إن قال قائل : إذا
دفع الظلمة مما بأيديهم من الأموال إلى إنسان شيئا فهل يجوز له أخذه منهم أم لا ؟ قيل له : إن
علم المبذول له أن ما يدفع له مغصوب فله حالان : الأولى : أن يكون ممن يقتدى به ولو أخذ لفسد ظن الناس فيه بحيث لا يقتدون به ولا يقبلون فتياه ، فلا يجوز له أخذه لما في أخذه من فساد اعتقاد الناس في صدقه ودينه ، لا يقبلون له فتيا ، فيكون قد ضيع على الناس مصالح الفتيا . ولا شك أن حفظ تلك المصالح العامة الدائمة أولى من أخذ المغصوب ليرده على صاحبه .
وكذلك الشهود والحكام ما لم يصرحوا بأنهم أخذوه للرد على مالكه .
الحالة الثانية : ألا يكون المبذول له كذلك ، فإن أخذه لنفسه حرم عليه ، وإن أخذه ليرده إلى مالكه جاز ذلك ، وإن جهل مالكه بحث عنه إلى أن يعرفه ، فإن تعذرت معرفته صرفه في المصالح العامة أهمها فأهمها ، وأصلحها فأصلحها ، فإن لم يعرف تلك المصالح دفعه
[ ص: 84 ] إلى من يعرفها ، فإن لم يجد من يعرفها تربص بها إلى أن يجده فيتعرفها منه ، أو يدفعها إليه ليصرفها في مصالحها إن كان عدلا ، وإن كان المال الذي يبذلونه مأخوذا بحق ، فإن كان المال لمصالح خاصة كالزكاة لأربابها والخمس لأربابه ، والفيء للأجناد على قول ، فإن كان المبذول له من أهل ذلك المال الخاص فإن أعطي قدر حقه فليأخذه ، وإن أعطي زائدا على حقه فليأخذ قدر حقه ويكون حكم الزائد على حقه ما ذكرناه في المال المغصوب ، وإن كان ذلك من الأموال العامة فليأخذه إن لم تفت بأخذه مصلحة الفتيا ، وليصرفه في المصارف العامة أصلحها فأصلحها ، وإن لم يكن من أهل ذلك فعل ما ذكرنا في المال المغصوب ، وإن بذل له المال من جهة مجهولة فإن يئس من معرفة مستحقه فقد صار باليأس للمصالح العامة فليأخذه ويصرفه فيها ، وإن توقع معرفة مستحقيه فليأخذه بنية البحث عن مستحقيه ، فإن تعذرت معرفتهم بعد البحث التام صار كمال المصالح العامة .