( فصل ) وأما
الحجاز فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : سمي
حجازا لأنه حجز بين
نجد وتهامة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12861ابن الكلبي : سمي
حجازا لما احتجز به من الجبال .
وما سوى الحرم منه مخصوص من سائر البلاد بأربعة أحكام : أحدها أن لا يستوطنه مشرك من ذمي ولا معاهد ، وجوزه
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وقد روى
عبيد الله بن عبد الله بن مسعود رحمه الله عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها أنها قالت : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=27153كان آخر ما عهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : لا يجتمع في جزيرة العرب دينان } .
وأجلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أهل الذمة عن
الحجاز ، وضرب لمن قدم منهم تاجرا أو صانعا مقام ثلاثة أيام ويخرجون بعد انقضائها فجرى به العمل واستقر عليه الحكم فمنع
أهل الذمة من استيطان
الحجاز ولا يمكنون من دخوله ولا يقيم الواحد منهم في موضع منه أكثر من ثلاثة أيام ، فإذا انقضت صرف عن موضعه وجاز أن يقيم في غيره ثلاثة أيام ثم يصرف إلى غيره . فإن أقام بموضع منه أكثر من ثلاثة أيام عزر إن لم يكن معذورا .
والحكم الثاني أن
لا تدفن أمواتهم وينقلوا إن دفنوا فيه إلى غيره ; لأن دفنهم مستدام فصار كالاستيطان ، إلا أن يبعد مسافة إخراجهم منه ويتغيروا إن أخرجوا فيجوز لأجل الضرورة أن يدفنوا فيه .
والحكم الثالث أن
لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجاز حرما محظورا ما بين لابتيها يمنع من تنفير صيده وعضد شجره كحرم
مكة . وأباحه
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وجعل
المدينة كغيرها ، وفيما قدمناه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة دليل على أن حرم
المدينة محظور ، فإن قتل صيده وعضد شجره فقد قيل : إن جزاءه سلب ثيابه ، وقيل تعزيره .
والحكم الرابع : أن
أرض الحجاز تنقسم لاختصاص رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتحها [ ص: 213 ] قسمين : أحدهما صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أخذها بحقيه ، فإن أحد حقيه خمس الخمس من الفيء والغنائم .
والحق الثاني أربعة أخماس الفيء الذي أفاءه الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب ، فما صار إليه بواحد من هذين الحقين ، فقد رضخ منه لبعض أصحابه وترك باقيه لنفقته وصلاته ومصالح المسلمين ، حتى مات عنه صلى الله عليه وسلم فاختلف الناس في حكمه بعد موته فجعله قوم موروثا عنه ومقسوما على المواريث ملكا .
وجعله آخرون للإمام القائم مقامه في حماية البيضة وجهاد العدو .
والذي عليه جمهور الفقهاء أنها صدقات محرمة الرقاب مخصوصة المنافع مصروفة في وجوه المصالح العامة ، وما سوى صدقاته أرض عشر لا خراج عليها ; لأنها ما بين مغنوم ملك على أهله أو متروك لمن أسلم عليه ، وكلا الأمرين معشور لا خراج عليه .
فأما
صدقات النبي عليه الصلاة والسلام فهي محصورة ; لأنه قبض عنها فتعينت ، وهي ثمانية : إحداها وهي أول أرض ملكها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصية
مخيريق اليهودي من أموال
بني النضير .
حكى
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي أن
مخيريقا اليهودي كان حبرا من علماء
بني النضير آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
أحد وكانت له سبعة حوائط وهي المبيت والصافية والدلال وجسني وبرقة والأعراف والمسربة فوصى بها لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم وقاتل معه
بأحد حتى قتل رحمه الله .
والصدقة الثانية أرضه من أموال
بني النضير بالمدينة ، وهي أول أرض أفاءها الله على رسوله فأجلاهم عنها وكف عن دمائهم وجعل لهم ما حملته الإبل من أموالهم إلا الحلقة ، وهي السلاح ، فخرجوا بما استقلت إبلهم إلى
خيبر والشام وخلصت أرضهم كلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما كان
ليمين بن عمير وأبي سعد بن وهب فإنهما أسلما قبل الظفر فأحرز لهما إسلامهما جميع أموالهما ، ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سوى الأرضين من أموالهم على
المهاجرين الأولين دون
الأنصار إلا
nindex.php?page=showalam&ids=3753سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن [ ص: 214 ] خرشة فإنهما ذكرا فقرا فأعطاهما وحبس الأرضين على نفسه فكانت من صدقاته يضعها حيث يشاء وينفق منها على أزواجه ، ثم سلمها
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر إلى
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي رضوان الله عليهما ليقوما بمصرفها .
والصدقة الثالثة والرابعة والخامسة ثلاثة حصون من
خيبر ، وكانت ثمانية حصون :
ناعم والقموص وشق والنطاة والكتيبة والوطبح والسلالم وحصن الصعب بن معاذ ، وكان أول حصن فتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ناعم وعنه قتل
محمود بن مسلمة أخو
محمد بن مسلمة والثاني القموص وهو حصن
ابن أبي الحقيق ، ومن سبيه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13535اصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي بن أخطب وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها وجعل عتقها صداقها } ، ثم
حصن الصعب بن معاذ وكان أعظم حصون
خيبر وأكثرها مالا وطعاما وحيوانا ، ثم
شق والنطاة والكتيبة فهذه الحصون الستة فتحت عنوة ، ثم افتتح
الوطبح والسلالم وهي آخر فتوح
خيبر صلحا بعد أن حاصرهم بضع عشر ليلة فسألوه أن يسير بهم ويحقن لهم دماءهم ففعل ذلك ، وملك من هذه الحصون الثمانية ثلاثة حصون
الكتيبة والوطبح والسلالم : أما
الكتيبة فأخذها بخمس الغنيمة .
وأما
الوطبح والسلالم فهما مما أفاء الله عليه ; لأنه فتحها صلحا ، فصارت هذه الحصون الثلاثة بالفيء والخمس خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصدق بها وكانت من صدقاته . وقسم الخمسة الباقية بين الغانمين وفي جملتها وادي
خيبر ووادي السرير ووادي حاضر على ثمانية عشر سهما ، وكانت عدة من قسمت عليه ألفا وأربعمائة وهم أهل
الحديبية من شهد منهم
خيبر ومن غاب عنها ، ولم يغب عنها إلا
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قسم له كسهم من حضرها ، وكان فيهم مائتا فارس أعطاهم ستمائة سهم ، وألف ومائتا سهم لألف ومائتي رجل ، فكانت سهام جميعهم ألفا وثمانمائة سهم ، أعطى لكل مائة سهما فلذلك صارت
خيبر مقسومة على ثمانية عشر سهما .
والصدقة السادسة النصف من
فدك ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم {
لما فتح خيبر جاءه أهل فدك فصالحوه بسفارة محيصة بن مسعود على أن له نصف أرضهم [ ص: 215 ] ونخلهم يعاملهم عليه ولهم النصف الآخر ، فصار النصف منها من صدقاته معاملة مع أهلها بالنصف من ثمرتها والنصف الآخر خالصا لهم إلى أن أجلاهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيمن أجلاه من أهل الذمة عن الحجاز ، فقوم فدك ودفع إليهم نصف القيمة فبلغ ذلك ستين ألف درهم ، وكان الذي قومها nindex.php?page=showalam&ids=2737مالك بن التيهان وسهل بن أبي حثمة nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت } ، فصار نصفها من صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصفها الآخر لكافة المسلمين ، ومصرف النصفين الآن سواء .
والصدقة السابعة الثلث من أرض
وادي القرى لأن ثلثها كان
لبني عذرة وثلثيها
لليهود فصالحهم رسول الله عليه الصلاة والسلام على نصفه ، فصارت أثلاثا ثلثها لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو من صدقاته ، وثلثها
لليهود ، وثلثها
لبني عذرة إلى أن أجلاهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه عنها وقوم فيها فبلغت قيمته تسعين ألف دينار فدفعها إليهم وقال
لبني عذرة إن شئتم أديتم نصف ما أعطيت ونعطيكم النصف فأعطوه وهو خمسة وأربعون ألف دينار فصار نصف الوادي
لبني عذرة ، والنصف الآخر الثلث منه في صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم والسدس منه لكافة المسلمين ، ومصرف جميع النصف سواء .
والصدقة الثامنة موضع سوق
بالمدينة يقال له
مهروذ استقطعها
مروان من
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه فنقم الناس بها عليه ، فاحتمل أن يكون إقطاع تضمين لا تمليك ليكون له في الجواز وجه ، فهذه ثمان صدقات حكاها أهل السير ونقلها وجوه رواة المغازي ، والله أعلم بصحة ما ذكرنا .
فأما ما سوى هذه الصدقات الثمانية من أمواله ، فقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث من أبيه
عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=11406أم أيمن الحبشية واسمها بركة ، وخمسة أجمال وقطعة من غنم ، وقيل ومولاه
شقران وابنه
صالحا وقد شهد
بدرا ، وورث من أمه
آمنة بنت وهب الزهرية دارها التي ولد فيها في شعب
بني nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، وورث من زوجته
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة بنت خويلد رضي الله عنها دارها
بمكة بين
الصفا والمروة خلف سوق العطارين وأموالا .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام اشترى
[ ص: 216 ] لخديجة nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة من
سوق عكاظ بأربعمائة درهم فاستوهبه منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وزوجه
nindex.php?page=showalam&ids=11406أم أيمن فولدت
nindex.php?page=showalam&ids=11406أم أيمن nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بعد النبوة ، فأما الداران فإن
nindex.php?page=showalam&ids=222عقيل بن أبي طالب باعهما بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم
مكة في حجة الوداع قيل له في أي داريك تنزل ؟ فقال هل ترك لنا
nindex.php?page=showalam&ids=222عقيل من ربع فلم يرجع فيما باعه
nindex.php?page=showalam&ids=222عقيل لأنه تغلب عليه
ومكة دار حرب يومئذ فأجرى عليه حكم المستهلك فخرجت هاتان الداران من صدقاته .
وأما دور أزواج النبي عليه الصلاة والسلام ، فقد كان أعطى كل واحدة منهن الدار التي يسكنها ، ووصى بذلك لهن ، فإن كان ذلك منه عطية تمليك فهي خارجة من صدقاته ، وإن كان عطية سكنى وإرفاق فهي من جملة صدقاته ، وقد دخلت اليوم في المسجد ، ولا أحسب منها ما هو خارج عنه .
وأما رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلته ، فقد روى
هشام الكلبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16731عوانة بن الحكم أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق رضي الله عنه دفع إلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه آلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودابته وحذاءه ، وقال : ما سوى ذلك صدقة ، وروى
الأسود عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17043توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير } .
فإن كانت درعه المعروفة بالبتراء ، فقد حكي أنها كانت على
الحسين بن علي رضوان الله عليهما يوم قتل فأخذها
عبيد الله بن زياد ، فلما قتل
المختار عبيد الله بن زياد صارت الدرع إلى
عباد بن الحصين الحنظلي ، ثم إن
خالد بن عبد الله بن أسيد وكان أمير
البصرة سأل عبادا عنها فجحده إياها فضربه مائة سوط فكتب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان مثل عباد لا يضرب إنما كان ينبغي أن يقتل أو يعفى عنه ; ثم لا يعرف للدرع خبر بعد ذلك .
أما البردة فقد اختلف الناس فيها ، فحكى
أبان بن ثعلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وهبها
لكعب بن زهير واشتراها منه
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية رضي الله عنه وهي التي يلبسها الخلفاء ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16240ضمرة بن ربيعة أن هذه البردة أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ ص: 217 ] أهل آيلة أمانا لهم فأخذها منهم
سعيد بن خالد بن أبي أوفى وكان عاملا عليهم من قبل
nindex.php?page=showalam&ids=17068مروان بن محمد فبعث بها إليه ، وكانت في خزائنه حتى أخذت بعد قتله ، وقيل اشتراها
nindex.php?page=showalam&ids=14485أبو العباس السفاح بثلاثمائة دينار .
وأما القضيب فهو من تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي صدقة وقد صار مع البردة من شعار الخلافة .
أما الخاتم فلبسه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر ثم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ثم
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنهم حتى سقط من يده في بئر فلم يجده ، فهذا شرح ما قبض عنه رسول الله من صدقته وتركته .