المثال التاسع عشر :
المخالطة في الطعام جائزة من المطلقين ، لأن كل واحد من المخالطين باذل للآخرين ما يأكلونه وإن كان مجهولا ، إذ لا يشترط العلم في الإباحة ، فإن المنائح والعواري وثمار البساتين جائزة مع الجهل بقدر ما يتناوله المباح له من ذلك ، وكذلك ما يأكله الضيفان كما ذكرناه .
[ ص: 187 ]
وأما مخالطة الأوصياء وأولياء اليتامى في مثل ذلك فيجوز أن يكون ذلك إباحة في مقابلة إباحة ، فإن الإباحة في مال اليتيم هي التي لا مقابل لها ، بخلاف هذه الإباحة ويجوز أن تكون مخالطة المحجور عليهم ومخالطة المطلقين من باب المعاوضة ، فيكون ما يأكله كل واحد منهم من نصيب غيره في مقابلة ما بذله من نصيب نفسه ، وإن تفاوت المتقابلان ، ولا يجوز للوصي أن يخالط اليتيم بحيث يقطع بأنه أكل من ماله أكثر مما بذله ، ولذلك قال الله تعالى : {
والله يعلم المفسد من المصلح } أي يعرف المفسد لما يتناوله من تفاوت المقابلة ، والأولى بالولي والوصي أن يخالطا اليتيم بما يعلمان أن اليتيم يأكل بقدر ماله أو أكثر منه .
فإن قيل لو كانت المخالطة من باب المقابلة لأدى ذلك إلى الربا للجهل بالمماثلة ، ولأن معظم الأطعمة خارج عن حال كمال المأكول ، فيجاب عن ذلك بأن هذا رخصة من المستثنيات للحاجات العامة فلا يتقاعد عن رخصة العرايا في الجهل بالمماثلة وخروج الرطب عن حال الكمال ، بل لو علمت المفاضلة ههنا بين المخالطين لجاز في مخالطة غير الأيتام ، وكذلك في الأيتام ، إذا كان ما يأكل اليتيم أكثر من ماله للحاجة إلى ذلك .