وأما
ما يجب على الفور فكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكزكاة الأنعام والنقدين عند تمام الحول والتمكن من الأداء .
وكذلك زكاة المعشرات وكذلك زكاة الركاز عند وجدانه وفي زكاة المعادن خلاف وكذلك الحكم بين الخصوم ويجب سلوك أقرب الطرق فيه دفعا لعظم أحد الخصمين على الفور ، وكذلك يجب بيان أحكام الشرع على المفتي على
[ ص: 250 ] الفور عند تحقق الحاجة إليها ، وكذلك العقوبات كلها شرعت على الفور تحصيلا لمصالح الردع والزجر فإنها لو أخرت لم يؤمن من ملابسة جرائمها .
فمن ذلك قتال أهل البغي وضرب الصبيان وقتل المجانين والصبيان دفعا لمفاسد الصيال إذا لم يندفعوا إلا بالقتل .
وكذلك حد الحنفي على شرب النبيذ ودفع المجانين والصبيان على الزنا والقتل والعقوبات ولو بالقتل ،
وإذا اجتمعت الحدود قدم أخفها لأنه أقرب إلى استيفائها على الفور لأن الأشق لو قدم طال الانتظار إلى البرء ، وإذا قدم الأخف لم يطل ولأن حفظ محل الحقوق واجب ، فلو قدم الأشق لكان تغريرا بضياع محل الحق ، وإنما وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الفور لأن الغرض بالنهي زوال المفسدة ، فلو أخر النهي عنها لتحققت المفسدة والمعصية ، وكذلك يجب على الفور الأمر بالمعروف كي لا تتأخر مصلحته عن الوقت الذي وجب فيه ، وكذلك الزكاة إنما وجبت على الفور لأن الغرض منها سد الخلات ودفع الحاجات والضرورات وهي محققة على الفور .
وفي تأخيرها إضرار بالمستحقين مع أن الفقراء تتعلق أطماعهم بها ويتشوفون إليها فهم طالبون لها بلسان الحال دون لسان المقال ، بخلاف الكفارات والمندوبات التي لا شعور لهم فإنهم لا يتشوفون إلى ما لا شعور لهم به .
وكذلك
لو كان على المكلف دين فإنه لا يلزمه المبادرة إلى أدائه مع علم صاحبه به ولا تجب المبادرة إليه إلا إذا طلبه بلسان المقال ، وإن ظهرت قرائن تشعر بالطلب بلسان الحال ففي وجوب المبادرة تردد واحتمال ، وإنما وجب الحكم بين الخصوم على الفور لأن أحد الخصمين ظالم مبطل وظلمه مفسدة ، ولو تأخر الحكم لتحققت المفسدة .
وكذلك يجب أداء
[ ص: 251 ] الشهادة على الفور وكذلك الفتيا عند مسيس الحاجة إليها كما ذكرناه دفعا للمفسدة عن المستفتي . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل عما مسته الحاجة إليه بادر بالجواب ، وإن لم يكن عنده علم صبر حتى ينزل الوحي بجواب الواقعة ، وكذلك المفتون بعده إذا سئلوا عما لا يعلمون صبروا حتى يجتهدوا في حكم الواقعة ، فإن كان الجواب مما يجب على الفور فالاجتهاد في معرفة الحكم واجب وكل واجب على التراخي فإنه يصير واجبا على الفور إذا ضاق وقته ، ومن
ترك الصلاة عمدا ففي وجوب قضائها على الفور خلاف لأن وقتها لما ضاق صارت على الفور .
وكذلك من أفسد الحج وجب قضاؤه على الفور لأنه صار على الفور لما أحرم به ، فإن قيل هلا وجب الحج على الفور ؟ قلنا لأن المقصود الأعظم منه ثواب الآخرة وهو متراخ بخلاف الزكاة فإن المقصود منها دفع الحاجات وهي متحققة على الفور .
وأما ما يجب على التراخي فكالحج ، والعمرة والنذور المطلقة ، والكفارات .