( الفرق العاشر والمائة بين قاعدة ما تصح النيابة فيه وقاعدة ما لا تصح النيابة فيه عن المكلف ) [ ص: 205 ] هذا الفرق مبني على قاعدة وهي أن الأفعال قسمان منها ما يشتمل فعله على مصلحة مع قطع النظر عن فاعله كرد الودائع وقضاء الديون ورد الغصوبات وتفريق الزكوات والكفارات ولحوم الهدايا والضحايا وذبح النسك ونحوها فيصح في جميع ذلك النيابة إجماعا ؛ لأن المقصود انتفاع أهلها بها وذلك حاصل ممن هي عليه لحصولها من نائبه ولذلك لم تشترط النيات في أكثرها ومنها ما لا يتضمن مصلحة في نفسه بل بالنظر إلى فاعله كالصلاة فإن مصلحتها الخشوع والخضوع ، وإجلال الرب سبحانه وتعالى وتعظيمه وذلك إنما يحصل فيها من جهة فاعلها فإذا فعلها غير الإنسان فاتت المصلحة التي طلبها صاحب الشرع ولا توصف حينئذ بكونها مشروعة في حقه فلا تجوز النيابة فيها إجماعا ومنها قسم متردد بين هذين القسمين فتختلف العلماء رحمهم الله في أي الشائبتين تغلب عليه كالحج فإن مصالحه تأديب النفس بمفارقة الأوطان .
وتهذيبها بالخروج عن المعتاد من المخيط وغيره لتذكر المعاد والاندراج في الأكفان وتعظيم شعائر الله في تلك البقاع ، وإظهار الانقياد من العبد لما لم يعلم حقيقته كرمي الجمار والسعي [ ص: 206 ] بين الصفا والمروة والوقوف على بقعة خاصة دون سائر البقاع وهذه مصالح لا تحصى ولا تصلح إلا للمباشر كالصلاة في حكمها ومصالحها فمن لاحظ هذا المعنى ، وهو nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رضي الله عنه ومن وافقه قالوا : لا تجوز النيابة في الحج ومن لاحظ الفرق بين الحج والصلاة ومشابهة النسك في المالية فإن الحج لا يعرى عن القربة المالية غالبا في الإنفاق في الأسفار قال تجوز النيابة في الحج ، والشائبة الأولى أقوى وأظهر وهي التي تحصل في الحج بالذات ، والمالية إنما حصلت بطريق العرض كما تحصل فيمن احتاج للركوب إلى الجمعات فاكترى لذلك فإن المالية عارضة في الجمعات ولا تصح النيابة فيها إجماعا فكذلك ينبغي في الحج وهو الأظهر وبه يظهر رجحان مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله على غيره والله سبحانه أعلم .
حاشية ابن الشاط
[ ص: 204 ] قال : ( الفرق العاشر والمائة بين قاعدة ما تصح النيابة فيه وقاعدة ما لا تصح النيابة فيه عن المكلف ) .
قلت : صحة النيابة في الأفعال كلها القلبية وغيرها جائزة عقلا لكن الشرع حكم بصحة النيابة في [ ص: 205 ] بعضها دون بعض فأما الأعمال القلبية فلا أعلم خلافا في عدم صحة النيابة فيها إلا ما كان من النية كإحجاج الصبي ، وفي سائر نيات الأعمال التي تصح النيابة فيها على حسب الخلاف في ذلك أيضا ، وغير القلبية : فالمالية المحضة لا أعلم خلافا في صحة النيابة فيها .
وأما غير المالية المحضة فقد حكى بعضهم الإجماع في عدم صحتها في الصلاة ، والخلاف فيما عداها وحكى بعضهم الخلاف في الصلاة أيضا ، وما قاله شهاب الدين وجعله ضابطا للوفاق والخلاف - من مراعاة كون مصلحة ذلك الأمر يشترط فيها حصولها من النائب كحصولها من المنوب عنه وحينئذ تصح - ينتقض بالصوم ، فقد صح الحديث بجواز النيابة فيه ، وما رجح به مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في الحج ظاهر والله تعالى أعلم وما قاله في الفرقين بعد هذا صحيح
حاشية ابن حسين المكي المالكي
( الفرق العاشر والمائة بين قاعدة ما تصح النيابة فيه وقاعدة ما لا تصح النيابة فيه ) .
عن المكلف تصح النيابة عقلا في جميع الأفعال قلبية أو غيرها ، وأما الشرع فحكم بصحة النيابة في بعضها دون بعض وذلك أن الأعمال القلبية كالإيمان بالله تعالى لا خلاف في عدم صحة النيابة فيها إلا ما كان من النية كإحجاج الصبي وسائر نيات الأعمال التي تصح النيابة فيها على حسب الخلاف في ذلك أيضا ، وغير القلبية إن كانت مالية محضة كرد العواري والودائع والغصوبات وقضاء الديون وتفريق الزكوات والكفارات ولحوم الهدايا والضحايا وذبح النسك فلا خلاف في صحة النيابة فيها ، وإن كانت غير مالية محضة فبعضهم حكى الإجماع في عدم صحتها في الصلاة والخلاف فيما عداها ، وبعضهم حكى الخلاف في الصلاة أيضا .
وجعل الأصل ضابطا للوفاق والخلاف كون الفعل المطلوب شرعا إن اشتمل على مصلحة منظور فيها لذات الفاعل بحيث لا تحصل إلا بمباشرته منعت فيه النيابة قطعا وذلك كاليمين مصلحته الدلالة على صدق المدعي فلا تحصل بحلف غيره عنه ولذا يقال ليس في السنة أن يحلف أحد ويستحق غيره وكالدخول في الإسلام مصلحته إجلال الله وتعظيمه ، وإظهار العبودية فلا تحصل إلا بمباشرة الشخص نفسه وكوطء الزوجة مصلحته الإعفاف وتحصيل ولد ينسب إليه وذلك لا يحصل بفعل غيره ، وإن اشتمل على مصلحة منظور فيها لذات الفعل من حيث هو بحيث لا يتوقف حصول مصلحته على المباشرة صحت فيه النيابة قطعا وذلك كرد العواري والودائع والمغصوبات وقضاء الديون وتفريق الزكوات مما مصلحته إيصال الحقوق لأهلها ، سواء كان بنفسه ، أو بغيره فيبرأ من كانت عليه بالوفاء ، وإن لم يشعر ، وإن اشتمل على مصلحة منظور فيها لجهة الفعل ولجهة الفاعل وهو متردد بينهما اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في أي الشائبتين تغلب عليه وذلك كالحج فإن مصلحته كما أنها تأديب النفس بمفارقة الأوطان ، وتهذيبها بالخروج عن المعتاد من المخيط وغيره لتذكر المعاد والاندراج في الأكفان ، وتعظيم شعائر الله في تلك البقاع ، وإظهار الانقياد من العبد لما لم يعلم حقيقته كمرمى الجمار والسعي بين الصفا والمروة والوقوف على بقعة خاصة دون سائر البقاع وغير ذلك من المصالح التي لا تحصى ولا تحصل إلا للمباشر كالصلاة .
كذلك مصلحته القربة المالية غالبا إذ لا يعرى عن الإنفاق في سفره غالبا فلما لاحظ غير nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وموافقيه مصلحته الثانية قالوا تجوز النيابة في الحج ولما لاحظ nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رضي الله تعالى عنه ومن وافقه مصلحته الأولى قالوا لا تجوز النيابة في الحج [ ص: 203 ] وهو أقوى ضرورة أن التي تحصل في الحج بالذات .
وأما المالية فإنما حصلت فيه بطريق العرض بدليل أن المكي يحج بلا مال فكما أن المالية قد تعرض في الجمعات فيمن احتاج للركوب إليها فاكترى لذلك ولا تصح النيابة فيها إجماعا كذلك ينبغي في الحج نعم لغير nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن يفرق بأن عروض المال في الحج أكثر مع ما ورد في الأحاديث من الحج عن الصبيان والمرضى يحرم عنهم غيرهم ويفعل أفعال الحج والعبادات أمر متبع ا هـ كلام الأصل .
وأما حديثهما عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس { nindex.php?page=hadith&LINKID=87315أتت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت وعليها صوم شهر فقال أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضيه قالت نعم قال فدين الله أحق بالقضاء } فقال الزرقاني على الموطإ قد أعل بالاضطراب ففي رواية أن السائل امرأة أن أمها ماتت وعليها صوم شهر . وفي أخرى وعليها خمسة عشر يوما وأخرى أن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين وأخرى قال رجل ماتت أمي وعليها صوم شهر نعم أجيب بأنه ليس اضطرابا ، وإنما هو اختلاف يحمل على اختلاف الوقائع لكنه بعيد لاتحاد المخرج فالروايات كلها عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ا هـ فتأمل وسيأتي في الفرق الحادي والسبعين والمائة بين قاعدة ما يجزئ فيه فعل غير المكلف عنه وبين قاعدة ما لا يجزئ فيه فعل الغير عن ابن الشاط أنه مكرر مع هذا ، وإنما ذكر فيه مسائل لتوضيح الفرق المذكور لم يذكرها هنا فترقب والله تعالى أعلم .