[ ص: 43 ] ( فائدة )
الغرض من نصب القضاة إنصاف المظلومين من الظالمين ، وتوفير الحقوق على المستحقين ، والنظر لمن يتعذر نظره لنفسه كالصبيان والمجانين والمبذرين والغائبين ، فلذلك كان سلوك أقرب الطرق في القضاء واجبا على الفور ; لما فيه من إيصال الحقوق إلى المستحقين ودرء المفسدة عن الظالمين والمبطلين ، وقد تقدم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على الفور ، وأحد الخصمين ههنا ظالم أو مبطل وتجب إزالة الظلم والباطل على الفور وإن لم يكن آثما بجهله ; لأن الغرض إنما هو دفع المفاسد سواء كان مرتكبا آثما أو غير آثم .
وكذلك يجب
القضاء على الغائب لما في تأخيره إلى حضوره من استمرار المفسدة ; لأن الدعوة إن كانت بطلاق تضررت المرأة ببقائها في قيود نكاح مرتفع ، ولم تتمكن من التزوج ولا مما يتمكن منه الخليات ، وإن كانت بعتاق تضررت الأمة والعبد بإجراء أحكام الرق عليهما إلى حضور الغائب ، وإن كانت الدعوى بعين تضرر ربها بالحيلولة بينه وبينها ، وإن كانت بدين تضرر ربه بتأخير قبضه وعدم الارتفاق به ، ولا فرق بين الغائب والحاضر في إقامة الحجج ، فإن الظن المستفاد في إقامة الحجج على الغائب كالظن المستفاد من إقامتها على الحاضر .
فإن قيل : الحاضر يناضل عن نفسه بالمعارضات ، والجرح بخلاف الغائب . قلنا : لا يجوز ترك ما وجب ظهوره بحجة شرعية لاحتمال الأصل وعدمه ، والحاكم يناضل عن الغائب على حسب الإمكان ، ولذلك يحلف المدعي ، ولا يجوز إهمال الحجج الشرعية لمجرد الأوهام والظنون الضعيفة ; لما ذكرناه من تقديم الظن القوي على الظن الضعيف في سائر الأحكام .
فإن قيل : ما المعنى بالظالم والمبطل في هذا الباب ؟ قلنا : أما الظالم فهو ظالم بأنه عاص لله بجحوده وإنكاره ومنع الحق من مستحقه ، فيجب على الحاكم سلوك أقرب الطرق في دفع هذه المفسدة عن المستحق ، ولا سيما
[ ص: 44 ] إذا تعلقت الدعاوى بالأبضاع ; ولأن مطل الغني بالحقوق التي يقدر على دفعها ظلم ، ولا تجوز الإعانة على الظلم ، وقد قال عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7084أنصر أخاك ظالما أو مظلوما } وأراد بنصر الظالم أن يزعه عن الظلم ويكفه عنه كما فسره عليه السلام .
وأما المبطل فهو الذي يجحد ما يجهل وجوبه من الحقوق الواجبة في نفس الأمر فهذا لا إثم عليه ، ولكنه يجب إيصال الحق إلى مستحقه على الفور ، وإن لم يكن المستحق عليه آثما دفعا لمفسدة تأخر الحق عن مستحقه ولا سيما إذا
ادعت الزوجة الطلاق والأمة العتاق فأنكرهما ، وكان وكيله قد طلق الزوجة وأعتق الأمة ، وهو لا يشعر .
وكذلك إذا
أخرج وكيله شيئا من الأعيان والمنافع عن ملكه فأنكره ظنا أن الوكيل ما تصرف فيه .
وكذلك لو
زوجه أبوه امرأة في صغره فادعت عليه حقوق النكاح في كبره فأنكرها بناء على جهله بالنكاح ، فيجب سلوك أقرب الطرق في إيصالها وفي حقوق النكاح فوجوبها على الصحة ، فإن المطل بالحق بعد طلبه مفسدة محرمة على من علمها .