( الفرق الثاني عشر والمائتان بين الأهوية وبين قاعدة ما تحت الأبنية )
اعلم أن حكم الأهوية تابع لحكم الأبنية فهواء الوقف وقف ، وهواء الطلق طلق ، وهواء الموات موات ، وهواء المملوك مملوك ، وهواء المسجد له حكم المسجد فلا يقربه الجنب ، ومقتضى هذه [ ص: 16 ] القاعدة أن يمنع بيع هواء المسجد والأوقاف إلى عنان السماء لمن أراد غرز خشب حولها ، ويبني على رءوس الخشب سقف عليه بنيان ، ولم يخرج عن هذه القاعدة إلا فرع قال صاحب الجواهر يجوز إخراج الرواشن والأجنحة على الحيطان إلى طريق المسلمين إذا لم تكن مستدة فإذا كانت مستدة امتنع إلا أن يرضى أهلها كلهم ، وسبب خروج الرواشن عن هذه القاعدة أن الأفنية هي بقية الموات الذي كان قابلا للإحياء فمنع الإحياء فيه لضرورة السلوك وربط الدواب وغير ذلك ، ولا ضرورة في الهواء فيبقى على حاله مباحا في السكة النافذة .
وأما المستدة فلا لحصول الاختصاص وتعين الضرر عليهم . هذا تفصيل أحوال الأهوية ، وأما ما تحت الأبنية الذي هو عكس الأهوية إلى جهة السفل فظاهر المذهب أنه مخالف لحكم الأبنية فقد نص صاحب الطراز على أن المسجد إذا حفر تحته مطمورة يجوز أن يعبرها الجنب والحائض .
وقال لو أجزنا الصلاة في الكعبة ، وعلى ظهرها لم نجزها في مطمورة تحتها فهذا تصريح بمخالفة الأهوية لما تحت الأبنية ، وكذلك اختلفوا فيمن ملك أرضا هل يملك ما فيها ، وما تحتها أم لا ، ولم يختلفوا في ملك ما فوق البناء من الهواء على ما علمت ، وقد نص أصحابنا على بيع الهواء لمن ينتفع به ، وسر الفرق بين القاعدتين أن الناس شأنهم توفر دواعيهم على العلو في الأبنية للاستشراف والنظر إلى المواضع البعيدة من الأنهار ومواضع الفرح والتنزه والاحتجاب عن غيرهم بعلو بنائهم ، وغير ذلك من المقاصد ، ولا تتوفر دواعيهم في بطن الأرض على أكثر مما يستمسك به البناء من الأساسات خاصة ، ولو كان البناء على جبل أو أرض صلبة استغنوا عنه [ ص: 17 ] والشرع له قاعدة ، وهو أنه إنما يملك لأجل الحاجة ، وما لا حاجة فيه لا يشرع فيه الملك فلذلك لم يملك ما تحت الأبنية من تخوم الأرض بخلاف الهواء إلى عنان السماء فهذا هو الفرق ، والمساجد والكعبة لما كانت بيوتا كانت المقاصد فيها لمن يدخلها متعلقة بهوائها دون ما تحت بنائها كالمملوكات فإن قلت ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=36852من غصب شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين } ، وهذا يدل على ملك ما تحت ذلك الشبر إلى الأرض السابعة قلت تطويقة ذلك إنما كان عقوبة لا لأجل ملك صاحب الشبر إلى الأرض السابعة ، ولا يلزم من العقوبة بالشيء أن يكون مملوكا لغير الله عز وجل [ ص: 18 ]
حاشية ابن الشاط
قال ( الفرق الثاني عشر والمائتان بين قاعدة الأهوية وبين قاعدة ما تحت الأبنية إلى قوله سقف عليه بنيان ) قلت ما قاله في ذلك حكاية للمذهب فلا كلام معه فيه [ ص: 16 ] قال ( ولم يخرج عن هذه القاعدة إلا فرع قال صاحب الجواهر ، ويجوز إخراج الروشن إلى قوله هذا تفصيل أحوال الأهوية ) قلت تعليله بقاء أهوية الطرق غير المستدة على حالها من قبولها للإحياء بعدم الضرورة الملجئة إليها مشعر بنقيض ما حكاه عن المذهب من أن حكم الهواء إلى عنان السماء حكم البناء فإنه لا ضرورة تلجئ إلى ذلك فمقتضى ذلك الاقتصار على ما تلجئ الضرورة إليه ، والمحكم في ذلك العادة فهذا موضع نظر .
قال ( وأما ما تحت الأبنية إلى قوله ، وقد نص أصحابنا على بيع هواء لمن ينتفع به ) قلت ما قاله حكاية أقوال لا كلام فيه قال ( وسر الفرق بين القاعدتين أن الناس شأنهم توفر دواعيهم على العلو في الأبنية إلى قوله . ولو كان البناء على جبل أو أرض صلبة استغنوا عنه )
قلت ما قاله من أنه لا تتوفر [ ص: 17 ] الدواعي في بطن الأرض على أكثر مما يتمسك به البناء من الأساسات ليس بصحيح كيف وقد توفرت عليه دواعي كثير من الناس كحفر الأرض للجبوب والمصانع والآبار العميقة هذه غفلة منه شديدة ، والذي يقتضيه النظر الصحيح أن حكم ما تحت الأبنية كحكم الأهوية ، ومما يدل على ذلك أن من أراد أن يحفر مطمورة تحت ملك غيره يتوصل إليها من ملك نفسه يمنع من ذلك بلا ريب ولا خلاف فلو كان ما تحت الأبنية ليس له حكم الأبنية بل هو باق على حكم قبوله للإحياء لما منع من ذلك ، والله أعلم .
قال ( والشرع له قاعدة ، وهو أنه إنما يملك لأجل الحاجة ، وما لا حاجة فيه لا يشرع فيه الملك فلذلك لم يملك ما تحت الأبنية من تخوم الأرض بخلاف الهواء إلى عنان السماء ) قلت إذا كانت القاعدة الشرعية أن لا يملك إلا ما فيه الحاجة ، وأي حاجة في البلوغ إلى عنان السماء ، وإذا كانت القاعدة أنه يملك مما فيه الحاجة فما المانع من ملك ما تحت البناء لحفر بئر يعمقها حافرها ما شاء فما ذكر من سر الفرق لم يظهر ، وبقي سرا كما كان فالصحيح أنه لا فرق بين الأمرين ، ومن الدليل على ذلك ما هو معلوم لا شك فيه من أن من ملك موضعا له أن يبني فيه ، ويرفع فيه البناء ما شاء ما لم يضر بغيره ، وأن له أن يحفر فيه ما شاء ، ويعمق ما شاء ما لم يضر بغيره قال ( فإن قلت ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=36852من غصب شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين } إلى آخر ما قاله في الجواب ) قلت لا شك أن في الحديث إشعارا بملك ما تحت الشبر من الأرضين من جهة أن القاعدة أن العقوبة تكون بقدر الجناية ، وما قاله من أنه لا يلزم من العقوبة بأن يكون مملوكا لغير الله تعالى لا يدفع ذلك الإشعار ، والله أعلم .
حاشية ابن حسين المكي المالكي
[ ص: 18 ] الفرق الثاني عشر والمائتان بين قاعدة الأهوية وبين قاعدة ما تحت الأبنية ) قال العلامة المحقق ابن الشاط ما خلاصته إن الصحيح أنه لا فرق بين الأمرين ، والدليل على ذلك أمور ( منها ) ما هو معلوم لا شك فيه من أن من ملك موضعا له أن يبني فيه ، ويرفع فيه البناء ما شاء ما لم يضر بغيره ، وأن له أن يحفر فيه ما شاء ، ويعمق ما شاء إن لم يضر بغيره ، وإذا كانت القاعدة الشرعية أن لا يملك إلا ما فيه الحاجة فإن قيل لا حاجة فيما تحت الأبنية من تخوم الأرض فلا يشرع فيه الملك قلنا أي حاجة في البلوغ إلى عنان السماء ، وإن قيل إن البلوغ إلى عنان السماء مما فيه الحاجة فيملك بخلاف ما تحت الأبنية من تخوم الأرض فإن الدواعي لا تتوفر فيه على أكثر مما يتمسك به البناء من الأساسات فلا يملك إلا ما ألجأت الضرورة إليه قلنا ليس بصحيح كيف .
وقد توفرت دواعي كثير من الناس على أكثر مما ذكر كحفر الأرض للجبوب والمصانع والآبار العميقة فما المانع من ملك ما تحت البناء لنحو ما ذكر من حفر بئر يعمقها حافرها ما شاء ( ومنها ) أن من أراد أن يحفر مطمورة تحت ملك غيره يتوصل إليها من ملك نفسه يمنع من ذلك بلا ريب ولا خلاف فلو كان ما تحت الأبنية ليس له حكم الأبنية بل هو باق على حكم قبوله للإحياء لما منع من ذلك ( ومنها ) أن فيما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=36852من غصب شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين } بلا ريب إشعارا بملك ما تحت الشبر من الأرضين من جهة أن القاعدة أن العقوبة تكون بقدر الجناية ، وما قيل من أنه لا يلزم من العقوبة به أن يكون مملوكا لغير الله تعالى لا يدفع ذلك الإشعار نعم ظاهر المذهب أن ما تحت الأبنية الذي هو عكس الأهوية إلى جهة السفل مخالف لحكم الأبنية أما أولا فلأن صاحب الطراز قد نص على أن المسجد إذا حفر تحته مطمورة يجوز أن يعبره الجنب والحائض ، وقال لو أجزنا الصلاة في الكعبة ، وعلى ظهرها لم نجزها في مطمورة تحتها ا هـ .
وأما ثانيا فلأنهم اختلفوا فيمن ملك أرضا هل يملك ما فيها ، وما تحتها أم لا ، وأما الأهوية فقد اتفقوا فيها على قاعدة أن حكمها تابع لحكم الأبنية فهواء الوقف وقف وهواء الطلق طلق ، وهواء الموات موات ، وهواء المملوك مملوك ، وهواء المسجد له حكم المسجد فلا يقربه الجنب والحائض ، ومن ثم لم يختلفوا في ملك ما فوق البناء من الهواء اختلافهم في ملك ما تحته من تخوم الأرض بل قد نص أصحابنا على بيع الهواء لمن ينتفع [ ص: 41 ] به ، ومقتضى هذه القاعدة أن يمنع بيع هواء المسجد والأوقاف إلى عنان السماء لمن أراد غرز خشب حولها ليجعل على رءوس الخشب سقفا عليه بناء ، وأن يمنع إخراج الرواشن والأجنحة على الحيطان إلى طريق المسلمين ، وإن لم تكن مستدة إلا أن يرضى أهلها كلهم أو يقتصر على ما تلجئ الضرورة إليه ، والمحكم في ذلك العادة فيكون قول صاحب الجواهر يجوز إخراج الرواشن والأجنحة على الحيطان إلى طريق المسلمين إذا لم تكن مستدة فإذا كانت مستدة امتنع إلا أن يرضى أهلها كلهم ا هـ .
موضع نظر فهذا كله لا شك تصريح بمخالفة الأهوية لما تحت الأبنية ، وأن بينهما فرقا إلا أن سره الذي ذكره الشهاب لم يظهر بل بقي سرا كما كان ا هـ .