( القاعدة الثانية والخمسون )
في التصرف في المملوكات قبل قبضها : وهي منقسمة إلى عقود وغيرها فالعقود نوعان :
أحدهما :
عقود المعاوضات وتنقسم إلى بيع وغيره ، فأما المبيع فقالت طائفة من الأصحاب التصرف قبل القبض والضمان متلازمان فإن كان البيع مضمونا على البائع لم يجز التصرف فيه للمشتري حتى يقبضه وإن كان قبل القبض من ضمان المشتري جار له التصرف فيه ، وصرح بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي في الجامع الصغير وغيره .
وجعلوا العلة المانعة من التصرف توالي الضمانات .
وفي المذهب طريقة أخرى وهي أنه تلازم بين التصرف والضمان فيجوز التصرف والضمان على البائع كما في بيع الثمرة قبل جدها فإنه يجوز في أصح الروايتين وهي مضمونة على البائع ويمتنع التصرف في صبرة الطعام المشتراة جزافا على إحدى الروايتين ، وهي اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=14209الخرقي مع أنها في ضمان المشتري وهذه طريقة الأكثرين من الأصحاب فإنهم حكوا الخلاف في بيع الصبرة مع عدم الخلاف في
[ ص: 79 ] كونها مضمونة على البائع ، وممن ذكر ذلك
ابن أبي موسى nindex.php?page=showalam&ids=14953والقاضي في المجرد والخلاف
nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل في الفصول والمفردات
والحلواني وابنه وغيرهم .
وصرح
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل في النظريات بأنه لا تلازم بين الضمان والتصرف وعلى هذا فالقبض نوعان : قبض يبيح التصرف وهو الممكن في حال العقد وقبض ينقل الضمان وهو القبض التام المقصود بالعقد ، وقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل وغيره الخلاف فيما يمتنع التصرف فيه قبل قبضه هل هو المبهم أو جنس المكيل والموزون وإن بيع جزافا أو المطعوم خاصة مكيلا أو موزونا كان أو غيرهما أو المطعوم المكيل أو الموزون ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=13920مهنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وضعف
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي هذه الرواية ورجحها صاحب المغني ولم يذكروا في الضمان ذلك ، واختار
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل المنع من بيع جميع الأعيان قبل القبض معللا بأن العقد الأول لم يتم حيث بقي من أحكامه التسليم فلا يرد عليه عقد آخر قبل انبرامه ولم يجعل الضمان ملازما له ، وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي في الجامع الصغير قد يتأول بأنه ذكر أن المتعين يجوز بيعه قبل القبض وغير المتعين لا يجوز ثم لازم بعد ذلك بين جواز البيع والضمان وهو صحيح على ما ذكره فإنه اقتصر على ذكر جادة المذهب وهو أن لا ضمان ولا منع من التصرف إلا في المبهم خاصة ولم يبين أنه لا تلازم بين التصرف والضمان أن المنافع المستأجرة يجوز أن يؤجرها المستأجر وهي مضمونة على المؤجر الأول والثمر المبيع على شجر المبيع يجوز بيعه على المنصوص وهو مضمون على البائع الأول .
والمقبوض قبضا فاسدا كالمكيل إذا قبض جزافا فانتقل الضمان فيه إلى المشتري ولا يجوز التصرف فيه قبل كيله وبيع الدين ممن هو في ذمته جائز على المذهب وليس مضمونا على مالكه وكذلك المالك يتصرف في المغصوب والمعار والمقبوض بعقد فاسد وضمانها على القابض ، والتعليل بتوالي الضمانين ضعيف لأنه لا محذور فيه كما لو تبايع الشقص المشفوع جماعة ثم انتزعه الشفيع من الأول ، وكذلك التعليل بخشية انتقاص الملك بتلفه عند البائع يبطل بالثمر المشترى في رءوس الشجر وبإجارة المنافع المستأجرة وبهذا أيضا ينتقض تعليل
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل ، ويبيع الدين ممن هو عليه ; لأن البائع وفى عليه بالتخلية والتمييز فلم يبق له علقة في العقد ، وعلل أيضا بأنه داخل في بيع ما ليس عنده وهو شبيه بالغرر لتعرضه للآفات ، وهو يقتضي المنع في جميع الأعيان ، وأشار الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد إلى أن المراد من النهي عن ربح ما لم يضمن حيث كان مضمونا على بائعه فلا يربح فيه مشتريه ، وكأنه حمل النهي عنه هو الربح على النهي عن أصل الربح لأنه مظنة الربح ، ويتخرج له قول آخر أن النهي عن حقيقة الربح دون البيع بالثمن الذي اشتراه فإنه منع في رواية من إجارة المنافع المستأجرة إلا بمثل الأجرة لئلا يربح فيما لم يضمن ومنع
[ ص: 80 ] في رواية أخرى من ربح ما اشتراه المضارب على وجه المخالفة لرب المال لأنه ضامن له بالمخالفة فكره
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ربحه لدخوله في ربح ما لم يضمن وأجاز أصل البيع وأجاز الاعتياض عن ثمن المبيع قبل قبضه بقيمته من غير ربح لئلا يكون ربحا فيما لم يضمن فيخرج من هذا رواية أن كل مضمون على غير مالكه يجوز بيعه بغير ربح ويلزم مثل ذلك في بيع الدين من الغريم والتمر على رءوس النخل وغيرهما مما لم يضمنه البائع .
ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=15772حنبل عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في بيع الطعام الموهوب قبل قبضه لا بأس به ما لم يكن للتجارة وهذا يدل على أن المنع في بيع الطعام قبل قبضه هو الربح والتكسب ولا فرق في ذلك بين بيعه من بائعه وغيره وقد نص
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على منع بيعه من بائعه حتى يكيله .
واختلف الأصحاب في الإقالة فيه قبل قبضه فمنهم من خرجها على الخلاف في كونها بيعا أو فسخا ، فإن قيل إنها بيع لم يصح وإلا صحت ، وعن
أبي بكر أنه منعها من الروايتين بدون كيل ثان لأنها تجديد ملك ، ويتخرج لنا رواية ثالثة بجواز البيع من البائع لأن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أجاز في رواية منصوصة عنه بيعه من الشريك الذي حضر كيله وعلمه من غير كيل آخر فالبائع أولى ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي في المجرد
nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل في الفصول في كتاب الإجارات رواية في جواز بيعه قبل القبض من بائعه خاصة [ و ] ذكرا مأخذها ، وهو اختلاف الروايتين عنه في بيع الدين في الذمة إذا كان طعاما مكيلا أو موزونا قبل قبضه ، وهذا مخالف لما ذكرناه في البيع فإنهما خصا فيه الروايتين بما في الذمة سواء كان طعاما أو غيره هذا في التصرف فيه بالبيع : وأما غيره من العقود فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي في المجرد
nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل لا يجوز رهنه ولا هبته ولا إجارته قبل القبض كالبيع ، ثم ذكرا في الرهن عن الأصحاب أنه يصح رهنه قبل قبضه لأنه لا يؤدي إلى ربح ما لم يضمن بخلاف البيع ، وفي هذا المأخذ نظر لأن الرهن إنما يصح فيما يصح بيعه لأنه يفضي إلى البيع لكن تركه في يد البائع لا يطول غالبا وقبضه متيسر فلذلك يصح رهنه ، وعلل
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل المنع من رهنه لأنه غير مقبوض ولا متميز ولا متعين وفيه ضعف لإمكان تمييزه وقبضه .
وعلل مرة أخرى في الرهن والهبة بأن القبض شرط لهما فكيف ينبني عقد من شرطه القبض على عقد لم يوجد فيه القبض .
وللأصحاب وجه آخر أنه بجواز رهنه على غير ثمنه حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب فيما كان معينا كالصبرة وأظنه منعه منه في المبهم لعدم تأتي القبض وهو معتبر فيه كما ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل فخرج من هذا وجهان للأصحاب في سائر العقود .
ومن الأصحاب من قطع بجواز جعله مهرا معللا بأن ذلك غرر يسير يغتفر في الصداق
[ ص: 81 ] ومنهم صاحب المحرر ، وهذا وجه ثالث .
هذا كله في المبيع ، فأما ثمنه فإن كان معينا جاز التصرف قبل قبضه ، سواء كان المبيع يجوز التصرف فيه قبل القبض أو لا ، وصرح به
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي وإن كان مبهما لم يجز إلا بعد تمييزه ، وإن كان دينا جاز أن يعاوض عنه قبل قبضه .
ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل ولم يخرجا المعاوضة على الخلاف في بيع الدين ممن هو عليه .
وقد حكيا في ذلك روايتين والأكثرون أدخلوه في جملة صور الخلاف ، وقد نص
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على جواز اقتضاء أحد النقدين من الآخر بالقيمة في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم وابن منصور nindex.php?page=showalam&ids=15772وحنبل .
ونقل عنه
القاضي البرتي في طعام في الذمة هل يشتري به شيئا ممن عليه فتوقف قال فقلت [ له ] لم لا يكون مثل هذا اقتضاء الورق من الذهب فكأنه أجازه من غير أن يوضحه إيضاحا بينا ، وهذا يشعر أن اقتضاء أحد النقدين من الآخر يجوز من غير خلاف لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في ذلك ، والخلاف في المعاوضة عنهما بغيرهما ، ولم يذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل في الصرف في ذلك خلافا ، والمعنى في ذلك أن النقدين لتقاربهما في المعنى أجريا مجرى الشيء الواحد فأخذ أحدهما عن الآخر ليس بمعاوضة محضة بل هو نوع استيفاء ، وقد صرح بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية
أبي طالب قال : ليس هو ببيع وإنما هو اقتضاء ولذلك لم يجز إلا بالسعر لأنه لما كانت المماثلة في القدر لاختلاف الجنس اعتبرت في القيمة ، وهذا المأخذ هو الذي ذكره صاحب المغني .
ومن الأصحاب من جعل مأخذه النهي عن ربح ما لم يضمن ، وأما
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي فأجاز المعاوضة عن أحد النقدين بالآخر بما يتفقان عليه وتأول كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بكلام بعيد جدا ، وقد ذكرنا أن طريقة
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل في الإجارة ، أن ما في الذمة إذا كان مكيلا أو موزونا لم يجز بيعه قبل قبضه لأجنبي رواية واحدة وفي بيعه لمن هو في ذمته روايتان لأنه قبل القبض مبهم غير متميز ، وهذا الكلام في التصرف في المبيع وعوضه فأما غير المبيع من عقود المعاوضات فهي ضربان :
أحدهما : ما يخشى انفساخ العقد بتلفه قبل قبضه مثل الأجرة المعينة ، والعوض في الصلح بمعنى البيع ونحوهما فحكمه حكم البيع فيما سبق .
وأما التصرف في المنافع المستأجرة فإن كان بإعارة ونحوها فيجوز لأن له استيفاء العوض بنفسه وممن يقوم مقامه ، وإن كان بإجارة صح أيضا بعد قبض العين ولم يصح قبلها إلا للمؤجر على وجه سبق .
ويصح إيجارها بمثل الأجرة وبأزيد في إحدى الروايتين وفي الأخرى يمنع بزيادة لدخوله في ربح ما لم يضمن والصحيح الجواز لأن المنافع مضمونة على المستأجر في وجه ، بدليل أنه لو عطلها حتى فاتت من غير استيفاء تلفت من ضمانه
[ ص: 82 ] فهي كالثمر في رءوس الشجر فهو مضمون عليه بإتلافه .
والضرب الثاني : ما لا يخشى انفساخ العقد بهلاكه قبل قبضه كالصداق وعوض الخلع والعتق والمصالح به عن دم العمد ، ونحو ذلك ففيه وجهان :
أحدهما : يجوز التصرف فيه قبل القبض وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي في المجرد
nindex.php?page=showalam&ids=11851وأبي الخطاب - غير أنه استثنى منه الصداق -
والسامري وصاحبي المغني والتلخيص ونص
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على صحة هبة المرأة صداقها قبل القبض وهو تصرف فيه ، ووجه ذلك أن تلف هذه الأعواض لا تنفسخ بها عقودها فلا ضرر في التصرف فيها بخلاف البيع والإجارة ونحوهما ، ومع هذا فصرح
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي في المجرد بأن غير المتميز فيها مضمون على من هو بيده ففرق بين التصرف والضمان هنا ونسب إليه صاحب التلخيص أنه سوى بينهما فأثبت الضمان ومنع التصرف وهو وهم عليه .
والوجه الثاني : أن حكمها حكم البيع فلا يجوز التصرف في غير المعين منها قبل القبض وهو الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي في خلافه .
وقال هو قياس قول أصحابنا
nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل في الفصول والمفردات
والحلواني والشيرازي وصاحب المحرر ، واختاره صاحب المغني في كتاب النكاح إلحاقا لها بسائر عقود المعاوضات ، ولا يصح التفريق بعدم الانفساخ لأن الزبرة الحديدة العظيمة إذا اشتريت وزنا فلا يخشى هلاكها والتصرف فيها ممنوع ، ومنافع الإجارة يخشى هلاكها والتصرف فيها جائز ، ورجح الشيخ
تقي الدين الأول ولكن بناه على أن علة منع التصرف الربح فيما لم يضمن وهو منتف ههنا وهو أحد المآخذ للأصحاب في أصل المسألة وعد
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي في هذا الضرب القرض وأرش الجنايات وقيم المتلفات ، ووافقه
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل على قيم المتلفات وفيه نظر فإن القرض لا يملك بدون القبض على ما جزم به في المجرد وقيم المتلفات ينفسخ الصلح عنها بتلف العوض المضمون وكذلك أروش جنايات الخطأ بخلاف العمد أو نحوه ليس بعقد ليدخله الفسخ ثم إنه مضمون في الذمة كالدين وذلك لا يتعين في الخارج إلا بالقبض على المذهب وألحق صاحب التلخيص بهذا أيضا الملك العائد بالفسخ قبل القبض والاسترداد لأنه لا يخشى انتقاض سببه ، وهذا متجه على الوجه الأول الذي اختاره .
فأما الوجه الثاني : فإن كان العقد المنفسخ عن غير معاوضة صارت العين أمانة كالوديعة فيجوز التصرف فيها قبل القبض ، وإن كان عقد معاوضة فهو مضمون على الأشهر فيتوجه أن لا يمنع كالعواري والغصوب ، لو حجر الحاكم على المفلس ثم عين لكل غريم عينا من المال بحقه ملكه بمجرد التعيين ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي في الزكاة من المجرد فعلى هذا يتوجه أن يجوز له التصرف فيه قبل القبض .
تنبيه : ما اشترط القبض لصحة عقد لا يصح التصرف فيه قبل القبض لعدم ثبوت الملك ، وقد
[ ص: 83 ] صرح به في المحرر في الصرف ورأس مال السلم ، فأما إن قيل بالملك بالعقد فقد حكى في التلخيص في الصرف المتعين وجهين لأن انتفاء القبض ههنا مؤثر في إبطال العقد ، فلا يصح ورود عقد آخر عليه قبل انبرامه ، والمنصوص عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية
ابن منصور المنع في الصرف والسلم والعقود القهرية كالأخذ بالشفعة يصح فيها قبل القبض ذكره أيضا في التلخيص