وقال صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=87347استوصوا بأهل الذمة خيرا } وقال في حديث آخر { nindex.php?page=hadith&LINKID=87348استوصوا بالقبط خيرا } فلا بد من الجمع بين هذه النصوص وإن الإحسان لأهل الذمة مطلوب وأن التودد والموالاة منهي عنهما والبابان ملتبسان فيحتاجان إلى الفرق وسر الفرق أن عقد الذمة يوجب حقوقا علينا لهم لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام .
وكذلك حكى nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في مراتب الإجماع له أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة وحكى في ذلك إجماع الأمة فقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال [ ص: 15 ] صونا لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم وإذا كان عقد الذمة بهذه المثابة وتعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودات القلوب ولا تعظيم شعائر الكفر فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع وصار من قبل ما نهي عنه في الآية وغيرها ويتضح ذلك بالمثل فإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا والقيام لهم حينئذ ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها هذا كله حرام وكذلك إذا تلاقينا معهم في الطريق وأخلينا لهم واسعها ورحبها والسهل منها وتركنا أنفسنا في خسيسها وحزنها وضيقها كما جرت العادة أن يفعل ذلك المرء مع الرئيس والولد مع الوالد والحقير مع الشريف فإن هذا ممنوع لما فيه من تعظيم شعائر الكفر وتحقير شعائر الله تعالى وشعائر دينه واحتقار أهله .
ومن ذلك تمكينهم من الولايات والتصرف في الأمور الموجبة لقهر من هي عليه أو ظهور العلو وسلطان المطالبة فذلك كله ممنوع وإن كان في غاية الرفق والأناة أيضا لأن الرفق والأناة في هذا الباب نوع من الرئاسة والسيادة وعلو المنزلة في المكارم فهي درجة رفيعة أوصلناهم إليها وعظمناهم بسببها ورفعنا قدرهم بإيثارها وذلك كله منهي عنه .
وكذلك لا يكون المسلم عندهم خادما ولا أجيرا يؤمر عليه وينهى ولا يكون أحد منهم وكيلا في المحاكمات على المسلمين عند ولاة الأمور فإن ذلك أيضا إثبات لسلطانهم على ذلك المسلم .
وأما ما أمر به من برهم ومن غير مودة باطنية فالرفق بضعيفهم وسد خلة فقيرهم وإطعام جائعهم وإكساء عاريهم ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفا منا بهم لا خوفا وتعظيما والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم وإيصالهم لجميع حقوقهم وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله ومن العدو أن يفعله مع عدوه فإن ذلك من مكارم الأخلاق فجميع ما نفعله معهم من ذلك ينبغي أن يكون من هذا القبيل لا على وجه العزة والجلالة منا ولا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا واستولوا على دمائنا وأموالنا وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالا لأمر ربنا عز وجل وأمر نبينا صلى الله عليه وسلم لا محبة فيهم ولا تعظيما لهم ولا نظهر آثار تلك الأمور التي [ ص: 16 ] نستحضرها في قلوبنا من صفاتهم الذميمة لأن عقد العهد يمنعنا من ذلك فنستحضرها حتى يمنعنا من الود الباطن لهم والمحرم علينا خاصة ولما أتى الشيخ أبو الوليد الطرطوشي رحمه الله الخليفة بمصر وجد عنده وزيرا راهبا وسلم إليه قياده وأخذ يسمع رأيه وينفذ كلماته المسمومة في المسلمين .
وكان هو ممن يسمع قوله فيه فلما دخل عليه في صورة المغضب والوزير الراهب بإزائه جالس أنشده :
يا أيها الملك الذي جوده يطلبه القاصد والراغب إن الذي شرفت من أجله يزعم هذا أنه كاذب
فاشتد غضب الخليفة عند سماع الأبيات وأمر بالراهب فسحب وضرب وقتل وأقبل على الشيخ أبي الوليد فأكرمه وعظمه بعد عزمه على إيذائه فلما استحضر الخليفة تكذيب الراهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبب شرفه وشرف آبائه وأهل السموات والأرضين بعثه ذلك على البعد عن السكون إليه والمودة له وأبعده عن منازل العز إلى ما يليق به من الذل والصغار ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول في أهل الذمة أهينوهم ولا تظلموهم وكتب إليه nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلا نصرانيا بالبصرة لا يحسن ضبط خراجها إلا هو وقصد ولايته على جباية الخراج لضرورة تعذر غيره فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهاه عن ذلك وقال له في الكتاب مات النصراني والسلام أي افرضه مات ماذا كنت تصنع حينئذ فاصنعه الآن وبالجملة فبرهم والإحسان إليهم مأمور به وودهم وتوليهم منهي عنه فهما قاعدتان إحداهما محرمة والأخرى مأمور بها وقد أوضحت لك الفرق بينهما بالبيان والمثل فتأمل ذلك .
وقال عز من قائل { إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين } الآية حتى احتيج للجمع بين هذه النصوص بما هو من الفرق بين قاعدتي برهم والتودد لهم من أن عقد الذمة لما كان عقدا عظيما فيوجب علينا حقوقا لهم منها ما حكى ابن حزم في مراتب الإجماع ونجعلهم في جوارنا وفي حق ربنا وفي ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام ا هـ .
والذي إجماع الأمة عليه أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة الله [ ص: 27 ] تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة ومنها أن من اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام تعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يؤدي إلى أحد الأمرين أحدهما ما يدل ظاهره على مودات القلوب وثانيهما ما يدل ظاهره على تعظيم شعائر الكفر وذلك كالرفق بضعيفهم وسد خلة فقيرهم وإطعام جائعهم وإكساء عاريهم ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة واحتمال أذيتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفا منا بهم لا خوفا وتعظيما والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم وإيصالهم لجميع حقوقهم وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله ومن العدو أن يفعله مع عدوه فإن ذلك من مكارم الأخلاق .
إلا أنه ينبغي أن يكون لا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم بل امتثالا منا لأمر ربنا عز وجل وأمر نبينا صلى الله عليه وسلم مع كوننا نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا واستولوا على دمائنا وأموالنا وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل ليمنعنا ذلك الاستحضار من الود الباطن لهم المحرم علينا خاصة لا لأن نظهر آثار تلك الأمور التي نستحضرها في قلوبنا من صفاتهم الذميمة لأن عقد العهد يمنعنا من ذلك كما هو محمل الآية الأولى والحديثين .
أما برنا لهم بما يؤدي إلى أحد الأمرين المذكورين كإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا والقيام لهم حينئذ وندائهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها وكإخلائنا لهم أوسع الطرق إذا تلاقينا معهم ورحبها والسهل منها وتركنا أنفسنا في خسيسها وحزنها وضيقها ونحو ذلك مما جرت العادة أن [ ص: 28 ] يفعله المرء مع الرئيس والولد مع الوالد والحقير مع الشريف وكتمكينهم من الولايات والتصرف في الأمور الموجبة لقهر من هي عليه أو ظهور العلو وسلطان المطالبة وإن كانوا في غاية الأناة والرفق لأن الرفق والأناة في هذا الباب نوع من الرئاسة والسيادة وعلو المنزلة من المكارم فهي درجة رفيعة أوصلناهم إليها وعظمناهم بسببها ورفعنا قدرهم بإيثارهم بها وكأن يكون المسلم خادما عندهم أو أجيرا يؤمر عليه وينهى أو يكون أحد منهم وكيلا في المحاكمات على المسلمين عند ولاة الأمور فإن ذلك أيضا إثبات لسلطانهم على ذلك المسلم فهذا كله حرام وهو محمل النهي في الآية الثانية والثالثة وغيرهما .
فلذا لما أتى nindex.php?page=showalam&ids=14703الشيخ أبو بكر الطرطوشي رحمه الله الخليفة بمصر ووجد عنده وزيرا راهبا قد سلم إليه قياده وأخذ يسمع رأيه وينفذ كلماته المسمومة في المسلمين وكان الشيخ ممن يسمع الخليفة قوله في مثل هذا دخل عليه في صورة المغضب والوزير الراهب جالس بإزائه وأنشده :
يا أيها الملك الذي جوده يطلبه القاصد والراغب إن الذي شرفت من أجله يزعم هذا أنه كاذب
.
فاشتد غضب الخليفة عند سماع الأبيات وأمر بالراهب فسحب وضرب وقتل وأقبل على nindex.php?page=showalam&ids=14703الشيخ أبي بكر فأكرمه وعظمه بعد عزمه على إيذائه لكنه لما استحضر تكذيب الراهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو سبب شرفه وشرف آبائه وأهل السماوات والأرضين بعثه ذلك على البعد عن السكون إليه والمودة له وأبعده عن منازل العز إلى ما يليق به من الذل والصغار ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول في أهل الذمة أهينوهم ولا تظلموهم وكتب إليه nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلا نصرانيا بالبصرة لا يحسن ضبط خراجها إلا هو وقصد ولايته على جباية الخراج لضرورة تعذر غيره فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهاه عن ذلك وقال له في الكتاب مات النصراني والسلام قال صاحب الكشاف يعني هب أنه قد مات فما كنت صانعا فأصنعه الساعة واستغن عنه واصرف ا هـ .
قيل يفيد أن قول عمر رضي الله عنه [ ص: 29 ] مات خبر استعمل في إنشاء فيكون من المجاز المركب وقال الشهاب الخفاجي يفيد إن في قوله رضي الله عنه مات استعارة في الفعل غير ما عرف فيها بتشبيه الحدث المفروض في الماضي بالحدث المحقق فيه فاتحدا حدثا وزمانا ونسبة واختلفا تحققا وتقديرا فاستعير الحدث المحقق للحدث المفروض واشتق منه مات بمعنى فرض موته
، أو فسرى التشبيه لما في ضمني الفعلين واستعير الفعل الدال على الحدث المحقق للمفروض وفائدة ذلك أن يترتب على أحدهما ما يرتب على الآخر فيعزل الكاتب المفروض موته ويستغني عنه كما يفعل فيمن تحقق موته وهذا من قضايا عمر العجيبة كما في بيانه الصبان والأنبابي عليها قال الأنبابي وهذا صريح في أن استعمال الألفاظ في معانيها الفرضية مجازي وهو إنما يظهر على القول بأن مدلولات الألفاظ الأمور الخارجية إما على القول بأن مدلولها الأمور الذهنية فلا يظهر إلا إن قلنا إن مراده أن استعمال مات في الموت الفرضي مجاز بالاستعارة من جهة أنه لم يستعمل فيه من حيث إنه موضوع له بل من حيث ملاحظة علاقة بينه وبين الموت المحقق ليرتب على الأول ما يرتب على الثاني فلا ينافي أنه لو استعمل في الموت الفرضي من حيث إنه موضوع له لتحقق الماهية الذهنية فيه فيكون استعمالا حقيقيا نظير ما قاله حفيد السعد في استعمال المشترك اللفظي في أحد معانيه وإن كان ما هنا من قبيل المشترك المعنوي لوضعه للحقيقة الذهنية المتحققة في الأفراد الحاصلة بالفعل في الخارج وفي الأفراد الفرضية ا هـ بتصرف .
قلت : وعلى القول بأن مدلول الألفاظ الأمور الذهنية لا يظهر كونه في الموت الفرضي مجازا بالاستعارة نظير ما لحفيد السعد في المشترك اللفظي إلا على القول بأن المشترك المعنوي في أفراده حقيقة مطلقا أما على ما قال ابن الهمام إنه مذهب الأصوليين الذي لا يعرفون خلافه من أن المشترك المعنوي في أفراده من حيث خصوصها مجاز ومن حيث كونها أفراد حقيقة فلا يظهر إلا أن كونه في الموت الفرضي مجاز مرسل علاقته الإطلاق فتأمل بإنصاف هذا وبالجملة فبر الكفار [ ص: 30 ] والإحسان إليهم مأمور به وودهم وتوليهم منهي عنه فهما قاعدتان إحداهما محرمة والأخرى مأمور بها وقد اتضح لك الفرق بينهما بالبيان والمثل والله أعلم .