إن قيل :
هل يثاب المتناظران على المناظرة أم لا ؟ قلنا إن قصد كل واحد بمناظرته إرشاد خصمه إلى ما ظهر له من الحق فهما مأجوران على قصدهما وتناظرهما ، لأنهما متسببان إلى إظهار الحق ، وإن قصد كل واحد منهما أن يظهر على خصمه ويغلبه ، سواء أكان الحق معه أو مع خصمه فهما آثمان ، وإن قصد أحدهما الإرشاد وقصد الآخر العناد ، أجر قاصد الإرشاد ، وأثم قاصد العناد . ثم إن قصدا أو أحدهما العناد وأظهر الله الحق على لسان خصمه ، فإن تمادى على عناده أثم ، وانفرد صاحبه بالأجر إن قصد وجه الله ، وإن قطع عزمه عن العناد وعاد إلى اتباع الرشاد وانقطعت معصيته أثيب على رجوعه إلى الرشاد ، وإن أصر على العناد أثم على عزمه وعناده ، ووجب تعزيره في الدنيا ، وإن لم يعزر فيها فهو متعرض لعقاب الآخرة كغيره من العصاة . ولو عزم أحدهما على قبول الحق إذا ظهر على لسان خصمه فعانده فهو مأثوم لعناده مأجور على عزمه فالذي يسخر من خصمه ويضحك منه ويستضحك الناس منه أشد وزرا مما ذكرناه ، لأنه زاد على تلك المعصية السخرية بالمؤمنين ، والأولى بذوي الألباب ألا يناظروا من هذا شأنه ، لئلا يتسببوا بمناظرته إلى إيقاعه في الآثام المذكورة .