وهذا إنما يحسن من أسباب العقوبات كترك الواجبات وفعل المحرمات ؛ لأنها هي التي فيها العقوبات ، أما المكروهات والمندوبات والمباحات فلا يحسن الاستغفار فيها لعدم العقوبات في فعلها وتركها ، وهذا أمر ظاهر لا خفاء فيه غير أنه وقع nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك رحمه الله فيمن ترك الإقامة أنه يستغفر الله تعالى ووقع له أيضا ذلك في غير الإقامة من المندوبات ، وقد سبق الجلاب والتهذيب على نقل ذلك عنه ، ووجه ذلك أن الله تعالى يعاقب على الذنب بأحد ثلاثة أشياء أحدها المؤلمات كالنار وغيرها ، وهذا هو الأمر الغالب في ذلك . وثانيها تيسير المعصية في شيء آخر فيجتمع على العاصي عقوبتان الأولى والثانية كقوله تعالى { وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } فجعل العسرى مسببة عن المعاصي المتقدمة ، ومنه قوله تعالى { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما أنزل الله } الآية فجعل سبحانه الردة مسببة عن المعصية المذكورة ؛ لأن قوله تعالى ذلك إشارة إلى الردة ، وقوله بأنهم قالوا الباء سببية ومنه قوله عليه السلام { إن الرجل ليختم له بالكفر بسبب كثرة ذنوبه } . وثالثها تفويت الطاعات لقوله تعالى { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } وقوله تعالى { والله لا يهدي القوم الفاسقين } { إنه لا يفلح الظالمون } ونحو ذلك من الآيات الدالة على سلب الفلاح [ ص: 147 ] والخير بسبب الأوصاف المذمومة المذكورة في تلك الآيات ، وكما يعاقب الله تعالى بأحد ثلاثة أشياء يثيب أيضا بأحد ثلاثة أشياء : أحدها الأمور المستلذة كما في الجنات من المأكول والمشروب وغيرهما .
وثانيها تيسير الطاعات فيجتمع للعبد مثوبتان لقوله تعالى { فسنيسره لليسرى } فجعل اليسرى مسببة عن الإعطاء وما معه في الآية وقوله تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } { يجعل لكم فرقانا } إلى غير ذلك من الآيات . وثالثها تعسير المعاصي عليه وصرفها عنه إذا تقررت هذه القاعدة فإذا نسي الإنسان الإقامة أو غيرها من المندوبات دل هذا الحرمان على أنه مسبب عن معاص سابقة لقوله تعالى { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } وفوات الطاعة مصيبتها أعظم المصائب فإن كلمات الأذان طيبة مشتملة على الثناء على الله تعالى وتوجب لقائلها ثوابا سرمديا خيرا من الدنيا وما فيها من إصابة شوكة أو غم يغمه في فلس يذهب له ، وإذا كان ترك الطاعات مسببا عن المعاصي المتقدمة فحينئذ إذا رأى المكلف ذلك سأل المغفرة من تلك المعاصي المتقدمة حتى لا يتكرر عليه مثل تلك المصيبة ، فالاستغفار عند ترك الإقامة لأجل غيرها لا أنه لها ، وكذلك بقية المندوبات إذا فاتت يتعين على الإنسان الاستغفار لأجل ما دل عليه الترك من ذنوب سالفة لأجل هذه التروك فهذا هو وجه أمر nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله تعالى بالاستغفار في ترك المندوبات لا أنه يعتقد أن الاستغفار من ترك المندوبات فقد ظهر الفرق بين قاعدة الاستغفار عن الذنوب المحرمات وبين قاعدة الاستغفار من ترك المندوبات ، وأنها في فعل المحرمات وترك الواجبات لأجلها مطابقة وفي ترك المندوبات لأجل ما دلت عليه بطريق الالتزام لا أنه لها مطابقة .
وبهذا التقرير تحل مواضع كثيرة مما وقع للعلماء من ذكر الاستغفار عن ترك المندوبات فيشكل ذلك [ ص: 148 ] على كثير من الناس ، وليس فيها إشكال بسبب ما تقدم من الفرق والبيان .
[ ص: 147 - 148 ] ( الفرق الثاني والتسعون بين قاعدة الاستغفار من الذنوب المحرمات وبين قاعدة الاستغفار من ترك المندوبات ) لا خفاء في أن الاستغفار من حيث إنه طلب المغفرة لا يحسن فيما ليس في فعله أو تركه العقوبات من المكروهات والمندوبات والمباحات وإنما يحسن فيما في فعله أو تركه العقوبات من ترك الواجبات وفعل المحرمات إلا أنه تعالى لما كان يعاقب على الذنب بأحد ثلاثة أشياء ويثيب على الطاعة بأحد ثلاثة أشياء أيضا أما ثلاثة العقاب
فأحدها المؤلمات كالنار وغيرها وهذا هو الغالب في ذلك
وثالثها تعسير المعاصي عليه وصرفها عنه وكان نسيان الإنسان الأذان أو الإقامة أو غيرهما من المندوبات فيحرم ثوابها من أعظم المصائب سيما وكلمات الأذان طيبة مشتملة على الثناء على الله تعالى وتوجب لقائلها ثوابا سرمديا خيرا من الدنيا وما فيها ومصيبة فوات ثوابها مسببة عن معاص سابقة وقعت [ ص: 162 ] منه قال تعالى { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } ظهر لك أن ما وقع nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك رحمه الله فيمن ترك الإقامة أو غيرها من المندوبات أنه يستغفر الله وقد اتفق الجلاب والتهذيب على نقل ذلك عنه هو أنه يتعين على الإنسان الاستغفار لأجل ما دل عليه تركها من ذنوب سالفة لا أنه يعتقد أن الاستغفار يشرع في ترك المندوبات وظهر أن الفرق بين هاتين القاعدتين هو أن الاستغفار في ترك المحرمات وترك الواجبات لأجلها مطابقة وفي ترك المندوبات لأجل ما دلت عليه بطريق الالتزام لا أنه لها مطابقة وبه ينحل كل إشكال يرد على ما وقع للعلماء من ذكر الاستغفار عن ترك المندوبات والله سبحانه وتعالى أعلم