أرزاق المساجد والجوامع يجوز أن تنقل عن جهاتها إذا تعطلت أو وجدت جهة هي أولى بمصلحة المسلمين من الجهة الأولى ولو كانت وقفا أو إجارة لتعذر ذلك فيها لأن الوقف لا يجوز تغييره والوفاء بعقد الإجارة واجب وهو عقد لازم ويجوز أن يجعل الإمام لمتولي المسجد أن يستنيب دائما ويكون له تلك الأرزاق وتلك الرزقة من الخراج والطين على النظر لا على القيام بالوظيفة وإن كان ذلك لمن تقدمه على [ ص: 4 ] القيام بالوظيفة بسبب أن الأرزاق معروف يتبع المصالح فكيفما دارت دار معها ويتعذر مثل ذلك في الأوقاف من الحوانيت والدور وغيرها بسبب أن الوقف لا يجوز تغييره ولا تغيير شرط من شروطه فإذا وقف الواقف على من يقوم بوظيفة الإمامة أو الأذان أو الخطابة أو التدريس لا يجوز لأحد أن يتناول من ريع ذلك الوقف شيئا إلا إذا قام بذلك الشرط على مقتضى شرط الواقف فإن استناب عنه غيره في هذه الحالة دائما في غير أوقات الأعذار لا يستحق واحد منهما شيئا من ريع ذلك الوقف أما النائب فلأنه من شرط استحقاقه صحة ولايته وصحة ولايته مشروطة بأن تكون ممن له النظر وهذا المستنيب ليس له نظر إنما هو إمام أو مؤذن أو مؤذن أو مدرس فلا تصح النيابة الصادرة عنه وأما المستنيب فلا يستحق شيئا أيضا بسبب أنه لم يقم بشرط الواقف فإن استناب في أيام الأعذار جاز له أن يتناول ريع الوقف وأن يطلق لنائبه ما أحب من ذلك الريع .
وإن كان المطلق له أرزاقا على وظيفة من تدريس أو غيره من الإمامة أو الأذان أو الحكم بين الناس أو الحسبة ولم يقم بتلك الوظيفة لا يجوز له أن يتناول ذلك القدر لأن الإمام إنما أطلقه له من بيت المال على وظيفة ولم يقم بها واستباحة أموال بيت المال بغير إذن الإمام لا يجوز وأخذ هذا المطلق بغير هذا الشرط لم يأذن فيه الإمام فلا يجوز له أخذه وللإمام أن يطلقه له بعد اطلاعه على عدم قيامه بالوظيفة لمصلحة أخرى غير تلك الوظيفة فيستحقه بالإطلاق الثاني لا بالتقدير الأول ولو كان وقفا ولم يقم بشرطه لم يجز للإمام إطلاقه لمن لم يقم بشرط الواقف في استحقاقه فهذا أيضا يميز لك الأرزاق من باب الأوقاف والإجارات ويجوز في المدارس الأرزاق والوقف والإجارة ولا يجوز في إمامة الصلاة الإجارة على المشهور من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله ويجوز الأرزاق والوقف وكثير من الفقهاء يغلظ في هذه المسألة فيقول إنما يجوز تناول الرزق على الإمامة بناء على القول بجواز الإجارة على الإمامة في الصلاة ويتورع عن تناول الرزق بناء على الخلاف في جواز الإجارة وليس الأمر كما ظنه بل الأرزاق مجمع على جوازها لأنها إحسان ومعروف وإعانة لا إجارة وإنما وقع الخلاف في الإجارة لأنه عقد مكايسة ومغابنة فهو من باب المعاوضات التي لا يجوز أن يحصل العوضان فيها لشخص واحد فإن المعاوضة إنما شرعت لينتفع كل واحد من المتعاوضين بما بذل له وأجرا الصلاة له فلو أخذ العوض عنها لاجتمع له العوضان والأرزاق ليس بمعاوضة ألبتة لجوازه في أضيق المواضع المانعة من المعاوضة وهو القضاء والحكم بين الناس فلا ورع حينئذ في تناول الرزق والأرزاق على الإمامة من هذا الوجه [ ص: 5 ]
وإنما يقع الورع من جهة قيامه بالوظيفة خاصة فإن الأرزاق لا يجوز تناولها إلا لمن قام بذلك الوجه الذي صرح به الإمام في إطلاقه لتلك الأرزاق
[ ص: 5 ] حاشية ابن حسين المكي المالكي
( المسألة الثانية )
ما يدفعه الإمام من الخراج والطين لمن يتولى المساجد والجوامع بالقيام فيها بوظيفة إمامة أو أذان أو خطابة أو تدريس أو نحو ذلك وإن شارك ما يدفع لهم أجرة أو وقفا للقيام بتلك الوظائف في حكمين أحدهما عدم جواز التناول إذا لم يقوموا بتلك الوظائف بأنفسهم على مقتضى شرط الإمام والواقف وما وقع عليه عقد الإجارة لأنه كما لا يجوز عدم الوفاء بعقد الإجارة وشرط الواقف كذلك لا يجوز استباحة أموال بيت المال بدون أذان الإمام فافهم ، ثامنهما جواز كل من الأرزاق والوقف في المدارس إلا أنه يخالفهما في أحكام منهما أنه يجوز للإمام أن ينقل ما يدفعه لهم إذا تعطلت المساجد أو وجدت جهة هي أولى بمصلحة المسلمين من جهتها بخلاف المجعول لهم أجرة أو وقفا فإنه لا ينقل إلى جهة أخرى غير جهة المساجد وإن كانت أولى من جهتها لوجوب الوفاء بعقد الإجارة وشرط الواقف فإذا وقف الواقف حوانيت أو دورا أو غيرها على من يقوم بوظيفة من الوظائف المذكورة في المساجد والجوامع لم يجز للإمام ولا غيره إطلاقه لمن لم يقم بشرط الواقف في استحقاقه .
ومنها أنه لا يجوز لأحد أن يتناول من ريع ذلك الوقف شيئا إلا إذا قام بذلك الشرط على مقتضاه بنفسه فإن استناب عنه غيره في هذه الحالة بلا عذر يمنعه من القيام به بنفسه لم يستحق هو ولا نائبه شيئا من ريع ذلك الوقف وإن أذن له الإمام أو غيره في ذلك أما النائب فلأن صحة ولايته مشروطة بأن تكون ممن له النظر وهذا المستنيب ليس له نظر إنما هو إمام أو مؤذن أو مدرس أو نحو ذلك فلا تصح النيابة الصادرة عنه وإن كانت بإذن لأنه على خلاف شرط الواقف وأما المستنيب فلأنه لم يقم بشرط الواقف وإن استناب في هذه الحالة لعذر أيامه فقط جاز له أن يتناول ريع الوقف وأن يطلق لنائبه ما أحب من ذلك الريع نعم في شرح الشيخ منصور بن إدريس الحنبلي كشاف القناع على متن الإقناع [ ص: 6 ] في مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251ابن حنبل رحمه الله تعالى ما نصه مع المتن قال الشيخ والنيابة في مثل هذه الأعمال المشروطة من تدريس وإمامة وخطابة وأذان وغلق باب ونحوها جائزة ولو عينه الواقف وفي عبارة أخرى له ولو نهى الواقف عنه إذا كان النائب مثل مستنيبه في كونه أهلا لمن استنيب فيه وقد يكون هكذا في الفروع والاختيارات قال nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل صوابه إذا لم يكن في ذلك مفسدة راجحة هكذا هو في فتاوى الشيخ ا هـ وكذا ذكر معناه في تصحيح الفروع وجواز النيابة به في هذه الأعمال كالأعمال المشروطة في الإجارة على عمل في الذمة كخياطة الثوب وبناء الحائط .
ا هـ بلفظه وهو فسحة في الدين وسيأتي في الفرق السادس عشر والمائتين بزيادة بيان في هذه المسألة بالنسبة لمذهبنا فترقب ويجوز للإمام فيما يدفعه لمتوليها من الخراج والطين أن يجعل له أن يستنيب دائما ويكون له ذلك على النظر لا على القيام بالوظيفة وإن كان ذلك لمن تقدمه على القيام بالوظيفة لمصلحة أخرى رآها .
( ومنها ) أن تناول الأجرة على إمامة الصلاة قد وقع الخلاف في جوازه ومنعه وهو مشهور مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك لأن الإجارة عقد مكايسة ومغابنة ومن باب المعاوضات التي لا يجوز أن يحصل العوضان فيها لشخص واحد لأن المعاوضة إنما شرعت لينتفع كل واحد من المتعاوضين بما بذل له وأجر الصلاة للإمام فلو أخذ العوض عنها لاجتمع له العوضان وتناول الأرزاق على الإمامة مجمع على جوازه لأنها من باب المعروف كما مر لا من باب الإجارة كما ظنه كثير من الفقهاء فقال إنما يجوز تناول الرزق على الإمامة في الصلاة بناء على القول بجواز الإجارة عليها وتورع عن تناوله بناء على الخلاف في جواز الإجارة عليها ولم يفهم أن جواز الأرزاق عليها كجواز الوقف عليها بدون أدنى خلاف إذ الرزق ليس بمعاوضة ألبتة وكيف يكون كذلك وقد أجازوا تناوله في أضيق المواضع الذي تمتنع فيه المعاوضة قطعا وهو القضاء والحكم بين الناس فحينئذ لا ورع في تناول الأرزاق على الإمامة من هذا الوجه وإنما الورع في أنه لا يجوز أن يتناول [ ص: 7 ] الرزق أو الوقف إلا إذا قام بذلك الوجه الذي صرح به الإمام في إطلاقه لتلك الأرزاق أو الواقف في شرطه قلت ومنها إلى آخر ما مر في الأرزاق على القضاء كما هو الظاهر فانظر ذلك وحرر .