صفحة جزء
المثال الخامس والثلاثون : من قدر على استيفاء حق له مضبوط معين فله استيفاؤه : كانتزاع المغصوب من غاصبه ، والمسروق من سارقه ، ويستثنى [ ص: 198 ] من ذلك القصاص فإنه لا يستوفى إلا بحضرة الإمام لأن الانفراد باستيفائه محرك للفتن ، ولو انفرد بحيث لا يرى فينبغي أن لا يمنع منه ، ولا سيما إذا عجز عن إثباته .

وكذلك لا يستوفى حد القذف إلا بحضرة الإمام ، ولا ينفرد مستحقه باستيفائه لأنه غير مضبوط في شدة وقعه وإيلامه .

وكذلك التعزير لا يفوض إلى مستحقه إلا أن يضبطه الإمام بالحبس في مكان معلوم في مدة معلومة فيجوز له أن يتولاه المستحق .

وكذلك لا يجوز تفويض الحد والتعزير إلى عدو المحدود والمعزر : لما يخشى ذلك من مجاوزة الشرع في شدة الضرب .

وكذلك لا يفوض إلى الآباء والأبناء لاتهامهم في تخفيفه عن القدر المشروع ، ولو فوض الإمام قطع السرقة إلى السارق ، أو وكل المجني عليه الجاني في قطع عضو القصاص فوجهان :

أحدهما : يجوز لحصول المقصود باستيفائه .

والثاني لا يجوز لأن الاستيفاء لغيره أزجر له كما قالت الزباء لما مصت السم من خاتمها : بيدي لا بيدك يا عمرو .

ولو أوجر رجلا سما مدففا فقتله فأمره ولي القصاص بأن يشرب مثل ذلك السم ، فينبغي أن يخرج على الوجهين ، وقد قدمنا نظائر كثيرة لما خالف القواعد والأقيسة لما فيه من جلب المصالح العامة والخاصة ، والشريعة كلها مصالح من رب الأرباب لعباده فيا خيبة من لم يقبل نصحه في الدنيا والآخرة ؟ ؟

ارض لمن غاب عنك غيبته فذاك ذنب عقابه فيه

وكفى بالإنسان شرفا أن يتزين بطاعة مولاه فيما أمره ونهاه . وكفى به شرا أن يؤثر هواه على طاعة مولاه { بئس للظالمين بدلا } { ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون } .

التالي السابق


الخدمات العلمية