المصروف من الزكاة للمجاهدين ليس أجرة وإجارة بل أرزاق خاص من مال خاص وهل يتعين صرفه لهذه الجهة فيتخرج على الخلاف بين الشافعية والمالكية رحمهم الله هل اللام للملك أم لا وليس هو إجارة وإلا لاشترط فيه مقدار العمل والمدة الموجبة لتعيين العمل وغير ذلك من شروط الإجارة ولما لم يكن كذلك كان أرزاقا خاصا من جهة خاصة ويقع الفرق بينه وبين أصل الأرزاق بأن أصل الأرزاق يصح أن يبقى في بيت المال ولا يصرف في الوقف وهذا يجب صرفه إما في جهة المجاهدين أو غيرهم من الجهات الثمانية لأن جهة هذا المال عينها الله عز وجل في كتابه العزيز فيجب على الإمام إخراجها فيها إلا أن يمنع مانع وكذلك كل جهة عينها الله تعالى كالخمس يتعين المبادرة إلى صرفه بحسب المصلحة وأما ما يورث عن الموتى من أموال بيت المال أو يحاز عن الغائب المنقطع خبره فهذا لا جهة له إلا ما يعرض من المصالح فهذا هو الفرق بين هذه الأرزاق الخاصة وبقية الأرزاقات
حاشية ابن حسين المكي المالكي
( المسألة الخامسة )
المصروف من الزكاة للمجاهدين رزق خاص من مال خاص لا أجرة ولا إجارة وفي تعين صرفه لهذه الجهة فلا يجوز أن يختص غيرها من الأصناف الثمانية بالصرف لأن الأصناف الثمانية شركة في الصدقة أو لا يتعين صرفه لها بل يجوز أن تصرف جميع الصدقة إلى واحد من الأصناف الثمانية خلاف بين الشافعية وبين المالكية والأحناف رحمهم الله تعالى مبني على الخلاف بينهم في اللام في { إنما الصدقات للفقراء } الآية هل هي لام التمليك كقولك هذا المال لزيد وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أو لام الأصل كقولك هذا السرج للدابة والباب للدار وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة قال ابن العربي في الأحكام واتفقوا على أنه لا يعطى جميعها للعاملين عليها واعتمد هذا أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على أن الله أضاف الصدقة فاللام التمليك إلى مستحق حتى يصح منه الملك على وجه التشريك فكان ذلك بيانا للمستحقين وهذا كما لو أوصى لأصناف معينين أو لقوم معينين وتعلق علماؤنا بقوله تعالى { إن تبدوا الصدقات } الآية والصدقة متى أطلقت في القرآن فهي صدقة الفرض .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=2069أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم } وهذا نص في ذكر أحد الأصناف الثمانية قرآنا وسنة وحقق علماؤنا المعنى فقالوا إن المستحق هو الله تعالى ولكنه أحال بحقه لمن ضمن لهم رزقهم بقوله تعالى [ ص: 16 ] { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } فكان كما لو قال زيد لعمرو إن لي حقا على خالد يماثل حقك يا عمرو أو يخالفه فخذه منه مكان حقك فإنه يكون بيانا لمصرف حق المستحق لا للمستحق والصنف الواحد في جهة المصرف والحلية كالأصناف الثمانية وقد كنا نقول إن الزكاة تصرف إلى الذمي فخصصنا هذا العموم بما خصصه صاحب الشريعة المبين للناس ما نزل إليهم بقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=2069أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم } وما فهم المقصود أحد فهم nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري فإنه قال الصدقة لسد خلة المسلمين أو لسد خلة الإسلام وذلك مفهوم من مأخذ القرآن في بيان الأصناف وتعديدهم والذي جعلناه فصلا بيننا وبينهم أن الأمة اتفقت على أنه لو أعطي كل صنف حظه لم يجب تعميمه فكذلك تعميم الأصناف مثله .
ا هـ بتصرف ما وفي بداية المجتهد nindex.php?page=showalam&ids=13170لابن رشد فسبب اختلافهم معارضة اللفظ للمعنى فإن اللفظ يقتضي القسمة بين جميعهم والمعنى يقتضي أن يؤثر بها أهل الحاجة إذا كان المقصود به سد الخلة فكان تعديدهم في الآية عند هؤلاء إنما ورد لتمييز الجنس أعني أهل الصدقات لا تشريكهم في الصدقة فالأول أظهر من جهة اللفظ وهذا أظهر من جهة المعنى ومن الحجة nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ما رواه أبو داود عن الصدائي أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه من الصدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=11402إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك } .
ا هـ وفي أحكام ابن العربي أن nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي قال إن كان المال كثيرا قسمه على الأصناف وإلا وضعه في صنف وقال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور إن أخرجه صاحبه جاز له أن يضعه في قسم وإن قسم الإمام استوعب الأصناف وذلك فيما قالوا إنه إن كان كثيرا فليعمهم وإن كان قليلا كان قسمه ضررا عليهم وكذلك إن قسمه صاحبه لم يقدر على النظر في جميع الأصناف فأما الإمام فحق كل واحد من الخلق متعلق به من بيت المال وغيره فيبحث عن [ ص: 17 ] الناس ويمكنه تحصيلهم والنظر في أمرهم والذي صار إليه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك من أنه يجتهد الإمام ويتحرى موضع الحاجة هو الأقوى ثم قال ما معناه وينبني على الخلاف في اللام أيضا أنه على قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وجماعة بعدم بقاء المؤلفة قلوبهم إلى اليوم إما أن يعود سهمهم إلى سائر الأصناف كلها أو ما يراه الإمام حسبما تقدم بيانه في أهل الخلاف .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري يعطى نصف سهمهم لعمار المساجد ولا دليل عليه والأول أي عوده للأصناف على الخلاف هو الأصح وهذا مما يدلك على أن الأصناف الثمانية محل لا مستحقون إذ لو كانوا مستحقين لسقط سهمهم بسقوطه عن أرباب الأموال ولم يرجع إلى غيرهم كما لو أوصى لقوم معينين فمات أحدهم لم يرجع نصيبه إلى من بقي منهم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة بل حق المؤلفة باق إلى اليوم لأن الإمام ربما احتاج أن يستألف على الإسلام وقد قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين والذي عندي أنه إن قوي الإسلام زالوا وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم كما كان يعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الصحيح قد روي فيه { nindex.php?page=hadith&LINKID=16133بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ } ا هـ .
وإنما لم يكن المصروف منها للمجاهدين إجارة مع أن المصروف منها للقائلين كذلك قال ابن العربي في أحكامه يدل قوله تعالى { والعاملين عليها } وهم الذين يقومون لتحصيلها ويوكلون على جمعها على مسألة بديعة وهي أن ما كان من فروض الكفاية فالقائم به يجوز له أخذ الأجرة عليه ومن ذلك الإمامة فإن الصلاة وإن كانت متوجهة على جميع الخلق فإن تقدم بعضهم بهم من فروض الكفاية فلا جرم يجوز أخذ الأجرة عليها وهذا أصل الباب وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح { nindex.php?page=hadith&LINKID=34278ما تركت بعد نفقة عيالي ومؤنة عاملي فهو صدقة } قال والدليل على أنها أن الله سبحانه ملكها له وإن كان غنيا وليس له وصف يأخذ به منها سوى الخدمة في جمعها .
ا هـ قال الأصيل لأنه لا يشترط فيما يصرف منها للمجاهدين شروط الإجارة من مقدار العمل والمدة الموجبة لتعين العمل وغير ذلك نعم يفرق بينه وبين أصل الأرزاق [ ص: 18 ] بأن أصل الأرزاق يصح أن يبقى في بيت المال ولا يصرف في هذه الجهة ونحوها وإنما يصرف في المصالح التي تعرض له وهذا يجب صرفه أما في جهة المجاهدين أو غيرهم من الجهات الثمان لأن جهة هذا المال عينها الله عز وجل في كتابه العزيز فيجب على الإمام إخراجها فيها إلا أن يمنع مانع وكذلك كل جهة عينها الله تعالى كالخمس يتعين المبادرة إلى صرفه في جهة بحسب المصلحة .
ا هـ وقد مر عن الأصل أن الإجارة لا تجوز على القضاء وإمامة الصلاة ونحوهما وأن ما يأخذه القاضي والإمام من بيت المال رزق لا أجرة وقال بعض العلماء العامل في الصدقة يستحق يعني منها كفايته بالمعروف بسبب العمل وإن لم يكن بدلا عن العمل حتى لم يحل للهاشمي والأجرة تحل له وسيأتي مثله للأصل نعم أجاب عنه ابن العربي في الأحكام بأن الهاشمي إنما لم يدخل فيها مع أنها أجرة صحيحة تحريا لكرامته وتباعدا عن الزريعة وذلك مبين في شرح الحديث . ا هـ فتأمل بإمعان