وأسباب التحريم والتحليل ضربان : أحدهما قائم بالمحل الذي يتعلق به فعل المكلف ، والثاني خارج عن المحل ، فأما القائم بالمحل من أسباب التحريم فهو كل صفة قائمة بالمحل موجبة للتحريم كصفة الخمر فإنها محرمة ، لما قام بشربها من الشدة المطربة المفسدة للعقول ، وكالميتة حرمت لما قام بها من الاستقذار ، وكلحم الخنزير يحرم لصفة قائمة به ، وكالسموم القاتلة حرمت
[ ص: 109 ] لما قام بها من الصفة القاتلة ، وكذلك الصفات النسبية كالأمومة والجدودة والبنوة والأخوة والعمومة والخؤولة واللعان المحرم للنكاح .
وأما القائم بالمحل من أسباب التحليل فهو كل صفة قائمة بالمحل موجبة للتحليل ، كصفة البر والشعير والرطب والعنب والإبل والبقر والغنم .
وأما الخارج عن المحل فضربان : أحدهما الأسباب الباطلة كالغصب والقمار والحرية المانعة من البيع فهذه أسباب خارجة عن المحل موجبة لتحريم الفعل المتعلق به .
الضرب الثاني : الأسباب الصحيحة كالبيع الصحيح والإجارة الصحيحة والمعاملات المحكوم بصحتها شرعا إما بنص أو إجماع فهذا حلال بسببه ، فما كان في هذه الأعيان حلالا بوصفه وسببه فهو حلال بين كما لو باع النعم أو البر أو الشعير أو الرطب أو العنب بيعا صحيحا متفقا على صحته أو منصوصا عليها ، وما كان من هذه الأعيان حرام بوصفه وسببه فهو حرام بين كالخمر ولحم الخنزير يغصبان من ذمي ، وما كان من هذه الأعيان متفقا على وصفه القائم به مختلفا في سببه الخارج عنه ، أو كان متفقا على سببه الخارج عنه مختلفا في وصفه القائم به ، فإنك تنظر إلى مأخذ تحليله وتحريمه بالنظر إلى وصفه القائم به وإلى سببه الخارج عنه ، فإن كانت أدلتهما متفاوتة ، فما رجح دليل تحريمه كان حراما ، وما رجح دليل تحليله كان حلالا ، وإن تقاربت أدلته كان مشتبها وكان اجتنابه من ترك الشبهات ، فإنه أشبه المحلل من جهة قيام دليل تحليله ، وأشبه المحرم من جهة قيام دليل تحريمه فمن ترك مثل هذا فقد استبرأ لدينه وعرضه ، وإذا تقاربت الأدلة فما كان أقرب إلى أدلة التحريم تأكد اجتنابه واشتدت
[ ص: 110 ] كراهته ، وما كان أقرب إلى أدلة التحليل خف الورع في اجتنابه وإن كافأ دليل التحليل دليل التحريم حرم الإقدام ولم يتخير على الأصح ، وكل حكم استند إلى دليل لو حكم به الحاكم لنقض حكمه فذلك دال على البطلان ، لأنا إنما حكمنا بنقضه لبطلان دليله ، وما بطل دليله كان باطلا في نفسه .