وكذلك جوز الشرع
القراض على عمل معدوم مجهول وجزء من الربح معدوم مجهول ، إذ لا تحصل فائدة القراض من الطرفين ومصلحته غالبا إلا كذلك ، لكنه شرط في ذلك غلبة الوجود في العوضين كما شرط في الإجارة ، وكذلك جوزت المساقاة على ثمر مجهول معدوم ، وعلى عمل معلوم معدوم ، إذ لا حاجة إلى جهالة العمل في المساقاة والمزارعة وإذ لا حاجة إلى جهل الجعل في الجعالة ، لكن يشترط في عوض المساقاة غلبة الوجود ، ولا يشترط ذلك في عمل الجعالة لتعذره . وإن كانت الثمرة موجودة جازت المساقاة على الأصح ، لانتفاء الغرس وموافقة ذلك لقواعد العقود .
ونظير تجويز
المساقاة على ثمار مجهولة معدومة بأعمال معلومة : الإجارة على الرضاع ; فإن اللبن فيه معدوم مجهول كالثمار والحبوب في المساقاة والمزارعة
[ ص: 145 ] والأجرة في ذلك معلومة إذ لا حاجة أن تكون مجهولة كما في عمل المساقاة ، ولا وجه لقول من شرط الحضانة في الإجارة على الرضاع ليكون الرضاع تابعا كما يتبع الماء الإجارة على المزارعة ، وهذا لا يصح لأن المقصود الأعظم من الرضاع إنما هو اللبن دون الحضانة ، ويدل على ذلك أن الله علق إيتاء الأجرة على مجرد الرضاع بقوله : {
فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } .
وكذلك
دخول مياه الأنهار والعيون والآبار في الإجارة على زرع الحبوب أو غرس الأشجار ، وكذلك دخول المياه المذكورة في إجارة الأرحية والديار ، إذ لا يتم مقاصد هذه الإجارة إلا بذلك ، لأنه في الديار يكمل الانتفاع وفي الأرحية والمزارع والمغارس محصل لأصل الانتفاع .
وكذلك جوزت
الجعالة على عمل مجهول مع عمل مجهول لأن مصلحة رد الضائع لا تحصل في الغالب إلا كذلك ، وشرط في الجعل ما شرط في الأجرة إذ لا تدعو الحاجة إلى مخالفة الأصول فيه إلا مسألة العلج وهو الكافر الغليظ الشديد إذا دل المسلمين على عورات حصون المشركين يجعل من مال المشركين ، فإنه يصح مع أنه مجهول غير مملوك ولا مقدور على تسليمه لماس الحاجة إلى ذلك في إقامة مصالح الجهالة .