اللفظ الثالث عهد الله قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك يجوز الحلف به وتلزم به الكفارة وأصل هذا اللفظ في اللغة الالتزام والإلزام قال الله تعالى { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } معناه أوفوا بتكاليفي أوف لكم بثوابي الموعود به على الطاعة ومنه العهدة في البيع أي ما يلزم من الرد بالعيب ورد الثمن في الاستحقاق ومنه قوله تعالى { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا } أي بما التزموا ومنه عهدة الرقيق أي ما يلزم فيه وهو كثير في مواد الاستعمال فعهد الله تعالى إلزامه لخلقه تكاليفه وإلزامه أمره ونهيه وأمره ونهيه كلامه القديم وكلامه القديم صفته وصفته القديمة يجوز الحلف بها كما تقدم على الخلاف في ذلك فإن أريد بعهد الله تعالى العهد الحادث الذي شرعه نحو قوله تعالى { إلا الذين عاهدتم من المشركين } ونحوه من العهود التي بين خلقه اندرج في الحلف الممنوع وسقطت الكفارة .
وكذلك إذا اشتهر اللفظ فيه عادة وعرفا امتنع ولا كفارة فيه حينئذ فإن قلت الإضافة تكفي فيها أدنى ملابسة كما نص عليها النحاة ويكون اللفظ حقيقة ومثله بقول أحد حاملي الخشبة شل طرفك فجعل طرف الخشبة طرفا للحامل بسبب الملابسة زمن الحمل وتقول حج البيت وصوم رمضان وتكون الإضافة حقيقة وهذا متفق عليه وإذا كانت الإضافة حقيقية والعهد بأدنى ملابسة صدقت في قولنا على عهد الله بأدنى ملابسة وذلك قدر مشترك بين إضافة العهد القديم والعهد الحادث والدال على الأعم غير دال على الأخص فلا يدل قولنا عهد الله على خصوص القديم فلا يتعين المعنى المقتضي للجواز وللزوم الكفارة فلم قضيتم بالجواز ولزوم الكفارة بمجرد الإطلاق من غير نية قلت سؤال حسن قوي غير أن هذه الإضافة الخاصة لم نستفدها من مجرد اللغة بل باشتهار عرفي في العهد القديم وعلى هذا ينبغي أن يعتبر العرف في كل وقت هل هو كذلك فتجب الكفارة .
ويتحقق الجواز أو ليس كذلك فلا يتحقق الجواز ولا الكفارة ولأجل هذا التردد قال الشيخ أبو الحسن اللخمي العهد أربعة أقسام تلزم الكفارة في واحد وتسقط في اثنين ويختلف في الرابع فالأول علي عهد الله والاثنان لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله والرابع أعاهدك الله اعتبره [ ص: 32 ] nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب وأسقطه nindex.php?page=showalam&ids=13270ابن شعبان قال وهو أحسن وسبب هذا التقسيم اختلاف القرائن اللفظية والمعنوية المقترنة بهذا اللفظ فالأول لما قال علي عهد الله فأشعرت لفظة علي بتكليف الله تعالى وإلزامه وأن تكليف الله تعالى واقع عليه أو موظف عليه فناسب اللزوم كما لو قال علي الطلاق أي يلزمني تحريم الطلاق فإن علي معناها اللزوم لما فيها من الإشعار بالضرر ولذلك تقول شهد عليه إذا أضر به وشهد له إذا نفعه وهذا القسم هو المنقول عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رضي الله عنه في المدونة وأما لك علي عهد الله فلم يلتزمه لله ولكن للمحلوف له فلا يلزمه شيء وأعطيك عهد الله فهو وعد منه للمخاطب بأنه يعاهده في المستقبل فهذا القسم أبعد عن اللزوم .
وأما الرابع وهو أعاهدك الله فيحتمل أن يكون خبرا معناه إنشاء المعاهدة والإلزام كإنشاء الشهادة بلفظ المضارعة نحو أشهد عندك بكذا وإنشاء القسم بالمضارع أيضا نحو أقسم بالله لقد كان كذا ويحتمل أن يكون خبرا وعدا على بابه فلا يلزم به شيء كما لو أخبر عن الطلاق بغير إنشاء فإنه يلزمه طلاق فمن لاحظ الإنشاء ألزم ومن لاحظ الخبر لم يلزم قال أبو الحسن اللخمي وهو أحسن لأن الأصل عدم النقل وبراءة الذمة .
وبقي قسم خامس لم أره لأصحابنا وهو أن يقول وعهد الله لقد كان كذا بواو القسم فهذا قسم صريح بصفة من صفات الله تعالى فينبغي أن تلزم به الكفارة كما لو قال وأمانة الله وكفالته وبقي فيه إشكال الإضافة الذي تقدم ذكره وهل المضاف العهد القديم أو الحادث فيحتاج إلى نقل عرفي وهذا القسم عندي أصرح مما نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك من قوله علي عهد الله فإن أداة القسم مفقودة فيه وإنما فيه إشارة إلى أنه التزم عهد الله وليس هو مما ينذر حتى يلتزم كقوله لله علي صوم كذا وقد اختلف العلماء في قوله علي الطلاق أو الطلاق يلزمني هل هو صريح أو كناية بسبب أن الطلاق لا يلزم أحدا فالإخبار عن لزومه كذب فلا يصير موجبا للزوم إلا بإنشاء عرفي ونقل عادي وأما حرف القسم فحقيقة لغوية صريحة في القسم بقديم أو حادث وإشكال الإضافة مشترك بين القسمين وامتاز هذا بصراحة القسم [ ص: 33 ]
حاشية ابن الشاط
قال ( اللفظ الثالث عهد الله تعالى إلى قوله ولا كفارة فيه حينئذ ) قلت ما قاله في ذلك صحيح قال ( فإن قلت إلى قوله وهذا القسم هو المنقول عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المدونة ) قلت ما قاله في ذلك صحيح
[ ص: 32 ] قال ( وأما لك علي عهد الله إلى قوله لأن الأصل عدم النقل وبراءة الذمة ) قلت فيما قاله في ذلك نظر فإن قول القائل لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله يحتمل أن يجري هذان اللفظان مجرى علي عهد الله لقرينة الحال المشعرة بتأكيد الالتزام باليمين ويحتمل أن يجري مجرى أعاهد الله فعلى الاحتمال الأول تنعقد اليمين وتلزم الكفارة عند الحنث وعلى الاحتمال الثاني يقع التردد وأما القول بعدم انعقاد اليمين بذينك اللفظين فذلك ضعيف والله تعالى أعلم
قال ( وبقي قسم خامس لم أره لأصحابنا إلى منتهى ما قاله في هذا القسم ) قلت ما قاله في ذلك صحيح .
حاشية ابن حسين المكي المالكي
[ ص: 33 ] اللفظ الثالث ) عهد الله قال الشيخ أبو الحسن اللخمي العهد أربعة أقسام تلزم الكفارة في واحد وهو علي عهد الله كما أفتى بذلك nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله تعالى وتسقط في اثنين وهما لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله ويختلف في الرابع وهو أعاهدك الله اعتبره nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب وأسقطه nindex.php?page=showalam&ids=13270ابن شعبان قال وهو أحسن ا هـ .
قال الأصل وبقي خامس وهو قوله وعهد الله لقد كان كذا بواو القسم فهذا وإن لم أره لأصحابنا وكان مشاركا للأول الذي أفتى nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بلزوم الكفارة به في أن عهد الله فيها لم يدل على [ ص: 56 ] خصوص العهد القديم بل إنما يدل على القدر المشترك بين العهد القديم وهو إلزامه تعالى لخلقه أمره ونهيه بكلامه النفسي القديم الذي هو صفته تعالى كما في قوله تعالى { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } فإن معناه أوفوا بتكليفي أوف لكم بثوابي الموعود به على الطاعة وبين العهد الحادث وهو الذي شرعه لخلقه كما في قوله تعالى { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا } أي بما التزموه وقوله تعالى { إلا الذين عاهدتم من المشركين } ونحوه من العهود التي بين خلقه كالعهدة في البيع أي ما يلزم من الرد بالعيب ورد الثمن في الاستحقاق وعهدة الرقيق أي ما يلزم فيه وهو كثير في مورد الاستعمال أضيف إليه تعالى لأدنى ملابسة وهي ملابسة تشريعه لعباده وقد اتفق النحاة على أنها إضافة حقيقية إلا أنه عندي قسم صريح بصفة من صفات الله تعالى فينبغي أن تلزم به الكفارة كما لو قال وأمانة الله وكفالته بل هذا عندي بسبب حرف القسم الذي هو حقيقة لغوية صريحة في إنشاء القسم ا هـ .
أصرح في الدلالة على العهد القديم من القسم الأول الذي نص nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك على لزوم الكفارة به أعني قوله علي عهد الله لأنه إخبار بالتزام ما لا ينذر من العهد القديم والإخبار بذلك كذب فلا يصير موجبا للكفارة إلا بإنشاء عرفي ونقل عادي ألا ترى إلى اختلاف العلماء في قوله علي الطلاق أو الطلاق يلزمني هل هو صريح أو كناية نظرا لكون الطلاق لا يلزم أحدا فالإخبار عن لزومه كذب فلا يصير موجبا إلا بإنشاء عرفي ونقل عادي ا هـ ملخصا .
وفي المجموع وشرحه انعقاد اليمين بعهد الله إن لم ينو معنى حادثا أي ما عاهد به إبراهيم من تطهير البيت بأن نوى قديما أو لم ينو شيئا قال ابن الشاط وقول اللخمي بعدم انعقاد اليمين وسقوط الكفارة بقول القائل لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله ضعيف والراجح أن هذين اللفظين يحتمل أن يجريا مجرى علي عهد الله لقرينة الحال المشعرة بتأكيد الالتزام باليمين ويحتمل أن يجريا مجرى أعاهدك الله فعلى الاحتمال الأول تنعقد اليمين وتلزم الكفارة عند الحنث وعلى الاحتمال الثاني يقع التردد ا هـ .