المثال الرابع والأربعون : الكذب مفسدة محرمة إلا أن يكون فيه جلب مصلحة أو درء مفسدة ، فيجوز تارة ويجب أخرى وله أمثلة : أحدها : أن
يكذب لزوجته لإصلاحها وحسن عشرتها فيجوز لأن قبح الكذب الذي لا يضر ولا ينفع يسير ، فإذا تضمن مصلحة تربو على قبحه أبيح الإقدام عليه تحصيلا لتلك المصلحة .
وكذلك
الكذب للإصلاح بين الناس وهو أولى بالجواز لعموم مصلحته .
[ ص: 113 ]
الثاني : أن
يختبئ عنده معصوم من ظالم يريد قطع يده فيسأله عنه فيقول ما رأيته فهذا الكذب أفضل من الصدق ، لوجوبه من جهة أن مصلحة حفظ العضو أعظم من مصلحة الصدق الذي لا يضر ولا ينفع ، فما الظن بالصدق الضار ؟ وأولى من ذلك إذا اختبأ عنده معصوم ممن يريد قتله .
الثالث : أن
يسأل الظالم القاصد لأخذ الوديعة المستودع عن الوديعة فيجب عليه أن ينكرها ، لأن حفظ الودائع واجب وإنكارها ههنا حفظ لها ، ولو أخبره بها لضمنها وإنكارها إحسان .
الرابع : أن
تختبئ عنده امرأة أو غلام يقصدان بالفاحشة ، فيسأله القاصد عنهما فيجب عليه أن ينكرهما الخامس : أن
يكره على الشرك الذي هو أقبح الكذب أو على نوع من أنواع الكفر فيجوز له أن يتلفظ به حفظا لنفسه ، لأن مفسدة لفظ الشرك من غير اعتقاد ، دون مفسدة فوات الأرواح ، والتحقيق في هذه الصور وأمثالها أن الكذب يصير مأذونا فيه ويثاب على المصلحة التي تضمنها على قدر رتبة تلك المصلحة من الوجوب في حفظ الأموال والأبضاع والأرواح ، ولو صدق في هذه المواطن لأثم إثم المتسبب إلى تحقيق هذه المفاسد ، وتتفاوت الرتب له ، ثم التسبب إلى المفاسد بتفاوت رتب تلك المفاسد .