قاعدة : إذا
تعذرت العدالة في الولاية العامة والخاصة بحيث لا يوجد عدل ، ولينا أقلهم فسوقا وله أمثلة : - أحدها : إذا
تعذر في الأئمة فيقدم أقلهم فسوقا عند الإمكان ، فإذا كان الأقل فسوقا يفرط في عشر المصالح العامة مثلا وغيره يفرط في خمسها لم تجز تولية من يفرط في الخمس فما زاد عليه ، ويجوز تولية من يفرط في العشر ، وإنما جوزنا ذلك لأن حفظ تسعة الأعشار بتضييع العشر أصلح للأيتام ولأهل الإسلام من تضييع الجميع ، ومن تضييع الخمس أيضا ، فيكون هذا من باب دفع أشد المفسدتين بأخفهما ، ولو
تولى الأموال العامة محجور عليه بالتبذير نفذت تصرفاته العامة إذا وافقت الحق للضرورة ، ولا ينفذ تصرفه لنفسه ، إذ لا موجب لإنقاذه مع خصوص مصلحته ، ولو
ابتلي الناس بتولية امرأة أو صبي مميز يرجع إلى رأي العقلاء فهل ينفذ تصرفهما العام فيما يوافق الحق كتجنيد الأجناد وتولية القضاة والولاة ؟ ففي ذلك وقفة .
ولو
استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة ، فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله جلبا للمصالح العامة ودفعا للمفاسد الشاملة ، إذ يبعد عن رحمة الشرع ورعايته لمصالح عباده تعطيل
[ ص: 86 ] المصالح العامة وتحمل المفاسد الشاملة ، لفوات الكمال فيمن يتعاطى توليتها لمن هو أهل لها ، وفي ذلك احتمال بعيد .
المثال الثاني :
الحكام إذا تفاوتوا في الفسوق قدمنا أقلهم فسوقا ، لأنا لو قدمنا غيره لفات مع المصالح ما لنا عنه مندوحة ، ولا يجوز تفويت مصالح الإسلام إلا عند تعذر القيام بها ، ولو لم يجوز هذا وأمثاله لضاعت أموال الأيتام كلها ، وأموال المصالح بأسرها . وقد قال الله تعالى : {
فاتقوا الله ما استطعتم } . ولو فاتت العدالة في شهود الحكام ففي هذا وقفة ، من جهة أن مصلحة المدعي معارضة بمفسدة المدعى عليه ، والمختار أنه لا يقبل ، لأن الأصل عدم الحقوق المتعلقة بالذمم والأبدان ، والظاهر مما في الأيدي لأربابها .
المثال الثالث : إذا
تعذرت العدالة في ولاية الأيتام فيختص بها أقلهم فسوقا فأقلهم ، لأن حفظ البعض أولى من تضييع الكل ، فإذا كان مال اليتيم ألفا وأقل ولاية فسوقا يخون في مائة من الألف ويحفظ الباقي لم يجز أن يدفع إلى من يخون في مائتين فما زاد عليها .
المثال الرابع :
فوات العدالة في المؤذنين والأئمة يقدم فيها الفاسق على الأفسق تحصيلا للمصالح على حسب الإمكان .
المثال الخامس : إذا
تفاوتت رتب الفسوق في حق الأئمة قدمنا أقلهم فسوقا ، مثل إن كان فسق أحد الأئمة بقتل النفوس وفسق الآخر بانتهاك حرمة الأبضاع ، وفسق الآخر بالتضرع للأموال ، قدمنا المتضرع للأموال على المتضرع للدماء والأبضاع ، فإن تعذر تقديمه قدمنا المتضرع للأبضاع على من يتعرض للدماء ، وكذلك يترتب التقديم على الكبير من الذنوب والأكبر والصغير منها والأصغر على اختلاف رتبها .
[ ص: 87 ]
فإن قيل :
أيجوز القتال مع أحدهما لإقامة ولايته وإدامة تصرفه مع إعانته على معصيته ؟
قلنا : نعم دفعا لما بين مفسدتي الفسوقين من التفاوت ودرءا للأفسد فالأفسد ، وفي هذا وقفة وإشكال من جهة أنا نعين الظالم على فساد الأموال دفعا لمفسدة الأبضاع وهي معصية .
وكذلك نعين الآخر على إفساد الأبضاع دفعا لمفسدة الدماء وهي معصية ، ولكن قد يجوز
الإعانة على المعصية لا لكونها معصية بل لكونها وسيلة إلى تحصيل المصلحة الراجحة وكذلك إذا حصل بالإعانة مصلحة تربو على مصلحة تفويت المفسدة كما ، تبذل الأموال في فدى الأسرى الأحرار المسلمين من أيدي الكفرة والفجرة .
المثال السادس : إذا
لم تجد المرأة وليا ولا حاكما فهل لها أن تحكم أجنبيا يزوجها ؟ أو تفوض إليه التزويج من غير تحكيم ؟ فيه اختلاف ، ومبنى هذه المسائل كلها على الضرورات ومسيس الحاجات ، وقد يجوز في حال الاضطرار ما لا يجوز في حال الاختيار ، كما يجوز لمن ظفر بمال غريمه الجاحد لدينه أن يأخذ من ماله مثل حقه ، فإن كان من غير جنسه فله أن يأخذه ويبيعه .
وكذلك مسألة هروب الجمال وتركه الجمال ، كذلك الالتقاط وتخيير الملتقط في التمليك بعد التعريف المعتبر ، وكذلك أكل المضطر الطعام بغير إذن ربه .