( الفرق التاسع والمائتان بين قاعدة ما مصلحته من العقود في اللزوم وبين قاعدة ما مصلحته عدم اللزوم )
اعلم أن الأصل في العقد اللزوم لأن العقد إنما شرع لتحصيل المقصود من المعقود به أو المعقود عليه ، ودفع الحاجات فيناسب ذلك اللزوم دفعا للحاجة ، وتحصيلا للمقصود غير أن مع هذا الأصل انقسمت العقود قسمين
أحدهما كذلك كالبيع ، والإجارة ، والنكاح ، والهبة ، والصدقة ، وعقود الولايات فإن التصرف المقصود بالعقد يحصل عقيب العقد ، والقسم الآخر لا يستلزم مصلحته مع اللزوم بل مع الجواز وعدم اللزوم ، وهو خمسة عقود الجعالة ، والقراض ، والمغارسة ، والوكالة ، وتحكيم الحاكم ما لم يشرع في الحكومة ، وأن الجعالة لو شرعت لازمة مع أنه قد يطلع على فرط بعد مكان الآبق أو عدمه مع دخوله على الجهالة بمكانه فيؤدي ذلك لضرورة فجعلت جائزة لئلا تجتمع الجهالة بالمكان واللزوم ، وهما متنافيان ، وكذلك القراض حصول لربح فيه مجهول فقد يتصل به أن السلع متعذرة أو لا يحصل فيها ربح فإلزامه بالسفر مضرة بغير حكمة ، ولا يحصل مقصود العقد الذي هو الربح ، وكذلك المغارسة مجهولة العاقبة في نبات الشجر ، وجودة الأرض ، ومئونات الأسباب على معاناة الشجر مع طول الأيام فقد يطلع على تعذر ذلك أو فرط بعده فإلزامه بالعمل ضرر من غير حصول المقصود ، وكذلك الوكالة قد يطلع فيما وكل عليه على تعذر أو ضرر فجعلت على الجواز ، وتحكيم الحاكم خطر على المحكوم عليه لما فيه من اللزوم إذا حكم فقد يطلع الخصمان على سوء العاقبة في ذلك فلا يشرع اللزوم في حقيهما نفيا للضرر عنهما ، واشترك الجميع في عدم انضباط العقد بحصول مقصوده فكان الجميع على الجواز [ ص: 14 ]
[ ص: 14 ] حاشية ابن حسين المكي المالكي
( الفرق التاسع والمائتان بين قاعدة ما مصلحته من العقود في اللزوم وبين قاعدة ما مصلحته منها في عدم اللزوم ) اعلم أن الأصل في العقد اللزوم لأنه إنما شرع لتحصيل المقصود من المعقود به أو المعقود عليه ، ودفع الحاجات ، والمناسب لذلك هو اللزوم إلا أن العقود مع هذا الأصل بالنسبة إلى لزومها بالقول وعدم لزومها به على ثلاثة أقسام ما يلزم اتفاقا أو على الراجح ، وهو أربعة النكاح والبيع والكراء والمساقاة ، وما لا يلزم به ، وهو أربعة الجعل والقراض والتوكيل والتحكيم ، وما هو مختلف فيه هل يلزم به أم لا ، وفي ذلك يقول ابن غازي :
أربعة بالقول عقدها فرا بيع نكاح وسقاء وكرا لا الجعل والقراض والتوكيل والحكم بالفعل بها كفيل لكن في الغراس والمزارعه والشركات بينهم منازعه
[ ص: 32 ] وفرا آخر الشطر الأول بالفاء بمعنى قطع ، ومنه فرى الأوداج أي قطعها كما في شرح التاودي والتسولي على العاصمية ( فالقسم الأول ) جرى على الأصل المذكور اتفاقا كما في غير المساقاة من الأربعة المذكورة في نظم ابن غازي ، وعلى الراجح كما في المساقاة قال ابن عرفة وفيما يلزم به أربعة أقوال ( الأول ) العقد ، وهو نقل الأكثر عن المذهب ومذهب المدونة
( والثاني ) الشروع ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب والمتيطي والصقلي ( والثالث ) حوز المساقى فيه ، وهو ما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=11927الباجي عن بعض القرويين من أنه لو مات قبل الحوز بطلت المساقاة ، وليس كالعقود اللازمة وإن لم تقبض ، ولعله تعلق بما روي في عين السقي تغور إن كان قبل العمل فلا شيء على رب الحائط ، وإن كان بعده لزمه أن ينفق بقدر ما يقع له من الثمرة قلت ظاهره إن غارت بعد العمل لزم رب الحائط أن ينفق بقدر حظه ، وهو خلاف قولها في أكرية الدور من أخذ نخلا مساقاة فغار ماؤها بعد أن سقى فله أن ينفق فيها بقدر حظ رب النخل من ثمرته تلك السنة ، وهذا إنما هو بالعمل لا بالجواز
( والرابع ) أولها لازم وآخرها كالجعل إذا عجز ، وترك قبل تمامها فلا شيء له ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون كما حكاه عنه اللخمي لكن هذا حكم العجز على القول الأول لا قول غير الأول ، وإن كان هو مقتضى كلام اللخمي ا هـ .
كلام ابن عرفة بتصرف قال الرهوني وكنون فالمسلم عنده إنما هو القول الأول ، والثاني ا هـ .
قال الأصل ، وهذا القسم كالبيع والإجارة والنكاح والهبة والصدقة وعقود الولايات فإن التصرف المقصود بالعقد عقيب العقد ا هـ .
( والقسم الثاني ) قال الأصل لا يستلزم مصلحة مع اللزوم بل مع الجواز وعدم اللزوم ، وهو خمسة عقود الجعالة والقراض والمغارسة والوكالة وتحكيم الحاكم ما لم يشرع في الحكومة فاشترك الجميع في عدم انضباط العقد بحصول مقصوده فكان الجميع على الجواز .
( أما الجعالة ) فلأنها لو شرعت لازمة مع أنه قد يطلع على فرط بعد مكان الآبق أو عدمه مع دخوله على الجهالة بمكانه فيؤدي ذلك لضرورة فجعلت جائزة لئلا تجمع الجهالة بالمكان واللزوم ، وهما متنافيان . ( وأما القراض ) فلأن حصول الربح فيه مجهول فقد يتصل به أن السلع متعذرة أو لا يحصل فيه ربح فإلزامه بالسفر مضرة بغير حكمة ، ولا يحصل مقصود العقد الذي هو الربح
( وأما المغارسة ) وهي كما في التوضيح أن يعطي الرجل أرضه لمن يغرس فيها عددا من الأشجار فإذا بلغت كذا وكذا كانت [ ص: 33 ] الأرض والأشجار بينهما ا هـ .
فلأنها مجهولة العاقبة في ثبات الشجر وجودة الأرض ، ومؤنات الأسباب على مؤنات الشجر مع طول الأيام فقد يطلع على تعذر ذلك أو فرط بعده فإلزامه بالعمل ضرر من غير حصول المقصود
( وأما الوكالة ) فقد يطلع فيما وكل عليه على تعذر أو ضرر فجعلت على الجواز
( وأما تحكيم الحاكم ) فلأنه خطر على المحكوم عليه لما فيه من اللزوم إذا حكم ، وقد يطلع الخصمان على سوء العاقبة في ذلك فنفيا للضرر عنهما لم يشرع اللزوم في حقيهما ا هـ .
كلام الأصل بزيادة
( والقسم الثالث ) أهمله الأصل بل عد المغارسة التي جعلها ابن غازي منه وتبعه التاودي والتسولي من القسم الثاني وحصره في خمسة عقود المغارسة مع الأربعة التي في نظم ابن غازي ، ولم يحصر القسم الأول في الأربعة التي حصره فيها ابن غازي بل زاد عليها الهبة والصدقة وعقود الولايات ، وأدخل بالكاف المزارعة والشركات كما أدخل بها المساقاة ، وصحح العلامة ابن الشاط كلامه حتى صار مقتضى كلامهما أن الذي ترجح عندهما من المنازعة في المغارسة قول بعدم اللزوم بالقول ، وفي المزارعة والشركات القول باللزوم بالقول ، وكذلك في الهبة والصدقة وعقود الولايات فإن مفاد كلام التاودي والتسولي أنها من القسم الثالث لتصريحهما بحصر الأول ، وكذا الثاني في أربعة دون الثالث فتأمل ذلك ، والله أعلم .