المثال الثالث والستون : من أمثلة الأفعال المشتملة على المصالح والمفاسد مع رجحان مصالحها على مفاسدها :
قتال البغاة دفعا لمفسدة البغي والمخالفة ، ولا يشترط في درء المفاسد أن يكون ملابسها أو المتسبب إليها عاصيا .
وكذلك لا يشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون المأمور والمنهي عاصيين ، بل يشترط فيه أن يكون أحدهما ملابسا لمفسدة واجبة الدفع ، والآخر تاركا لمصلحة واجبة التحصيل . ولذلك أمثلة : أحدها
أمر الجاهل بمعروف لا يعرف إيجابه .
المثال الثاني : نهيه عن منكر لا يعرف تحريمه .
المثال الثالث : قتال أهل البغي ، مع أنه لا إثم عليهم في بغيهم لتأويلهم .
المثال الرابع :
ضرب الصبيان على ترك الصلاة والصيام ، وغير ذلك من المصالح . فإن قيل : إذا كان الصبي لا يصلحه إلا الضرب المبرح فهل يجوز ضربه تحصيلا لمصلحة تأديبه ؟ قلنا لا يجوز ذلك ، بل يجوز أن يضربه ضربا غير مبرح ; لأن الضرب الذي لا يبرح مفسدة ، وإنما جاز لكونه وسيلة إلى مصلحة التأديب ، فإذا لم يحصل التأديب سقط الضرب الخفيف ، كما يسقط الضرب الشديد ; لأن الوسائل تسقط بسقوط المقاصد . فإن قيل : إذا كان المعزر البالغ لا يرتدع عن معصيته إلا بتعزير مبرح فهل يلحق بالصبي ؟ قلنا : لا يلحق به بل نعزره تعزيرا غير مبرح ونحبسه
[ ص: 122 ] مدة يرجى فيها صلاحه .
وكذلك إذا منعنا من الزيادة على عشرة أسواط في التعزير ، وكان ذلك لا يردع المعزر فانضم إليه الحبس مدة يرجى في مثلها حصول الارتداع .
المثال الخامس :
قتل الصبيان والمجانين إذا صالوا على الدماء والأبضاع ، ولم يمكن دفعهم إلا بقتلهم .
المثال السادس :
حد الحنفي على شرب النبيذ ، مع الجزم بعدالته ، وأنه ليس بعاص ، دفعا لمفسدة شرب المسكر . فإن قيل : هلا حددتم بالوطء في النكاح المختلف في صحته ، كما حددتم الحنفي بشرب النبيذ المختلف في حل شربه ؟ قلنا : الفرق بينهما أن مفسدة الزنا لا تتحقق في النكاح المختلف فيه ; فإنه يوجب المهر والعدة ، ويلحق النسب ، ويثبت حرمة المصاهرة ، بخلاف الزنا فإنه يقطع الأنساب ، ولا يوجب مهرا ولا عدة ، والمفسدة في شرب النبيذ مثلها في شرب الخمر من غير فرق .
المثال السابع : إذا
وكل وكيلا في القصاص ، ثم عفا ولم يعلم الوكيل ، أو أخبره فاسق بالعفو فلم يصدقه ، وأراد الاقتصاص ، فللفاسق أن يدفعه بالقتل إذا لم يمكن دفعه إلا به دفعا لمفسدة القتل من غير حق .
المثال الثامن : إذا
وكل وكيلا في بيع جاريته فباعها ، فأراد الموكل وطأها ظنا أن الوكيل لم يبعها ، فأخبره المشتري أنه اشتراها ، فلم يصدقه ، فللمشتري أن يدفعه عنها ولو بالقتل ، مع أنه لا إثم عليه دفعا لمفسدة الوطء بغير حق ، وإن وطئها في الحال لم يكن زانيا ولا آثما .
المثال التاسع :
ضرب البهائم في التعليم والرياضة دفعا لمفسدة الشراس والجماح وكذلك ضربها حملا على الإسراع لمس الحاجة إليه على الكر والفر والقتال .