فإن قيل ، ما تقولون في
معاملة من اعترف بأن أكثر ماله حرام ، هل تجوز أم لا ؟ قلنا : إن غلب الحرام عليه بحيث يندر الخلاص منه لم تجز معاملته ، مثل أن يقر إنسان أن في يده ألف دينار كلها حرام إلا دينارا واحدا ، فهذا لا تجوز معاملته ، لندرة الوقوع في الحلال ، كما لا يجوز الاصطياد إذا اختلطت حمامة برية بألف حمامة بلدية ، وإن عومل بأكثر من الدينار أو اصطياد أكثر من حمامة فلا شك في تحريم ذلك ، وإن غلب الحلال بأن اختلط درهم حرام بألف درهم حلال جازت المعاملة كما لو اختلطت أخته من الرضاع بألف امرأة أجنبية ، أو اختلطت ألف حمامة برية بحمامة بلدية فإن المعاملة صحيحة جائزة لندرة الوقوع في الحرام .
وكذلك الاصطياد ، وبين هاتين الرتبتين
[ ص: 85 ] من قلة الحرام وكثرته مراتب محرمة ، ومكروهة ، ومباحة ، وضابطها أن الكراهة تشتد بكثرة الحرام وتخف بكثرة الحلال ، فاشتباه أحد الدينارين بآخر سبب تحريم بين ، واشتباه دينار حلال بألف دينار حرام سبب تحريم بين ، وبينهما أمور مشتبهات مبنية على قلة الحرام وكثرته بالنسبة إلى الحلال فكلما كثر الحرام تأكدت الشبهة ، وكلما قل خفت الشبهة إلى أن يساوي الحلال الحرام فتستوي الشبهات ، وسنذكر هذا في موضعه مستقصى إن شاء الله تعالى .