ومن ذلك جواز التصرفات ولزومها ، والتصرفات أنواع .
[ ص: 148 ] أحدها :
ما لا يتم مصالحه ومقاصده إلا بلزومه من طرفيه كالبيع والإجارة والأنكحة والأوقاف والضمان والهبات .
وأما البيع والإجارة فلو كانا جائزين لما وثق كل واحد من المتعاقدين بالانتفاع بما صار إليه ولبطلت فائدة شرعيتهما إذ لا يأمن من فسخ صاحبه ، لكن دخل في البيع خيار المجلس على خلاف قاعدته لأن الحاجة تمس إليه فجاز مع قصر مدته ، وقد لا يتحقق العاقد في مدة المجلس أنه غابن أو مغبون ، فشرع خيار الشرط مقدرا بثلاثة أيام تكميلا للغرض من شرعية الخيار ، ولو شرط أحد المتعاقدين خيار المجلس لسقط على المختار لأن سقوطه موافق لمقاصد العقد بخلاف ما لو شرط نفي الملك والقبض لأنهما مراغمان لمقصود العقد .
وفي ثبوت
خيار المجلس في الإجارة المقدرة بالمدة خلاف لأدائه إلى تفويت بعض المعقود عليه .
وكذلك
يثبت الخيار في البيع لأسباب تغض من مقاصد الخيار كخيار الخلف وخيار العيب وخيار التدليس ، وكذلك في الإجارة .
وأما النكاح فلا تحصل مقاصده إلا بلزومه ولا يثبت فيه خيار مجلس ولا خيار شرط لما في ذلك من الضرر على الزوجين في أن يرد كل واحد منهما رد السلع مع أن الغالب في النكاح أن لا يقع إلا بعد البحث وصحة الرغبة ، ولا يفسخ إلا بعيوب خمسة قادحة في مقاصده ويقع بالطلاق عند الإيلاء .
وأما قطعه بالإعسار فهل هو قطع فسخ أو قطع طلاق فيه قولان ، وقد رأى بعض العلماء أن لا يفسخ بالإعسار ، لأن اليسار ليس من المقاصد الأصلية .
وأما الأوقاف فلا يحصل مقصودها الذي هو جريان أجرها في الحياة وبعد الممات إلا بلزومها ، وأما الضمان فلا يحصل مقصوده إلا بلزومه ولا خيار فيه في الوقف بحال .
وأما الهبات فالأصل فيها اللزوم ليحصل المتهب على مقاصدها لكن
[ ص: 149 ] شرع فيها الجواز إلى الإقباض نظرا للواهب والمتهب ، كما شرع خيار المجلس في البيع ، فإن الواهب قد يرى المصلحة في فسخ الهبة وصرف الموهوب فيما هو أهم منها ، وقد يرى المتهب أن لا يتحمل منه الواهب ، واستثنى الشرع
رجوع الآباء والأمهات في الهبات بعد الإقباض تخصيصا لشرف الولادة كما أوجب لهؤلاء من الحقوق ما لم يوجبه لغيرهم ، وحرم الرجوع في الهبات بعد لزومها على سواهم حتى شبه العائد في هبته بالكلب يعود في قيئه زجرا عن العود فيها لما فيه من أذية المتهب بإزالة ملكه مع تحمله ضيم منة الأجانب .