( عن الأول ) بأن النقدين والعروض يمكن أن يثبت في الذمم فوقع الالتزام بناء على ما في الذمة والطلاق والعتاق لا يثبتان في الذمم والتصرف يعتمد الموجود المعين أو ما في الذمة ، وإذا انتفيا معا بطل التصرف ألا ترى أن البيع إذا لم يكن على معين ولا في الذمة فإنه يبطل كذلك هاهنا
( وعن الثاني ) أن قوله تعالى { أوفوا بالعقود } أمر بالوفاء بالعقود والأوامر لا تتعلق إلا بمعدوم مستقبل والعقد قد وقع وصار ماضيا فلا يصح أن يتعلق إلا بالوفاء به فيتعين أن الأمر متعلق بالوفاء بمقتضاه ويكون التقدير أوفوا بمقتضيات العقود ونحن نقول بموجبه ويوفى بمقتضاه ولكن النزاع في مقتضاه ما هو هل لزوم الطلاق أم لا فلا يحصل المقصود من الآية ، وهذا هو الجواب عن الحديث فإن الكون عند الشروط إنما هو الوفاء بمقتضاها وكون الطلاق من مقتضاها هو محل النزاع وللمالكية أن يجيبوا عن هذين الجوابين بأن مقتضى العقد ومقتضى الشرط هو ما دل عليه لغة ؛ لأنه مقتضاه إجماعا .
وأما المقتضى الشرعي فهو صورة النزاع ونحن إنما نتمسك بالمقتضى اللغوي ولا شك أن المقتضى اللغوي في العقد والشرط هو لزوم الطلاق فوجب أن يكون متعلق الأمر في الآية والحديث وهو المطلوب ، ولو حمل على المقتضى الشرعي لكان التقدير أوفوا بما يجب عليكم شرعا الوفاء به ونحن لا نعلم الوجوب إلا من هذا الأمر فيلزم الدور لتوقف كل واحد منهما على الآخر أما إذا حمل على المقتضى اللغوي [ ص: 171 ] لا يلزم الدور لعدم توقف اللغة على الشرائع وهاهنا قاعدة يشكل مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة باعتبارها وهو أن كل سبب شرعه الله تعالى لحكمة لا يشرعه عند عدم تلك الحكمة كما شرع التعزيرات والحدود للزجر ولم يشرعها في حق المجانين وإن تقدمت الجناية منهم حالة التكليف لعدم شعورهم بمقادير انخراق الحرمة والذمة والمهانة في حالة الغفلة فلا يحصل الزجر وشرع البيع للاختصاص بالمنافع في الغرضين ولم يشرعه فيما لا ينتفع به ولا فيما كثر غرره أو جهالته لعدم انضباط الانتفاع مع الغرر والجهالة المخلين بالأرباح وحصول الأعيان وشرع اللعان لنفي النسب ولم يشرعه للمجبوب والخصي لانتفاء النسب بغير لعان وذلك كثير في الشريعة وضابطه أن كل سبب لا يحصل مقصوده لا يشرع والنكاح سبب شرع للتناسل والمكارمة والمودة فمن قال بشرعيته في صورة التعليق قبل الملك فقد التزم شرعيته مع انتفاء حكمته فكان يلزم أن لا يصح عليها العقد ألبتة لكن العقد صحيح إجماعا فدل ذلك على عدم لزوم الطلاق تحصيلا لحكمة العقد .
وأما وجوب نصف الصداق وتبعيض الطلاق وغيرهما مما يتوقف على هذا العقد فأمور تابعة لمقصود العقد لا أنها مقصود العقد فلا يشرع العقد لأجلها فحيث أجمعنا على شرعيته دل ذلك على بقاء حكمته وهو بقاء النكاح المشتمل على مقاصده ، وهذا موضع مشكل على أصحابنا فتأمله ، وقد ظهر لك أيضا بما تقدم من البحث الفرق بين ما يترتب في الذمم [ ص: 172 ] وبين ما لا يترتب ( وأما ) تهويل الشافعية بقولهم الطلاق حل والنكاح عقد والحل لا يكون قبل العقد وبما يروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما خرجه الترمذي { nindex.php?page=hadith&LINKID=87406لا نذر فيما لا يملك ابن آدم ولا طلاق فيما لا يملك ولا عتاق فيما لا يملك } ( فالجواب ) أن الطلاق لم نقل به في غير عقد ؛ لأنا لم نقل بلزوم الطلاق إلا بعد حصول العقد لا قبله فما قلنا بالحل إلا بعد العقد وهو الجواب عن الحديث فإن طلاق ابن آدم وعتقه إنما وقعا فيما ملكه وإنما تقدم التعليق وربط الطلاق والعتاق بالملك لا نفس الطلاق والعتاق .
حاشية ابن حسين المكي المالكي
( الفرق الخامس والستون والمائة بين قاعدة التصرف في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين قاعدة التصرف في المعدوم الذي لا يمكن أن يتقرر في الذمة )
اتفق nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد رضي الله تعالى عنهم على أن النقدين والعروض قبل ملكها هو المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وعلى جواز التصرف فيها قبل الملك بالنذر بأن يقول إن ملكت دينارا فهو صدقة ونحو ذلك مما يمكن أن يتصدق به المسلم في الذمة في باب المعاملات من النقدين والعروض واختلفوا في الطلاق والعتاق قبل الملك بأن تقول للأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق وللعبد المملوك لغيره إن اشتريتك فأنت حر هل هما من المعدوم الذي لا يمكن أن يتقرر في الذمة فلا يلزمه شيء بقوله للأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق وللعبد المملوك لغيره إن اشتريتك فأنت حر أو ومن المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة فيلزم الطلاق لمن قال للأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق والعتاق لمن قال للعبد المملوك لغيره إن اشتريتك فأنت حر قياسا على النذر في غير المملوك بجامع الالتزام بالمعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة ذهب إلى الأول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإلى الثاني مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وسبب الخلاف قال الأصل هو الخلاف في مقتضى العقود في قوله تعالى { أوفوا بالعقود } والشروط في .
قوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=15091المؤمنون عند شروطهم } ، وذلك لأن الأمر بالوفاء بالعقود يتعين أن يكون أمرا بمقتضياتها ، ضرورة أن الأوامر لا تتعلق إلا بمعدوم مستقبل والعقد قد وقع وصار ماضيا فلا يصح أن يتعلق الأمر [ ص: 207 ] بالوفاء به ، وكذلك الكون عند الشروط يتعين أنه هو الوفاء بمقتضاها والطلاق والعتاق عقدان عقدهما على نفسه فيجب الوفاء بمقتضاهما والوفاء بمقتضى شروطهما والنزاع في مقتضاهما ما هو هل هو لزوم الطلاق والعتاق فيحصل المقصود بالآية والحديث أم لا فلا يحصل المقصود من الآية والحديث ذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد تمسكا بأمرين
( أحدهما ) أن الطلاق والعتاق حل والنكاح والشراء عقد ولا يكون الحل قبل العقد
( أحدهما ) أن مقتضى العقد الشرط إجماعا هو المقتضى اللغوي فيها ، وأما المقتضى الشرعي فهو صورة النزاع والمقتضى اللغوي فيهما هو لزوم الطلاق والعتاق فوجب أن يكون هو متعلق الأمر في الآية والحديث وهو المطلوب
( وثانيهما ) أنه لو حمل على المقتضى الشرعي لكان التقدير أوفوا بما يجب عليكم شرعا الوفاء به ونحن لا نعلم الوجوب إلا من هذا الأمر فيلزم الدور لتوقف كل واحد منهما على الآخر ، وأما إذا حمل على المقتضى اللغوي فلا يلزم الدور لعدم توقف اللغة على الشرائع والجواب عما تمسكا به من الأمرين أن الطلاق لم نقل به في غير عقد ، بل إنما قلنا بلزومه بعد حصول العقد لا قبله فما قلنا بالحل إلا بعد العقد فطلاق ابن آدم وعتقه إنما وقعا فيما ملكه والمتقدم إنما هو التعليق وربط الطلاق والعتاق بالملك إلا نفس الطلاق والعتاق ا هـ .
وقال حفيد ابن رشد في بدايته سبب الخلاف هل من شرط وقوع الطلاق أي والعتاق وجود الملك متقدما بالزمان على الطلاق أي والعتاق أم ليس ذلك من شرطه فمن قال هو من شرطه قال لا يتعلق الطلاق بالأجنبية أي ولا العتاق بغير المملوك بالفعل ، ومن قال ليس من شرطه إلا وجود الملك فقط قال يقع أي الطلاق بالأجنبية أي والعتاق بغير المملوك ا هـ .
قال الأصل وبكثرة اعتبار الشرع قاعدة أن كل سبب شرعه الله تعالى لحكمة لا يشرعه عند عدم الحكمة وبعبارة أن كل سبب لا يحصل مقصوده لا يشرع كما شرع التعذيرات والحدود للزجر ولم يشرعها في حق المجانين وإن تقدمت الجناية منهم حالة التكليف لعدم شعورهم بمقادير انخراق الحرمة والذلة والمهانة في حالة الغفلة فلا يحصل الزجر وشرع البيع للاختصاص بالمنافع في العوضين ولم يشرعه فيما لا ينتفع به ولا فيما كثر غرره أو جهالته لعدم انضباط الانتفاع مع الغرر والجهالة المخلين بالأرباح وحصول الأعيان ، وشرع اللعان لنفي النسب ولم يشرعه للمجبوب والخصي لانتفاء النسب بغير لعان يشكل مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وذلك أن النكاح سبب شرع للتناسل والمكارمة والمودة فمن قال بشرعيته أي النكاح في صورة تعليق طلاق الأجنبية قبل الملك فقد التزم شرعيته أي النكاح مع انتفاء حكمته إذ لا يتأتى حصولها مع ترتب الطلاق على حصول عقده صحيحا شرعا فكان يلزم أن لا يصح على الأجنبية حينئذ عقد نكاح ألبتة لكن العقد صحيح إجماعا فدل ذلك على عدم لزوم الطلاق تحصيلا لحكمة عقد النكاح المقصودة منه .
وليس من المقصود منه وجوب نصف الصداق وتبعيض الطلاق وغيرهما مما يتوقف على هذا العقد ، بل من الأمور التابعة للمقصود منه فلا يشرع العقد لأجلها فحيث أجمعنا على شرعيته دل ذلك على بقاء حكمته وهو بقاء النكاح المشتمل على مقاصده وعدم لزوم الطلاق على وقوعه صحيحا فتأمل [ ص: 208 ] ذلك ولعل الإمام ابن الشاط لهذا قال ويكون تمام الفرق مبينا على أن مقتضى الطلاق والعتاق هو مقتضاهما الشرعي لا اللغوي ، وقد علمت ما فيه قال هذا الفرق يحتاج إلى تأمل ونظر ا هـ بلفظه ( مسألة )
وقوع الطلاق على الأجنبيات بشرط التزويج وإن وافق nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فيه nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة إلا أنه خالفه فيما إذا عمم المطلق جميع النساء مثل أن يقول كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، فاستحسن هو وأصحابه أنه لا يقع عليه طلاق حينئذ بناء على المصلحة وهي أنه إذا عمم فأوجبوا عليه التعميم لم يجد سبيلا إلى النكاح الحلال فكان ذلك عنتا به وحرجا وكأنه من باب نذر المعصية ، وأما nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وجماعة فقالوا يقع عليه الطلاق مطلقا عمم جميع النساء أو خصص ، مثل أن يقول كل امرأة أتزوجها من بني فلان أو من بلد كذا أو في وقت كذا فهي طالق كما في بداية المجتهد لابن رشد الحفيد والله أعلم .