اعلم أن النساء على الإطلاق لا يجوز لامرأة أن تزوج نفسها وتتصرف في بضعها كانت ثيبا أو بكرا رشيدة في مالها أم لا دنية عفيفة أم فاخرة وأما الأموال فيفرق فيها بين الرشيدة الثيب وغيرها فيجوز لها التصرف ولا يجوز للولي الاعتراض عليها وإن كان أباها الذي هو أعظم الأولياء لأن له ولاية الجبر والفرق من وجوه
( أحدها ) أن الإبضاع أشد خطرا وأعظم قدرا فناسب أن لا تفوض إلا لكامل العقل ينظر في مصالحها والأموال خسيسة بالنسبة إليها فجاز تفويضها لمالكها إذ الأصل أن لا يتصرف في المال إلا مالكه
( وثانيها ) أن الإبضاع يعرض لها تنفيذ الأغراض في تحصيل الشهوات القوية التي يبذل لأجلها عظيم المال ومثل هذا الهوى يغطي على عقل المرأة وجوه المصالح لضعفه فتلقي نفسها لأجل هواها فيما يرديها في دنياها وأخراها فحجر عليها على الإطلاق لاحتمال توقع مثل هذا الهوى المفسد ولا يحصل في المال مثل هذا الهوى والشهوة القاهرة التي ربما حصل الجنون وذهاب العقل بسبب فواتها
( وثالثها ) أن المفسدة إذا حصلت في الإبضاع بسبب زواج غير الأكفاء حصل الضرر وتعدى للأولياء بالعار والفضيحة الشنعاء وإذا حصل الفساد في المال لا يكاد يتعدى المرأة وليس فيه من العار والفضيحة ما في الإبضاع والاستيلاء عليها من [ ص: 137 ] الأرذال الأخساء فهذه فروق عظيمة بين القاعدتين وقد سئل بعض الفضلاء عن المرأة تزوج نفسها فقال في الجواب المرأة محل الزلل والعار إذا وقع لم يزل وفي الفرق مسألتان ( المسألة الأولى )
قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وابن حنبل رضي الله عنهم لا يجوز عقد المرأة على نفسها ولا على غيرها من النساء بكرا كانت أو ثيبا رشيدة أو سفيهة أذن لها الولي أم لا وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رضي الله عنه يجوز للرشيدة أن تزوج نفسها واحتج على ذلك بوجوه أحدها قوله تعالى { أن ينكحن أزواجهن } وقوله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } فأضاف العقد إليها دون الولي وهو ظاهر في المباشرة وأذن الشرع لها في ذلك
( وثانيها ) أنها متصرفة في مالها ففي نفسها بطريق الأولى لأنها أعلم بأغراضها من وليها ومصلحة المال التي هي التنمية معلومة للولي كما هي معلومة للمرأة
( وثالثها ) أن الأصل عدم الحجر على العاقل والبالغ وهي عاقلة بالغة فيزول الحجر عنها مطلقا في نفسها ومالها
( ورابعها ) قوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=87404أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل } والفقهاء يستدلون به على بطلان قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وهو يدل بمفهومه على أن الولي إذا أذن لها يجوز عقدها وهم لا يقولون به ويمكن الاستدلال على صحة مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة من جهة أن عقدها على نفسها إذا صح مع الإذن صح مطلقا لأنه قائل بالفرق
( والجواب ) عن الأول أن النكاح حقيقة في الوطء ونحن نقول بموجبه فإن الوطء لها دون وليها فإن قلت الزوج هو الفاعل لذلك دون المرأة قلت مسلم فيحمل على التمكين من ذلك الفعل لأنه أقرب للحقيقة من العقد والمجاز الأقرب يجب المصير إليه عند تعذر الحقيقة ويوضحه قوله تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم } فخاطب الأولياء بصيغة الأمر الدالة على الوجوب ولو كان ذلك للمرأة لتعذر ذلك كما أنه لا يصح أن يقال للأولياء بيعوا أموال النساء لأن التصرف في الأموال لهن وقوله عليه السلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=52326لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها } خرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وقال إنه حديث حسن صحيح
( وعن الثاني ) الفرق بين الإبضاع والأموال ما تقدم
( وعن الثالث ) أن الدليل دل على مخالفة ذلك الأصل وهو الحديث والآيات السابقة
( وعن الرابع ) أن القاعدة المنصوص عليها في أصل الفقه أن الوصف إذا خرج مخرج الغالب لا يكون حجة إجماعا وضابط ذلك أن يكون الوصف المذكور غالبا [ ص: 138 ] على وقوع ذلك الحكم المذكور أو على تلك الحقيقة المحكوم عليها كقوله تعالى { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } فإن القتل الغالب عليه أن لا يقع في الأولاد إلا لتوقع ضرر كالإملاق الذي هو الفقر أو نحو ذلك من الفضيحة فلا تكون له دلالة على جواز القتل عند عدم خوف الإملاق وكذلك قوله عليه السلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=25073في الغنم السائمة الزكاة } والغالب على الغنم السوم لا سيما أغنام الحجاز فلا يكون مفهومه حجة على عدم وجوب الزكاة في المعلوفة وكذلك ههنا الغالب أن المرأة لا تقدم على زواج نفسها إلا خفية عن وليها وهو غير آذن لها في ذلك والعادة قاضية بذلك فإذا خرج مخرج الغالب فلا يكون حجة إجماعا قال صاحب الجواهر لا خلاف عندنا أنها لا تكون وليا على امرأة وروي عن ابن القاسم أنها تكون ولية على عبيدها ومن وصيت عليه من أصاغر الذكور دون الإناث والفرق من ثلاثة أوجه
( أحدها ) أن للصبي أهلية العقد بعد البلوغ وكذلك العبد بعد العتق
( وثانيها ) أنهما قادران على رفع العقد بعد البلوغ بالطلاق
( وثالثها ) أن الولاية عليهما ليست لطلب الكفاءة المحتاجة لدقيق النظر بخلاف الأنثى في ذلك ( المسألة الثانية )
في العفو عن الصداق قال الله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون } أي يعفو النساء عن النصف الذي وجب لهن فيسقط وهذا متفق عليه بين العلماء ثم قال { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك الذي بيده عقدة النكاح المشار إليه هو الأب في ابنته والسيد في أمته وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وابن حنبل هو الزوج واحتجوا على ذلك بوجهين
( أحدهما ) أنه قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك صريحا
( وثانيهما ) أن الأصل يقتضي عدم تسليط الولي على مال موليته
( والجواب ) عن الأول أنه ضعيف لا تقوم به حجة سلمنا صحته لكن لا نسلم أنه تفسير للآية بل إخبار عن حال الزوج قبل الطلاق أن له أن يفعل ذلك
( وعن الثاني ) أن قاعدة الولاية تقتضي تصرف الولي بما هو أحسن للمولى عليه وقد يكون العفو أحسن للمرأة لاطلاع الولي على الترغيب فيها لهذا الزوج أو غيره وأن ذلك يفضي إلى تحصيل أضعاف المعفو عنه فيفعل ذلك لتحصيل المصلحة فمنعه من ذلك تفويت لمصلحة المرأة لا رفق [ ص: 139 ] بها ثم الآية تدل لنا من عشرة أوجه
( أحدها ) أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي والمتقدم قبل هذا الاستثناء إثبات النصف فعلى رأينا تعفو المرأة فيسقط فتطرد القاعدة وعلى رأيهم يعفو الزوج فيثبت مع هذا النصف الذي تشطر بالطلاق فلا تطرد القاعدة بوقوع الإثبات بعد الإثبات
( وثانيها ) أن الأصل في العطف بأو التشريك في المعنى فقوله تعالى { إلا أن يعفون } معناه الإسقاط وقوله تعالى { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } على رأينا الإسقاط فيحصل التشريك وعلى رأيهم الإثبات فلا يحصل التشريك فيكون قولنا أرجح
( وثالثها ) أن المفهوم من قولنا إلا أن يكون كذا وكذا تنويع لذلك الكائن إلى نوعين والتنويع فرع الاشتراك في المعنى ولا مشترك بين النفي والإثبات والإسقاط والإعطاء حتى يحسن تنويعه وعلى رأينا المتنوع الإسقاط إلى إسقاط المرأة وإسقاط الولي فكان قولنا أرجح
( ورابعها ) أن العفو ظاهر في الإسقاط وهو ما ذكرناه وعلى رأيهم يكون التزام ما سقط بالطلاق والتزام ما لم يجب لا يسمى عفوا
( وخامسها ) أن إقامة الظاهر مقام المضمر خلاف الأصل فلو كان المراد الزوج لقيل إلا أن يعفون أو تعفو عما استحق لكم فلما عدل إلى الظاهر دل على أن المراد غير الزواج
( وسادسهما ) أن المفهوم من قولنا بيده كذا أي يتصرف فيه والزوج لا يتصرف في عقد النكاح بل كان يتصرف في الوطء بالحل والولي الآن هو المتصرف في العقد فيتناوله اللفظ دون الزوج
( وسابعها ) سلمنا أن الزوج بيده عقدة النكاح لكن باعتبار ما كان ومضى فهو مجاز والولي بيده عقدة النكاح الآن فهو حقيقة والحقيقة مقدمة على المجاز
( وثامنها ) أن المراد بقوله { إلا أن يعفون } الرشيدات إجماعا إذا المحجور عليهن لا ينفذ الشرع تصرفهن فالذي يحسن مقابلتهن بهن المحجورات على أيدي الأولياء أما الأزواج فلا مناسبة فيهم للرشيدات
( وتاسعها ) أن الخطاب كان مع الأزواج بقوله تعالى { وقد فرضتم لهن فريضة } وهو خطاب مشافهة فلو كانوا مرادين في قوله تعالى { الذي بيده عقدة النكاح } لقال أو تعفو بلفظ تاء الخطاب فلما قال { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } وهو خطاب غيبة لزم تغير الكلام من الخطاب إلى الغيبة وهو وإن كان جائزا لكنه خلاف الأصل
( وعاشرها ) أن وجوب الصداق أو بعضه قبل المسيس خلاف الأصل لأن استحقاق تسليم العوض [ ص: 140 ] يقتضي بقاء المعوض قابلا للتسليم أما مع تعذره فلا بشهادة البيع والإجارة كذلك إذا تعذر تسليم المبيع أو المنفعة لا يجب تسليم العوض في ذلك فإسقاط الأولياء النصف على وفق الأصل وتكميل الزوج على خلاف الأصل ولذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المدونة لا يجوز ذلك للأب قبل الطلاق قال ابن القاسم إلا بوجه نظر من عسر الزوج أو غيره ولا يلحق الوصي بالأب لقصور نظره عنه وفي nindex.php?page=showalam&ids=14009الجلاب لا يجوز للأب العفو قبل الطلاق ولا بعد الدخول بخلاف الطلاق قبل الدخول والفرق أن استحقاقه بعد الطلاق قبل الدخول خلاف الأصل فسلط الأب عليه إذا رآه نظرا بخلاف الدخول لتعين الاستحقاق فغلب حق الزوجة
( فائدة ) يروى أن بعض الأدباء دخل على بعض الخلفاء فأنشده هذه الأبيات :
من كان مسرورا بمصرع مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار يجد النساء حواسرا يندبنه قد قمن قبل تبلج الأسحار قد كن يخبئان الوجوه تسترا والآن حين بدون للنظار
فقال كيف تقول بدأن بالهمز أو بدين بالياء فقال يا أمير المؤمنين لا أقول بدين ولا بدأن بل بدون فقال له أصبت وقصد غرته من وجهين
( أحدهما ) أن صدر البيت بالهمز في قوله يخبئان الوجوه فقياسه أن يقول بدأن مثل يخبئان بالهمز فيهما فخطر له أنه يغتر بذلك فيخطأ فلم يفعل ذلك
( وثانيهما ) قصد التخطئة أن الواو تكون ضمير الفاعل المذكر فلا يجوز أن يقول بدون بالواو لأن ضمير النسوة لا يكون بالواو فما حمله ذلك على الخطأ بل نطق بالصواب وهو الواو وما ذكرت هذه الأبيات إلا لتعلقها بالآية لقوله تعالى في النساء { إلا أن يعفون } بالواو فضعفه بعض الفقهاء بقوله كيف يجيء ضمير المؤنث بالواو وليس كما خطر له وليس الواو هنا ضميرا بل من نفس الفعل لأنه من عفا يعفو بالواو وكذلك هي في الأبيات هو من بدا يبدو بالواو وشأن ضمير المؤنث الذي هو النون يحقق آخر الفعل فإن كان ياء بقي ياء وإن كان واوا بقي واوا وإن كان همزة بقي همزة وأي حرف كان بقي على حاله مثال الياء قولك رمي يرمي فنقول النسوة رمين بالياء والواو كقولك دعا يدعو والنسوة دعون والهمزة [ ص: 141 ] نحو قرأ يقرأ والنسوة قرأن فلذلك قال الله تعالى يعفون بالواو وقال الشاعر :
بدون للناظر
ويروى أن بعض الأدباء المشهورين طرحت عليه هذه الأبيات فأخطأ فيها وقال بدأن للنظار فخطئ وفي الأبيات سؤال آخر مشكل من جهة المعنى وهو أن هذا القائل قصد شيئا وهو إخمال الشماتة وكلامه يقتضي تقويتها فإن قوله :
من كان مسرورا بوقعة مالك أو بمصرع مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار
وذكر من حال النسوة ما يقتضي زيادة الشماتة وتحقق المصيبة وهتك العيال وتهتك الوجوه وهذا يزيد الشامت شماتة
( والجواب ) عنه أن عادة العرب أنها لا تقيم مأتما ولا تفعل النسوة هذا الفعل إلا بعد أخذ ثأر من يفعل ذلك في حقه ومن لا يؤخذ بثأره لا يستحق عندهما أن يقام له مأتم ولا يبكى عليه فلذلك قال أيها الشامت انظر كيف حال النسوة وذلك يدل على أنا أخذنا بثأره وذهبت شماتة الشامت به عندهم أو خفت فهذا وجه هذه الأبيات .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وابن حنبل رضي الله عنهم لا يجوز للمرأة أن تعقد لنفسها ولا لغيرها من النساء بكرا كانت أو ثيبا رشيدة في مالها أو سفيهة دنية عفيفة أو فاجرة أذن لها الولي أو لا ويجوز لها إن كانت رشيدة التصرف في مالها ولا يجوز للولي وإن كان أباها الذي له ولاية الجبر الاعتراض عليها إلا إذا كانت سفيهة قال ابن رشد الحفيد في بدايته وفرق بين البكر والثيب فقال باشتراط الولي في البكر وعدم اشتراطه في الثيب محتجا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما المتفق على صحته وهو قوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=13823الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها } ا هـ وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رضي الله عنه يجوز للرشيدة أن تزوج نفسها محتجا على ذلك بوجوه خمسة
( الوجه الأول ) أن الأصل عدم الحجر على العاقل البالغ وهي عاقلة بالغة فيزول الحجر عنها مطلقا في نفسها
( الوجه الثاني ) أنه كما يكتفى بالرشد في التصرف في المال كذلك يكتفى به في عقد النكاح بل تصرفها في نفسها من حيث إنها أعلم بأغراضها من وليها أولى من تصرفها في مالها لأن مصلحة المال التي هي التنمية معلومة للولي كما هي معلومة للمرأة
( الوجه الرابع ) أن الله تعالى قد أضاف إليهن في غير ما آية من الكتاب الفعل فقال { أن ينكحن أزواجهن } وقال { حتى تنكح زوجا غيره } ولم يضفه إلى الولي وهو ظاهر في إذن الشرع لهن في المباشرة
( والجواب ) عن الوجه الأول أن الدليل من الكتاب والسنة قد دل على مخالفة ذلك الأصل أما من الكتاب فقوله تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم } فخاطب الأولياء بصيغة الأمر الدالة على الوجوب ولو كان ذلك للمرأة لتعذر ذلك كما أنه لا يصح أن يقال للأولياء بيعوا أموال النساء لأن التصرف في الأموال لهن قال ابن العربي في كتاب الأحكام واحتمال كونه خطابا للأزواج خلاف الصحيح لأنه قال أنكحوا بالهمزة ولو أراد الأزواج لقال ذلك بغير همزة وكانت الألف للوصل وإن كان بالهمز في الأزواج له وجه فالظاهر أولى فلا يعدل إلى غيره إلا بدليل . ا هـ
قوله تعالى { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } قال ابن العربي في الأحكام قال محمد بن علي بن حسين النكاح بولي في كتاب الله تعالى ثم قرأ { ولا تنكحوا } إلخ بضم التاء وهي مسألة بديعة ودلالة صحيحة ا هـ ولعل وجهه أن كونه خطابا للأولياء أظهر من كونه خطابا لأولي الأمر لوجهين
( الأول ) أن ولي الأمر من جملة الأولياء إذ السلطان ولي من لا ولي له فلا وجه لتخصيصه
( الثاني ) أن الضرر بزواج غير الأكفاء إنما يتعدى بالعار والفضيحة الشنعاء للأولياء لا ولي الأمر منهم فهم أحق بخطاب الإرشاد منه فافهم وقوله تعالى { فإذا بلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } لأنه وإن لم يكن فيه أكثر من نهي قرابة المرأة وعصبتها من أن يمنعوها النكاح إلا أنه يقتضي أن لهم حقا في منعها من النكاح على غير الأكفاء وإلا لم يكن لنهيهم من ذلك معنى وثبوت حق لهم في المنع المذكور يستلزم اشتراط إذنهم في صحة العقد فتأمل بإنصاف وأما من السنة فقوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=52326لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها } خرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وقال إنه حديث حسن صحيح .
( الفرق الأول ) أن الإبضاع أشد خطرا وأعظم قدرا فناسب أن لا تفوض إلا لكامل العقل ينظر في مصالحها والأموال لما كانت بالنسبة إليها خسيسة جاز أن نفوض لمالكها إذ الأصل أن لا يتصرف في المال إلى مالكه
( والفرق الثاني ) أن الإبضاع يعرض لها تنفيذ الأغراض في تحصيل الشهوات القوية التي يبذل لأجلها عظيم المال فيغطي مثل هذا الهوى على عقل المرأة لضعفه وجوه المصالح فتلقي نفسها لأجل هواها فيما يرديها في دنياها وأخراها فحجر عليها على الإطلاق لاحتمال توقع مثل هذا الهوى المفيد ولا يحصل في المال مثل ذلك
( الفرق الثالث ) أن المفسدة إذا حصلت في الإبضاع بسبب زواج غير الأكفاء وحصل الضرر للمرأة تعدى منها للأولياء بالعار والفضيحة الشنعاء وإذا حصل الفساد في الأموال وحصل الضرر على المرأة لا يكاد يتعداها وليس فيه من العار والفضيحة ما في الإبضاع والاستيلاء عليها من الأراذل الأخساء فهذه فروق عظيمة بين القاعدتين فمن هنا لما سئل بعض الفضلاء عن المرأة تزوج نفسها قال في الجواب المرأة محل الزلل ، والعار إذا وقع لم يزل ، وعن
( الوجه الثالث ) بأن المفهوم من قوله تعالى { فلا جناح عليكم } إلخ النهي عن التثريب عليهن فيما استبددن بفعله دون أوليائهن وليس هاهنا شيء يمكن أن تستبد به المرأة دون الولي إلا عقد النكاح فظاهر هذه الآية والله أعلم أن لها أن تعقد النكاح وللأولياء الفسخ إذا لم يكن بالمعروف وهو الظاهر من الشرع فالاحتجاج بها على أن لها العقد وليس لأوليائها فسخه مطلقا احتجاج ببعض ظاهر [ ص: 172 ] الآية دون بعضها الآخر وفيه ضعف وليس في إضافة النكاح إليهن اختصاصهن نعم الأصل الاختصاص كما في بداية المجتهد إلا أن الدليل المتقدم وهو الحديث والآيات السابقة قد قام على خلاف ذلك الأصل فلا تغفل
( وعن الوجه الرابع ) بأنا لا نسلم أن النكاح حقيقة في العقد بل إنما يقول أنه حقيقة في الوطء ولا شك أن الوطء لها دون وليها وكون الفاعل لذلك هو الزوج دون المرأة مسلم إلا أن التمكين من ذلك الفعل لها والحمل عليه وإن كان مجازا كالحمل على العقد إلا أنه أقرب للحقيقة من العقد والأقرب يجب المصير إليه عند تعذر الحقيقة ويوضحه قوله تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم } وحديث nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني السابقان فافهم
( وعن الوجه الخامس ) أن القاعدة المنصوص عليها في أصول الفقه أن الوصف إذا خرج مخرج الغالب لا يكون حجة إجماعا وضابط ذلك أن يكون الوصف المذكور غالبا على وقوع ذلك الحكم المذكور كقوله تعالى { وربائبكم اللاتي في حجوركم } إلخ فإن كون بنت الزوجة المدخول بها في حجر زوج الأم غالب على وقوع تحريمها على زوج الأم فلا تكون له دلالة على جوازها له حيث لم تكن في حجره فافهم أو غالبا على تلك الحقيقة المحكوم عليها كقوله تعالى { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } فإن القتل الغالب عليه أن لا يقع في الأولاد إلا لتوقع ضرورة الإملاق الذي هو الفقر أو نحو ذلك من الفضيحة فلا تكون له دلالة على جواز القتل عند عدم خوف الإملاق ومن ذلك ما هنا من أن المرأة لا تقدم على زواج نفسها في الغالب لا خفية عن وليها وهو غير آذن لها في ذلك والعادة قاضية بذلك فلا يكون مفهوم قيد بغير إذن وليها في الحديث حجة إجماعا على أن الولي إذا أذن لها يجوز عقدها وأنه إذا صح مع الإذن صح مطلقا لأنه لا قائل بالفرق واحتجاج nindex.php?page=showalam&ids=15858داود بحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس السابق المتفق على صحته لقوله بالفرق بين الثيب والبكر في المعنى المذكور إنما هو باعتبار ظاهره لأنه إذا كان كل واحد من الثيب والبكر يستأذن ويتولى العقد عليهما الولي فبماذا وليت شعري تكون الأيم أحق بنفسها من وليها لكن احتجاجه به مبني على مذهبه من التزام الظواهر إما على مذهب من لا يلتزمها فلا ينهض حجة على ذلك إذ يحتمل أن تكون التفرقة بينهما في السكوت والنطق فقط ويكون السكوت كافيا في العقد كما في بداية المجتهد لحفيد ابن رشد وفي المنتقى nindex.php?page=showalam&ids=11927للباجي في شرح قوله في الحديث الأيم أحق إلخ الأيم هي التي لا زوج لها قط إلا أن العرف خصه بالثيب والأظهر الحمل عليه لوجهين
( وثانيهما ) أن اللفظ عليه يحمل على عمومه بدون تخصيص بخلافه على المعنى الأصلي ومعنى كونها أحق بنفسها من وليها أنه ليس له إجبارها على النكاح ولا إنكاحها بغير إذن وليها وإنما له أن يزوجها بإذنه ممن ترضاه وليس لها هي أن تعقد لنفسها نكاحا ولا تباشره ولا أن تضع نفسها عند غير كفء ولا أن تولي ذلك غير وليها فلكل واحد منها حق في عقد النكاح ووجه كونها أحق به أنها إن كرهت النكاح لم ينعقد بوجه وإن كرهه الولي ورغبته الأيم عرض على الولي العقد فإن أبى عقده غيره من الأولياء أو السلطان فهذا وجه كونها أحق به من وليها وفي شرح قوله والبكر تستأمر إلخ قال ابن القاسم nindex.php?page=showalam&ids=16472وابن وهب وعلي بن زياد عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المدونة المراد بها البكر التي لا أب لها لا التي لها أب وإن روى زياد هذا [ ص: 173 ] الحديث فقال فيه والبكر يستأذنها أبوها يؤيد ذلك وجوه
( المسألة الأولى ) قوله تعالى { إلا أن يعفون } أي يعفو النساء عن النصف الذي وجب لهن من الصداق المفروض لهن فيسقط وهذا متفق عليه بين العلماء ثم قال أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فاختلفوا في المراد الذي بيده عقدة النكاح فقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك هو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وابن حنبل هو الزوج واحتجوا على ذلك بوجوه كثيرة لبابها أربعة
( الثاني ) أنه قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك صريحا
( الثالث ) أن الله تعالى قال { ولا تنسوا الفضل بينكم } وليس لأحد في هبة مال آخر فضل وإنما ذلك فيها يهبه المفضل من مال نفسه والأصل يقتضي عدم تسلط الولي على مال موليته
( الرابع ) أن عفا كما يقال بمعنى أسقط كذلك يقال بمعنى بذل واستعماله في معنييه أبلغ وأولى من استعماله في إحداهما لأن فيه حينئذ شبه استخدام ولأن حكمة ذلك أن المرأة إذا أسقطت ما وجب من نصف الصداق إبقاء للمروءة واتقاء في الديانة قائلة لم ينل مني شيئا ولا أدرك ما بذل فيه هذا المال كان من المناسب أن يقول الزوج أنا أترك المال لها لأني قد نلت الحل وابتذلتها بالطلاق فتركه أقرب للتقوى وأخلص من اللائمة
( والجواب عن الأول ) أن جعل الآيتين اللتين استشهدوا بهما تفسيرا لمجمل هذه الآية ضعيف يسقط حكم الولي بخلاف جعل الآيتين المذكورتين لبيان حكم الأزواج وهذه الآية لبيان حكم الولي بأن يقال إن الله تعالى أراد أن يميز الولي فيها عن الزوج بمعنى يخصه فكنى عنه كناية مستحسنة بقوله تعالى { الذي بيده عقدة النكاح } فإن ذلك أبلغ في الفصاحة وأتم في المعنى وأجمع للفوائد فإنه يقتضي مجيء الأحكام كلها مبينة والفوائد الثلاثة معتبرة
( وعن الثاني ) أنه ضعيف لا تقوم به حجة سلمنا صحته لكن [ ص: 174 ] لا نسلم أنه تفسير للآية بل إخبار عن حال الزوج قبل الطلاق أن له أن يفعل ذلك
( وعن الثالث ) أن قاعدة الولاية تقتضي تصرف الولي بما هو أحسن للمولى عليه وقد يكون العفو أحسن للمرأة لاطلاع الولي على الترغيب فيها لهذا الزوج أو غيره وأن ذلك يفضي إلى تحصيل إضعاف المعفو عنه فيفعل ذلك لتحصيل المصلحة فمنعه من ذلك تفويت لمصلحة المرأة لا رفق بها والإفضال الذي لا يكون بمال أحد إنما هو بمعنى بذل ما تملكه يده أما الإفضال بمعنى الإسقاط ما يملك إسقاطه فهذا نافذ لأنه نظير تفضله على الزوج بأن يزوجه بأقل من مهر المثل وقد انعقد الإجماع على نفوذه
( وعن الرابع ) بأن مجيء العفو بمعنى واحد من الجهتين أبلغ في الفصاحة وأوفى في المعنى من مجيئه بمعنيين لأن فيه إسقاط أحد العافيين وهو الولي المستفاد إذا كان العفو بمعنى الإسقاط وأما ندب الزوج إلى إعطاء الصداق كله في الآيتين اللتين ذكروا فذلك معلوم من دليل آخر فإن قلت قد قال ابن رشد الحفيد في بدايته ما خلاصته أن في قوله تعالى { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } احتمالين على السواء
( أحدهما ) أن يعود الضمير على الزوج فيكون يعفو بمعنى يهب
( وثانيهما ) أن يعود على الولي ويكون يعفو بمعنى يسقط لكن من جعله الزوج فلم يوجب حكما زائدا في الآية أي شرعا زائدا لأن جواز ذلك معلوم من ضرورة الشرع ومن جعله الولي فقد زاد شرعا فلذلك يجب عليه أن يأتي بدليل يبين به أن الآية أظهر في الولي منها في الزوج وذلك شيء يعسر قلت قال الأصل الآية تدل لما قلنا من تسعة أوجه
( الوجه الأول ) أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي والمتقدم قبل هذا الاستثناء إثبات النصف فعلى رأينا تعفو المرأة ووليها فيسقط فتطرد القاعدة وعلى رأيهم يعفو الزوج فيثبت مع هذه النصف الذي تشطر بالطلاق فلا تطرد القاعدة بوقوع الإثبات بعد الإثبات
( والوجه الثاني ) أن الأصل في العطف أو التشريك في المعنى فقوله تعالى { إلا أن يعفون } معناه الإسقاط وقوله تعالى { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } على رأينا الإسقاط فيحصل التشريك وعلى رأيهم الإثبات فلا يحصل التشريك فيكون قولنا أرجح
( والوجه الثالث ) أن المفهوم من قولنا إلا أن يكون كذا وكذا تنويع لذلك الكائن إلى نوعين والتنويع فرع الاشتراك في المعنى ولا مشترك بين النفي والإثبات والإسقاط والإعطاء حتى يحسن تنويعه وعلى رأينا المتنوع إلى إسقاط المرأة وإسقاط الولي هو مطلق الإسقاط فكان قولنا أرجح
( والوجه الرابع ) أن العفو ظاهر في الإسقاط وهو ما ذكرناه وعلى رأيهم يكون مع صدقة على التزام ما وجب بالطلاق أيضا صادقا على التزام ما سقط بالطلاق ، والتزام ما لم يجب لا يسمى عفوا
( والوجه الخامس ) أن إقامة الظاهر مقام المضمر خلاف الأصل فلو كان المراد الزوج لقيل إلا أن يعفون أو يعفو عما استحق لكم لأن الخطاب بقوله تعالى { وقد فرضتم لهن فريضة } كان مع الأزواج فلما عدل الظاهر دل على أن المراد غير الزوج لأنه وإن كان جائزا على طريق الالتفات إلا أنه خلاف الأصل كما علمت
( والوجه السادس ) أن المفهوم من قولنا بيده كذا أي يتصرف فيه والزوج لا يتصرف في عقد النكاح بل كان يتصرف في الوطء بالحل والولي الآن هو المتصرف في العقد فيتناوله اللفظ دون الزوج
( والوجه السابع ) سلمنا أن الزوج [ ص: 175 ] بيده عقدة النكاح لكن باعتبار ما كان ومضى فهو مجاز والولي بيده عقدة النكاح الآن فهو حقيقة والحقيقة مقدمة على المجاز
( والوجه الثامن ) أن المراد بقوله { إلا أن يعفون } الرشيدات إجماعا إذ المحجور عليهن لا ينفذ الشرع تصرفهن فالذي يحسن مقابلتهن بالمحجورات على أيدي الأولياء إلا بالأزواج إذ لا مناسبة فيهم للرشيدات
( والوجه التاسع ) أن وجوب الصداق أو بعضه قبل المسيس خلاف الأصل لأن استحقاق تسليم العوض يقتضي بقاء العوض قابلا للتسليم أما مع تعذره فلا بشهادة البيع والإجارة فإنه إذا تعذر تسليم المبيع أو المتعة لا يجب تسليم العوض في ذلك فإسقاط الأولياء النصف على وفق الأصل وتكميل الزوج على خلاف الأصل ولذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المدونة لا يجوز ذلك للأب قبل الطلاق قال ابن القاسم إلا بوجه نظر من عسر الزوج أو غيره ولا يلحق الوصي بالأب لقصور نظره عنه وفي nindex.php?page=showalam&ids=14009الجلاب لا يجوز للأب العفو قبل الطلاق ولا يعد الدخول بخلاف الطلاق قبل الدخول والفرق أن استحقاقه بعد الطلاق قبل الدخول خلاف الأصل فسلط الأب عليه إذا رآه نظرا بخلاف الدخول لتعيين الاستحقاق فغلب حق الزوجية فالحكم هنا كما خص عموم في قوله تعالى { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } عند الجمهور بالصغيرة والمحجورة كذلك خص عندنا بالأب في ابنته البكر والسيد في أمته لكمال نظرهما قال ابن رشد الحفيد في بدايته والجمهور أن المرأة الصغيرة والمحجورة ليس لها أن تهب من صداقها النصف الواجب لها وشذ قوم فقالوا يجوز أن تهب معه لعموم قوله تعالى { إلا أن يعفون } . ا هـ
فافهم هذا خلاصة ما في الأصل وأحكام ابن العربي مع زيادة
( المسألة الثانية ) قال ابن العربي في أحكامه هذه الآية حجة على صحة هبة المشاع لأن الله تعالى أوجب للمرأة بالطلاق نصف الصداق فعفوها للرجل عن جميعه كعفو الرجل ولم يفصل بين مشاع ومقسوم وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة لا تصح هبة المشاع فورد عليه عموم الآية وأراد علماء ما وراء النهر الانفصال عنها بقولهم إن الله تعالى إنما بين تكميلا ثبت بنفس العفو دون شرط قبض ذلك في عفو المرأة فأما العين فلا يكمل العفو فيه إلا بقبض متصل به أو قبض قائم ينوب عن قبض الهبة ولئن حملنا الآية على عقد شرط زيادة القبض فنحن لا نشترط إلا تمامه وتمامه بالقسمة فآل الاختلاف إلى كيفية القبض لكن هذا الانفصال إنما يستمر على أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي الذين يشترطون في الهبة القبض فأما نحن فلا نرى ذلك فلا يصح لهم هذا الانفصال معنا فإن نفس العفو ممن عفا يخلص ملكا لمن عفي له وأما أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فلا يصح لهم هذا معهم إلا من طريق أخرى وهي أن الآية بمطلقها تفيد صحة هبة المشاع من حيث كونه مشاعا ، وافتقار الهبة إلى القبض نظر آخر يؤخذ من دليل يخص تلك النازلة فمشترط القسمة مفتقر إلى دليل ولم يجدوه إلا من طريق المعنى المبني على اشتراط القبض ونحن لا نسلمه وليس التمييز من القبض أصلا في ورد ولا صدر فصح تعلقنا بالآية وعمومها وسلمت من تشغيلهم ا هـ بتصرف
( المسألة الثالثة ) ضعف بعض الفقهاء قوله تعالى في النساء { إلا أن يعفون } بالواو بقوله كيف يجيء ضمير المؤنث بالواو وليس كما خطر له إذ الواو هنا ليس ضميرا وإلا لحذف الناصب النون بل الضمير النون ، والواو لام الفعل لأنه من عفا يعفو بالواو وشأن ضمير المؤنث الذي هو النون وكذا كل ضمير بارز أن يلحق آخر الفعل على حاله الأصلي أي [ ص: 176 ] حرف كان فيبقيه في نحو رمى يرمي ياء تقول النسوة رمين وأنا قضيت وفي نحو دعا يدعو واوا تقول النسوة دعون وأنا عفوت وفي نحو قرأ يقرأ همزة تقول النسوة قرأن وأنا أبرأت وهكذا فلذلك قال الله تعالى { إلا أن يعفون } بالواو وقال الشاعر :
من كان مسرورا بمصرع مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار يجد النساء حواسرا يندبنه قد قمن قبل تبلج الأسحار قد كن يخبئن الوجوه تسترا والآن حين بدون للنظار
فمن هنا روي أن بعض الأدباء لما دخل على بعض الخلفاء وأنشده هذه الأبيات قال له كيف تقول بدأن بالهمز وبدين بالياء مريدا غرته من وجهين أحدهما أن صدر البيت يخبئن الوجوه بالهمز فقياسه أن يقول بدأن مثل يخبئن بالهمز فيهما وثانيهما أن الواو تكون ضمير الفاعل على المذكر لا ضمير النسوة فما حمله ذلك على الخطأ بل نطق بالصواب فقال أمير المؤمنين لا أقول بدين ولا بدأن بل بدون فقال له أصبت ويروى أن بعض الأدباء المشهورين طرحت عليه هذه الأبيات فأخطأ فيها وقال بدأن للنظار فأخطأ وفي الأبيات سؤال آخر عن مشكل من جهة المعنى وهو أن هذا القائل كيف يقصد إخمال الشماتة وكلامه يقتضي تقويتها فإن قوله :
من كان مسرورا بوقعة مالك أو بمصرع مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار
وذكر من حال النسوة ما يقتضي زيادة الشماتة وتحقيق المصيبة وهتك العيال وتهتك الوجوه وهذا يزيد الشامت شماتة وجوابه أن عادة العرب أنها لا تقيم مأتما ولا تفعل النسوة هذا الفعل إلا بعد أخذ ثأر من يفعل ذلك في حقه ومن لا يؤخذ بثأره لا يستحق عندهم أن يقام له مأتم ولا يبكى عليه فلذلك قال أيها الشامت انظر كيف حال النسوة فذلك يدل على أنا أخذنا بثأره وذهبت شماتة الشامت به عندهم أو خفت فهذا وجه هذه الأبيات والله سبحانه وتعالى أعلم .