النوع الثالث أن يعلم قبل الشروع في فعل أنه إذا شرع فيه ترتب عليه تحريمه وهو متلبس به
، فهل يباح له الإقدام على ذلك الفعل لأن التحريم لم يثبت حينئذ أم لا يباح لأنه يعلم أن إتمامه يقع حراما فيه لأصحابنا قولان ، ومثال ذلك : أن
يقول لزوجته إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا أو فأنت علي كظهر أمي ومثل أن يعلم أنه متى أولج في هذا الوقت طلع عليه الفجر وهو مولج فحكى الأصحاب في مسألة الطلاق والظهار روايتين بنوهما على أن النزع هل هو جماع أو ليس بجماع ورجح صاحب المغني التحريم في مسألة الطلاق والظهار على كلا القولين لأنه استمتاع بأجنبية وهو حرام ولو كان لمس بدنها لشهوة فلمس الفرج بالفرج أولى بخلاف الصائم فإنه لا يفطر بالوطء ويمكن منع كون النوع وطئا . قال : فإن قيل هذا إنما يحصل ضرورة ترك الوطء الحرام قلنا فإذا لم يكن الوطء إلا بفعل محرم ضرورة وهو ترك الحرام كما لو اختلط لحم الخنزير بلحم مباح لا يمكنه أكله إلا بأكل لحم الخنزير أو اشتبهت ميتة بمذكاة فإن الجميع محرم انتهى . وليس هذا مطابقا لمسألتنا فإن ابتداء الوطء هنا منفرد عن الحرام متميز عنه لم يشتبه بحرام أو لم يختلط به ، فإذا انضم إلى ذلك أن النزع ترك للحرام لم يبق ههنا حرام ، وأيضا فإن النزع ههنا مقارن البينونة فيمكن النزاع في تحريمه كما وقع النزاع في ترتب أحكام الزوجية معه وأما الإيلاج فمقارن لشرط البينونة فإن قيل إن المقارن للشرط كالمقارن للمشروط على ما سبق تقريره في القاعدة التي قبلها توجه تحريمه أيضا وإلا فلا . وأيضا فمن يقول النزع جزء من الجماع وإن الجماع عبارة عن الإيلاج والنزع يلتزم أن الطلاق والظهار إنما يقعان بعد النزع لا قبله فلا يحصل في أجنبية ولا مظاهر منها ولا يقال يلزم على هذا أن لا يفطر الصائم بالإيلاج قبل غروب الشمس إذا نزع بعده لأن مفطرات
[ ص: 106 ] الصائم لم تنحصر في الجماع وحده بل تحصل بأمور متعددة فيجوز أن يحصل بأحد جزأي الجماع كما يحصل بالإنزال بالمباشرة ونحوه بخلاف الأحكام المترتبة على مسمى الوطء فإنها لا تثبت إلا بعد تمام مسمى الوطء .