فإن قيل
لم فرق بين الأحرار والعبيد في الحدود مع تساويهم في الجرائم وتحقيق المفاسد ؟ قلنا : تعذيب الأماثل على الإساءة أشد من تعذيب الأراذل ; لأن صدور المعصية منهم مع الإنعام عليهم والإحسان إليهم أقبح من صدورها من الأراذل . ألا ترى إلى قوله ، {
يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين } ، وإلى قوله : {
لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ، إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات } ، وإلى قوله : {
ولو تقول علينا بعض الأقاويل ، لأخذنا منه باليمين ، ثم لقطعنا منه الوتين } . وإنما كان كذلك لما يجب على المنعم عليه المفضل من شكر إحسان المنعم المتفضل ، فإذا قابل إحسانه بعصيانه ، كان ذلك أقبح من عصيان غيره . ولذلك قبحت معصية الوالدين وعقوقهما لما يجب من شكر إنعامهما بتربيتهما ، ألا ترى إلى قوله تعالى : {
أن اشكر لي ولوالديك } ولو سب الوزير الملك بمسبة سبه بها السائس لاستحق العذاب الأليم ، ولم يسو بينه وبين السائس لأجل الإنعام عليه ، والإحسان إليه . فإن قيل قد سويتم بين الأحرار والعبيد في قطع السرقة وقتل المحاربة ؟ قلنا : سوينا بينهما لتعذر تبعيض القطع والقتل .