين أعني قاعدة ما رتبته لا يعمل فيما تقدم عليه وقاعدة ما بعد الفاء وإذا الفجائية إلخ بغير الظروف لتوسعهم في الظروف وإن لم تستحق التصدير فما ظنك بما يستحقه ومنها قول العلامة الخضري على nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل على الألفية ومن جعل شرطها هو العامل كسائر الشروط قال إنها غير مضافة إليه مثلها كما يقول الجميع فيها إذا جزمت كما في المغني وحينئذ فالفرق بينها وبين ( إذ وحيث ) أنها يحصل الربط فيها بين جملتي الجواب والشرط بكونها شرطا كما في أين ومتى وأما إذ وحيث فلولا الإضافة ما حصل بهما ربط وعند تجردها عن الشرط تكون مضافة للجملة بعدها بلا خلاف فيما يظهر ليحصل بها الربط فتدبر ا هـ .
ومنها قول العلامة الأمير على المغني كل كلمتين فأكثر كانتا [ ص: 109 ] بمنزلة كلمة واحدة بمعنى وقوعهما معا جزء كلام يجوز أن تعمل أولاهما في الثانية كالمضاف إليه ولا يجوز العكس إذ لم تعهد كلمة واحدة بعض أجزائها مقدم من وجه مؤخر من آخر فكذلك ما هو بمنزلتها في المعنى فمن ثم لم تعمل صلة في موصول ولا تابع في متبوع ولا مضاف إليه في مضاف .
وأما كلمة الشرط والشرط فليستا ككلمة واحدة إذ لا يقعان موقع المفرد كالفاعل والمفعول والمبتدأ فيجوز عمل كل واحد منهما في الآخر نحو متى تذهب أذهب و { أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } نعم إن لم يعمل الشرط في كلمته نحو من قام قمت جاز وقوعها موقع المبتدأ على ما هو مذهب بعضهم ا هـ .
قال الشيخ الأبياري في القصر المبني أي فإن من هنا غير ظرف فهي تعمل في الشرط وهو لا يعمل فيها لكن هذا المذهب ضعيف ا هـ إذ لا معنى لجعل كلمة إذا مع الشرط إذا جزمت ككلمة واحدة وجعلها معه إذا لم تجزم ليست ككلمة واحدة وأهل العربية قد جعلوهما كسائر كلمات الشرط مع شروطها مطلقا قيدا لجملة الجزاء .
وأما عدم تسليم إطلاق القاعدة المذكورة كما لابن الشاط فلا يحتاجون لشيء من هذه التكلفات فتأمل بإنصاف بل قال ابن الشاط رحمه الله تعالى على الجزم بعدم تسليم إطلاقها وجعل إذا في قوله تعالى { واذكر ربك إذا نسيت } ظرفا للنسيان .
ولم يصرح بظرف الذكر يندفع من أصله ما أورده بعض الفضلاء على جعل إذا ظرفا لا ذكر الذي هو الجواب لأنه ليس مضافا إليه لا لنسيت الذي هو الشرط وإن جاز بالنظر لذاته لكونه مضافا إليه والمضاف إليه لا يعمل في المضاف من أن الذكر ضد النسيان وقد دلت الآية على وقوعهما في إذا والضدان لا يجتمعان فكيف أمر بالذكر في زمن النسيان ولم نحتج للجواب عنه المبني على صحته بأن الظرف قد يكون أوسع من المظروف فيفضل من زمان إذا زمان ليس فيه نسيان يقع فيه الذكر فلا يجتمع الضدان على أن لا يصح أن يكون الظرف أوسع من المظروف على الحقيقة وإنما معنى كون الظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف كما مر أنه يطلق لفظ اليوم مثلا في فعل يقع في بعضه لا في جميعه وذلك الإطلاق حقيقة لغوية للإطراد وليس ذلك حقيقة معنوية بمعنى أن ظرف الفعل يكون أوسع منه في المعنى فإن ذلك شيء لا يصح بوجه ولم يزل الإشكال يقع عند كثير من الناس بين الحقائق المعنوية والحقائق اللفظية فيظنها شيئا واحدا وليس الأمر كذلك قال ومعنى قوله تعالى { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون } ولن ينفعكم اليوم اشتراككم [ ص: 110 ] في العذاب بسبب ظلمكم إذ ظلمتم يعني أن إذ ظلمتم تعليل لنفي النفع المأخوذ من لن أي أنهم لعظم ما هم فيه لا يهون عليهم اشتراكهم في العذاب كما كان في الدنيا كما في المغني وحواشيه نعم ظاهر قوله بسبب ظلمكم إذ ظلمتم الجري على القول بأن إذا التعليلية ظرف والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ فإنه إذا قيل ضربته إذ أساء وأريد بإذ الوقت اقتضى ظاهر الحال أن الإساءة سبب الضرب لأن تعليق الحكم بوصف يشعر بعليته لا على القول بأنها حرف بمنزلة لام العلة وذلك لقوله في المغني والجمهور لا يثبتون هذا القسم أي كون إذ حرفا بمنزلة لام العلة ولذا قال الرضي في قوله تعالى { وإذ لم يهتدوا به } الآية وقوله { وإذ اعتزلتموهم } الآية .
وقوله { فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم } الآية أن الفاء لإجراء الظرف مجرى كلمة الشرط كما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في نحو زيد حين لقيته فأنا أكرمه وهو في إذ مطرد ويجوز أن يكون من باب { والرجز فاهجر } أي مما أضمر فيه وإنما جاز إعمال المستقبل الذي هو سيقولون وآووا وأقيموا في الظروف الماضية التي هي إذ لم يهتدوا وما معه وإن كان وقوع المستقبل في الزمن الماضي محالا لما ذكر في نحو أما زيد فمنطلق من أن الغرض المعنوي هو قصد الملازمة حتى كان هذه الأفعال المستقبلة وقعت في الأزمنة الماضية وصارت لازمة لها كل ذلك لقصد المبالغة ا هـ نقله الأبياري في القصر لكن أورد في المغني على القول بأن إذ التعليلية ظرف إشكالين أحدهما أنه لو استفيد التعليل من قوة الكلام لكان إذا حذفت إذ وحل محلها وقت استفيد التعليل مع أنه ليس كذلك لاختلاف زمن الفعلين فإن ينفع مستقبل لاقترانه بلن وظلم ماض وكذا إذ ولا بد في التعليل من اتحاد الزمانين في المثال .
وثانيهما أن إذ لا تبدل من اليوم لاختلاف الزمانين أي الدنيا والآخرة فهما متباينان ولا يصح إبدال أحد المتباينين من الآخر ولا تكون ظرفا لينفع لأنه لا يعمل في ظرفين زمانيين ليس أحدهما تابعا للآخر ولا مندرجا فيه مع أن النفع ليس واقعا في وقت الظلم ولا تكون ظرفا لمشتركون لأن معمول خبر الأحرف الستة يعني إن وأخواتها لا يتقدم عليها .
ولأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول ولأن اشتراكهم في الآخرة لا في زمن ظلمهم وأجاب عن هذا الثاني بأربعة أجوبة أشار لأولها وثانيها بقوله .
وقال أبو الفتح راجعت أبا علي مرارا في قوله تعالى { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم } الآية مستشكلا إبدال إذ من اليوم فآخر ما تحصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان وأنهما في حكم الله تعالى سواء فكان اليوم ماض أو [ ص: 111 ] كان إذ مستقبلة ا هـ .
ولثالثها ورابعها بقوله وقيل المعنى إذ ثبت ظلمكم وقيل التقدير بعد إذ ظلمتم وعليهما أيضا فإذ بدل من اليوم ومعنى إن بعد وقبل غير صالحين للاستغناء عنهما عند إضافتهما إلى إذ أنه لا بد من ملاحظة معناهما وإن كان يجوز حذفهما لدليل وهو هنا توقف صحة الكلام على تقدير بعد فهي دلالة اقتضائية قال وإذا لم تقدر إذ تعليلا أي بل جعلت بدلا على أحد الأوجه المتقدمة فيجوز أن تكون إن وصلتها تعليلا أي على تقدير حرف التعليل والفاعل مستتر راجع إلى قولهم يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين أو إلى القرين ويشهد له قراءة بعضهم إنكم بالكسر على الاستئناف ويجوز أن تكون هي وصلتها فاعل ينفع ا هـ .
بتوضيح من الأبياري هذا وزاد الأصل في الفرق بين إن وإذا وجها ثالثا وهو أن إن لا يعلق عليها إلا مشكوك فيه فلا تقول إن غربت الشمس فأت بخلاف إذا فإنها تقبل المعلوم والمشكوك فيه فتقول إذا غربت الشمس فأت وإذا دخل العبد الدار فهو حر وهذا الوجه وإن صرح به البيانيون إلا أن ابن الشاط جزم بأن إن لا يلزم دخولها على المشكوك بل هي لمطلق الربط فقط وكما يفرق بينهما من جهة المعنى بما ذكر كذلك يفرق بينهما أيضا من جهة الصناعة النحوية بأن إن حرف وإذا اسم وظرف وبأن ما بعد إن يكون في موضع جزم بها وما بعد إذا في موضع خفض بها وبأن البناء في إن أصل وفي إذا عارض لأن البناء في الأسماء عارض وفي الحروف أصل إلى غير ذلك من الفروق النحوية التي ليس هذا موضعها فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم .