اعلم أن الفقهاء جمعوا أسماء العقود التي لا يجوز اجتماعها مع البيع في قولك جص مشنق فالجيم للجعالة والصاد للصرف والميم للمساقاة والشين للشركة والنون للنكاح والقاف للقراض والسر في الفرق أن العقود أسباب لاشتمالها على تحصيل حكمتها في مسبباتها بطريق المناسبة والشيء الواحد بالاعتبار الواحد لا يناسب المتضادين فكل عقدين بينهما تضاد لا يجمعهما عقد واحد فلذلك اختصت العقود التي لا يجوز أجتماعها مع البيع كالإجارة بخلاف الجعالة للزوم الجهالة في عمل الجعالة وذلك ينافي البيع والإجازة مبنية على نفي الغرر والجهالة له وذلك موفق للبيع ولا يجتمع النكاح والبيع لتضادهما في المكايسة في العوض المعوض بالمسامحة في النكاح والمشاحة في البيع فحصل التضاد ، والصرف مبني على التشديد وامتناع الخيار والتأخير وأمور كثيرة لا تشترط في البيع فضاد البيع الصرف والمساقاة والقراض فيهما الغرر والجهالة كالجعالة وذلك مضاد للبيع والشركة فيها صرف أحد النقدين بالآخر من غير قبض فهو صرف غير ناجز وفي الشركة مخالفة الأصل والبيع على وفق الأصول فهما متضادان وما لا تضاد فيه يجوز جمعه مع البيع فهذا وجه الفرق [ ص: 143 ] .
حاشية ابن حسين المكي المالكي
( الفرق السادس والخمسون والمائة بين قاعدة ما يجوز اجتماعه مع البيع من نحو الإجارة وقاعدة ما لا يجوز اجتماعه معه )
من العقود الستة التي رمز الفقهاء لها بقولهم جص مشنق فالجيم للجعالة والصاد للصرف والميم للمساقاة والشين للشركة والنون للنكاح والقاف للقراض والسر في الفرق هو أن العقود أسباب لاشتمالها على تحصيل حكمتها في مسبباتها المتنافية بطريق المناسبة والشيء الواحد باعتبار الواحد لا يناسب المتضادين لأن تنافي اللوازم يدل على تنافي الملزومات وكل عقد من هذه العقود الستة يضاد البيع فلذا اختصت في المشهور بأنه لا يجوز أن يجمع واحدا منهما مع البيع عقد واحد بل قال الشيخ ميارة كما لا يجتمع البيع مع واحد من هذه السبع بزيادة القرض فكذلك لا يجتمع اثنان منها في عقد واحد لافتراق أحكامها قال وقد قلت في ذلك :
عقود منعنا اثنين منها بعقدة لكون معانيها معا تتفرق
[ ص: 178 ]
فجعل وصرف والمساقاة شركة نكاح قراض قرض بيع محقق
وصرح بذلك أبو الحسن وابن ناجي ونقله الحطاب كذا في البناني على عبق وقال العلامة الدردير في شرح أقرب المسالك ، لك أن تزيد على هذين البيتين :
فهذي عقود سبعة قد علمتها ويجمعها في الرمز جبص مشنق
. ا هـ
وأشار بالباء في جبص للبيع والصواب أن يبدلها بقاف بأن يقول جقص لتكون إشارة للقرض وتكون السبعة المرموز لها هي ما عدا البيع من العقود التي يمتنع جمعها في عقد واحد معه كما يمتنع اجتماع اثنين منها في عقد واحد لتضاد أحكامها أما تضاد الجعالة للبيع فمن جهة لزوم الجهالة في عملها ولزوم عدمها في عمله وأما تضاد النكاح له فمن جهة لزوم المسامحة في البيع دون النكاح فتجوز فيه المكايسة في العوض والمعوض بالمسامحة ويكون حاصل الصور العقلية أربعا وستين من ضرب ثمانية في مثلها المكرر منها ست وثلاثون والباقي ثمان وعشرون لأنك تأخذ كل واحد مع ما بعده يبلغ ذلك العدد فليفهم . وأما تضاد الصرف له فمن جهة بناء الصرف على التشديد وامتناع الخيار والتأخير وأمور كثيرة لا تشترط في البيع وأما تضاد المساقاة والقراض له فمن جهة أن فيهما الغرر والجهالة كالجعالة بخلاف البيع وأما تضاد الشركة له فمن جهة أنه على وفق الأصول وفي الشركة مخالفة الأصول وأما تضاد القراض له فلقول الخرشي الذي يفيده كلام الغرياني في حاشيته على المدونة أن الحكم في التصديق إذا وقع في القرض الفسخ على ظاهر المدونة وفي البيع لأجل عدم الفسخ على ظاهرها كما قال عبد الحق إنه الأشبه بظاهرها . ا هـ
يعني أن الأرجح في القرض الفسخ إذا وقع التصديق في المقرض بفتح الراء وفي البيع لأجل الأرجح عدمه إذا وقع التصديق في المبيع ومما ذكر يعلم وجه تضاد أحكام كل مما عدا البيع من العقود السبعة المذكورة لأحكام الآخر منها نعم القراض والمساقاة والجعالة وإن علم مما ذكر اتحادها في جواز الغرر والجهالة إلا أنه يعلم من أبوابها أن عقد المساقاة لازم ولا ينعقد عند ابن القاسم إلا بلفظ ساقيت وعند nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون إلا به وبلفظ آجرت أو عاملت دون لفظ شركة أو بيع بخلافهما وأن لصحة القراض شروطا غير شروط صحة الجعالة فافهم وأما نحو الإجارة والهبة مما يماثل البيع في الأحكام والشروط ولا يضاده فيه بأنه يجوز اجتماعه مع البيع كما يجوز اجتماع أحدهما مع الآخر في عقد واحد لعدم التنافي فهذا وجه الفرق والله سبحانه وتعالى أعلم
( وصل ) في ثلاث مسائل تتعلق بهذا الفرق وتوضحه
( المسألة الأولى ) قال الرهوني ابن عرفة الصرف والبيع في جوازه ومنعه ثالثها بقيد التبعية nindex.php?page=showalam&ids=12321لأشهب مع اللخمي عن رواية محمد جواز بيع مائة ثوب كل ثوب بدينار إلا ثلاثة دراهم وسماع nindex.php?page=showalam&ids=15920عيسى رواية ابن القاسم لا يجوز صرف وبيع ولا نكاح وبيع والمشهور ثم قال ففي تبعية الصرف بكونه أقل من دينار أو دينارا فأقل المشهور وقول الصقلي عن غير واحد من أصحابنا عن nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب ا هـ محل الحاجة منه بلفظه . ا هـ
وقدم قول nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب بالجواز مطلقا على المشهور لقول nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد وقول nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب أظهر من جهة النظر وإن [ ص: 179 ] كان خلاف المشهور . ا هـ
أي لا نظر إلى أن العقد الذي جمعهما احتوى على أمرين كل منهما جائز على انفراده وأنكر أن يكون nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك حرمه قال وإنما الذي حرمه الذهب بالذهب مع كل منهما سلعة والورق بالورق مع كل منهما سلعة كما في حاشية الصاوي على شرح أقرب المسالك ثم قال الرهوني ولما ذكر في التحفة منع اجتماع الستة التي في المواق والحطاب عن المدونة مع البيع أي وفي الأصل وهي الرموز لها بقولهم جص مشنق قال . nindex.php?page=showalam&ids=12321وأشهب الجواز عنه ماض قال : قال التاودي في شرحها ما نصه ومفاد الناظم أن خلافه جار في الجميع وصرح به ابنه وفي الحطاب عن اللخمي وقد اختلف في جميع ذلك . ا هـ
منه بلفظه قلت وما نقله عن الحطاب هو كذلك فيه وهو يقتضي أن الخلاف في اجتماع البيع والمساقاة منصوص وهو خلاف ما في ابن ناجي عن المدونة ونصه وقد اختلف في جميعها إلا أن اجتماع البيع والمساقاة الخلاف بالتخريج خرجه اللخمي في بيع بت وخيار في عقدة واحدة ا هـ بلفظه .
ونص اللخمي وتقدم في كتاب النكاح الثاني ذكر الاختلاف في النكاح والبيع وفي كتاب الجعل ذكر الاختلاف في البيع والجعل وفي كتاب البيعين بالخيار الاختلاف في بيع بت وخيار في عقد واحد ويختلف في البيع والمساقاة على مثل ذلك منه بلفظه . ا هـ
كلام الرهوني وفي بداية المجتهد لحفيد ابن رشد واختلفوا أي الفقهاء إذا اقترن بالمهر بيع مثل أن تدفع إليه عبدا ويدفع ألف درهم عن الصداق وعن ثمن العبد ولا يسمي الثمن من الصداق فمنعه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وابن القاسم وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور وأجازه nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وفرق عبد الله فقال إن كان الباقي بعد البيع ربع دينار فصاعدا بأمر فصاعدا بأمر لا يشك فيه جاز واختلف قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فمرة قال ذلك جائز ومرة قال فيه مهر المثل وسبب اختلافهم هل النكاح في ذلك شبيه بالبيع أم ليس بشبيه فمن شبهه في ذلك بالبيع منعه ومن جوز في النكاح من الجهل ما لا يجوز في البيع قال يجوز ا هـ بلفظها .
( المسألة الثانية ) قال كنون وأولى من منع بيع وصرف منع بيع وبدل وكما استثنوا من الأول ما أشار له في المختصر بقوله إلا أن يكون الجميع دينارا أو يجتمعا فيه كذلك يستثنى من الثاني أن يكون الجميع درهما كما يأتي في قوله أي خليل وبخلاف درهم أي بنصف وفلوس أو غيره في بيع وسكا واتحدت وعرف الوزن وانتقد الجميع ا هـ بتوضيح وقال عبق على خليل ومن الجعل المفارسة . ا هـ
( المسألة الثالثة ) قال كنون وقول الزرقاني والهبة كالبيع أي فلا يجوز جمعها مع الصرف وأما مع البيع فيجوز وما في الشبرخيتي من المنع مردود عقلا ونقلا انظر الأصل أي الرهوني حيث قال أما نقلا فلقول اللخمي أجاز ابن القاسم سلم فسطاطية في فسطاطيتين مثلها إحداهما معجلة والأخرى مؤجلة جعل المعجلة في مقابلة المعجلة والمؤجلة هبة . ا هـ
ونقله المواق قبيل قوله ومؤخر فقها مسلما وفي المفيد أثناء كلامه على من باع دارا بالنفقة عليه حياته ما نصه قال عبد الحق ينبغي عندي إن أنفق عليه سرفا أن يرجع عليه بجميع ذلك لأن الزائد على النفقة المتوسطة إنما هو كهبة من أجل البيع جائزة فإذا انتقض البيع وجب الرجوع فيها وكذلك هنا . ا هـ منه بلفظه .
إلى غير ذلك من النصوص الموافقة لهذا في المدونة وغيرها وبهذا تعلم أن هذا الذي قلناه هو عين الحق والصواب ويكفي في رد ما قاله الشيخ إبراهيم الشبراخيتي كلام أهل المذهب على المحاباة انظر نصوصهم فيما يأتي آخر الحجر إن شاء والله الموفق . ا هـ والله سبحانه وتعالى أعلم .