في
من ارتكب كبيرة في ظنه يتصورها بتصور الكبائر وليست في الباطن كبيرة
إن قيل لو أن إنسانا قتل رجلا يعتقد أنه معصوم فظهر أنه يستحق دمه
[ ص: 26 ] أو
وطئ امرأة يعتقد أنها أجنبية وأنه زان بها فإذا هي زوجته ، أو أمته أو أكل مالا يعتقد أنه ليتيم ثم تبين أنه ملكه ، أو شهد بالزور في ظنه وكانت شهادته موافقة للباطن ، أو حكم بباطل ثم ظهر أنه حق ، فهل يكون مرتكبا لكبيرة مع كونه لم تتحقق المفسدة ؟ قلنا أما في الدنيا فيجري عليه أحكام الفاسقين ، وتسقط عدالته لجرأته على رب العالمين ، وترد شهادته وروايته ، وتبطل بذلك كل ولاية تشترط فيها العدالة ، لأن العدالة إنما شرطت في الشهادات والروايات والولايات ، لتحصل الثقة بصدقه في أخباره وشهادته وبأدائه الأمانة في ولايته ، وقد انخرمت الثقة في ذلك كله لجراءته على ربه بارتكاب ما يعتقده كبيرة ، لأن الوازع عن الكذب في أخباره وشهادته ، وعن التقصير في ولايته إنما هو خوفه من الجرأة على ربه بارتكاب كبيرة ، أو بالإصرار على صغيرة ، فإذا حصلت جرأته على ما ذكرته سقطت الثقة ، بما يزعه عن الكذب في خبره وشهادته والنصح في ولايته .
وأما مفاسد الآخرة وعذابها فلا يعذب تعذيب زان ولا قاتل ولا آكل مالا حراما ، لأن عذاب الآخرة مرتب على رتب المفاسد في الغالب كما أن ثوابها مرتب على رتب المصالح في الغالب ، ولا يتفاوتان بمجرد الطاعة ولا بمجرد المعصية ، مع قطع النظر عن رتب المصالح والمفاسد ، ولو كان كذلك لكان أجر التصدق بتمرة كأجر التصدق ببدرة ، ولكانت غيبة المؤمنين بنسبتهم إلى الكبائر كغيبتهم بنسبتهم إلى الصغائر ، ولكان سب الأنبياء كسب الأولياء ، والظاهر أن هذا لا يعذب تعذيب من ارتكب صغيرة لأجل جرأته وانتهاكه الحرمة بل يعذب عذابا متوسطا بين الكبيرة والصغيرة بجرأته على الله تعالى بما يعتقد أنه كبيرة ، والأولى أن تضبط الكبيرة بما يشعر بتهاون مرتكبها في دينه إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها بذلك ، ولم أقف لأحد من العلماء على ضابط لذلك .