[ ص: 129 ] المثال السابع : توزيع القيمة على الأعيان المبيعة في الصفقة الواحدة وعلى المنافع المختلفة المستحقة بإجارة واحدة . مثاله في البيوع : إذا اشترى جارية تساوي ألفا وأخرى تساوي خمسمائة بتسعمائة فإنا نقابل التي تساوي ألفا بستمائة والتي تساوي خمسمائة بثلاثمائة ، ومثاله في الإجارة إجارة منازل
مكة فإن الشهر منها في أيام الموسم يساوي عشرة ، وبقية السنة تساوي عشرة فيقابل شهر الموسم بنصف الأجرة ، وبقية السنة بما بقي منها ، فإن أهل العرف يبذلون أشرف الثمن في أشرف المثمن ، وأرذله في أرذله ويقابلون النفيس بالنفيس والخسيس بالخسيس ، وكذلك في الإجارات .
ولا يشك عاقل أن من اشترى خرزة ودرة بألف في أنه بذل في الدرة أكثر الثمن وفي الخرزة أقله ، وأن من استأجر دارا خسيسة مع دار نفيسة أو استأجر دابة فارهة مع دابة بطيئة أو استأجر سيفا قاطعا وسيفا كالا ، أنه بذل أكثر الأجرة في أكثر ذلك منفعة وأقل الأجرة في أقل ذلك منفعة .
ولهذه القاعدة امتنعت مسألة مد عجوة ، ومسألة المراطلة ، وكذلك أخذ الشقص بما يخصه من الثمن بناء على هذه القاعدة ، وجاز لمن اشترى عبدين بثمن أن يوزع الثمن على قيمتهما ثم يخبر أنه اشترى كل واحد منهما بما يقتضيه التوزيع على القيمة .
وأما ما ذكره بعض العلماء في مسألة مد عجوة من مقابله الربوي بمثله من الربوي فبعيد إذ لا يخطر ما ذكره على بال أحد من المتعاقدين ، بخلاف الحمل على التوزيع فإنه غالب مفهوم .
فإن قيل : وضع العقود على أن يكون العوض في مقابلة المقصود ، وأن تتوزع أجزاء العوض على أجزاء المقصود ، فإذا
مات الأجير في أثناء الحج فهلا تسقط جميع أجرته لأنه لم يحصل شيئا من مقصود المحجوج عنه ؟
[ ص: 130 ] قلنا : إن جوزنا البناء على ما فعله الأجير فقد حصل الأجير أجرة المقصود ، وإن لم نجوز ذلك ففيه قولان : أحدهما : لا يستحق شيئا وهو القياس ، إذ لم يحصل شيئا من مقصود المستأجر ، لأن مقصوده براءة الذمة من الحج ، ولم تبرأ الذمة من شيء من أركان الحج ، بخلاف غيره من الإيجارات فيمن
استأجر لبناء حائط فبنى شطره ، أو لطحن حنطة فطحن بعضها ، أو لخياطة ثوب فخاط بعضه ، أو لكتابة مصحف فكتب بعضه فإنه قد حصل بعض مقصود المستأجر - والأجير في الحج لم يحصل شيئا من مقصود المستأجر - وإن أتى بمعظم أركان الحج . فيشبه ما لو رد عامل الجعالة العبد الآبق من مسيرة شهر إلى باب دار الجاعل فهرب منه قبل تسليمه إلى الجاعل ، فإنه لا يستحق شيئا اتفاقا لأنه لم يحصل شيئا من مقصود الجاعل .
القول الثاني : أن الأجرة توزع على أعمال الحج فيستحق منها بقدر ما عمل ، ويسقط منها بقدر ما ترك ، قياسا على سائر الأعمال ، وفيه بعد لأن سائر الأعمال إنما يقسط عليها لاشتمالها على تحصيل بعض المقصود ، وهذه الأعمال لم تحصل شيئا من المقصود ، والعقود مبنية على مراعاة المقصود دون صور الأعواض ، وفي هذا القول نظر إلى مصلحة الأجير لكنه بعيد من الأقيسة .